IMLebanon

إنتخاباتٌ خطِرة ومُكلِفة بكلّ المعايير

كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:

طُوِيت اسْتقالةُ رئيس الحكومة سعد الحريري ولكنّ تداعياتِها والمضاعفات التي أحدثتها على مختلف المستويات الداخلية والخارجية لم تنتهِ فصولاً بعد، سواءٌ على مستوى تيار «المستقبل» ومستقبل تعاطيه مع القضايا الداخلية وعلاقاته مع بقية الأفرقاء السياسيين من حلفاء أو خصوم، وكذلك علاقاته الخارجية، أو على مستوى مستقبل الوضع السياسي الذي سيتصدّره استحقاقُ الانْتخابات النيابية عمَلياً بدءاً من مطلع السنة الجديدة.وبغض النظر عن القلق الذي يُثار حالياً حول مصير الانتخابات في ظلّ توقعات البعض وتخوّفهم من ربيعٍ حارّ على مستوى لبنان والمنطقة قد تتسبّب به حربٌ يمكن إسرائيل أن تشنّها على الجبهة اللبنانية – السورية قد يصادف موعد الانتخابات مطلع أيار المقبل أو يسبقه، فإنّ هذه الانتخابات ستتّخذها القوى السياسية محطةً لتجديد طواقمها السياسية التي تعتقد هذه القوى أنها باتت في حاجة الى تجديدها بعد تمديد ولاية المجلس النيابي لولايتين كل ما مرّ عليه من محطات كان آخرها وربما أقساها ما سبق استقالة الحريري وأعقبها قبل أن يعود الرجل عنها في ضوء البيان ـ الوثيقة الذي أقرّه مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة مجدّداً فيها تأكيد «إلتزام الحكومة اللبنانية بكلّ مكوّناتها السياسية النأيَ بنفسها عن أيّ نزاعات أو صراعات أو حروب أو عن الشؤون الداخلية للدول العربية، حفاظاً على علاقات لبنان السياسية والاقْتصادية مع أشقّائه العرب».

وكذلك تجديد تمسّك الحكومة بـ«اتفاق الطائف» والتطلّع الى «أفضل العلاقات مع الأشقّاء العرب وأمتنِها، بروح الروابط التاريخية التي تجمع بين دولِنا وشعوبنا».

وقد أضاف الحريري الى هذه الوثيقة موقفاً قال فيه إنه «بات لزاماً علينا (…) أن نتّخذ قراراً نعلن فيه النأيَ بالنفس قولاً وفعلاً. أي إنّه يجب أن نقتنعَ بأنّ التدخّلَ بالشؤون الداخلية لدول الخليج له انعكاساتٌ خطيرة على أوضاعنا ومصالحنا. وإذا كنّا نرفض أن تتدخّلَ أيُّ دولة في شؤون لبنان فلا يجوز أن نقبلَ أن يتدخّل أيُّ طرفٍ لبناني في شؤون الدول العربية، خصوصاً في شؤون دول الخليج العربي».

ولكن على وقع التحضيراتِ للانْتخابات والحملاتِ الانْتخابية وما يرافقها عادة من تشنّجات وانفعالات بين المتنافسين يُرجَّح أن يغيبَ الاهتمامُ بالقضايا السياسية الكبرى بما فيها هذه الوثيقة السياسية الصادرة عن مجلس الوزراء والتي جاءت بصيغة يُجمع كثيرون على وصفها بأنها «أفضلُ الممكن»، بل «كلّ الممكن»، في اعتبار أنه لن يكون هناك «تحييدٌ كامل» كون لبنان يعيش في قلب ما تعيشه المنطقة ويتفاعل يومياً مع كل الأحداث التي تدور على ساحاتها من الخليج العربي الى المحيط الأطلسي.

لكنّ الموقف الخليجي من هذه الصيغة جاء متفاوِتاً، فهو لم يكن إحتفالياً بها في أيّ حال، وبعض الخليجيين قال إنها «احسن من لا شيء مع أنه كان المتوقع أن تكون أكثرَ قوة ووضوحاً»، والبعضُ الآخر قال إنه «كان يجب أن تكون أكثرَ حزماً لجهة إلزام «حزب الله» وحلفائه بنأيٍ فعليّ يوقف التدخّلَ في أزمات المنطقة»، وذهب بعضٌ ثالث الى القول إنّ الحريري «كسب مِن كل ما حصل التفافاً شعبياً حوله سيكون عليه أن يجهدَ ويدأبَ في قابل الأيام للحفاظ عليه لتعزيز موقعه في الحياة السياسية».

ويعتقد بعض الخليجيين أنّ موضوعَ «النأي بالنفس» قد لا يحصل الْتزامٌ دقيقٌ به، ولكن ربما الهجمات على بعض الدول العربية قد تتوقف. ويعتبر هؤلاء أنّ «حزب الله» «تراجع» بنحوٍ أو بآخر بمجرّد قبوله إعادة التأكيد على «النأي بالنفس» وتحييد لبنان عن النزاعات العربية، «ما سيجعله تحت المجهر من الآن وصاعداَ، ويرتّب عليه التزام هذا الأمر أقلّه إزاءَ كل مكوّنات الحكومة التي توافَق معها على القرار ـ الوثيقة التي أصدرها مجلس الوزراء وأذاعها الحريري صوتاً وصورة».

على أنّ سياسيّين بارزين يؤكّدون، بل يجزمون، أنّ الانْتخابات المقبلة ستكون من أهم وأخطر الاستحقاقات النيابية التي عرفها لبنان منذ التوصّل الى «اتّفاق الطائف» عام 1989 لأنّ القانون الانتخابي ذا النظام النسبي الذي ستُجرى على أساسه يرفع مِن وتيرة المنافسة والتسابق على التحالفات التي من دونها لن يكون في قدرة أيّ فريق الفوز بالأكثرية النيابية التي تمكّنه من تولّي السلطة المقبلة.

ويضيف هؤلاء أنّ هذا القانون الذي قبله البعض، بل دفع في اتّجاه التوصّل اليه، نظر اليه البعض الآخر ولا يزال جتى اللحظة بغير ارتياح، بل إنه ربما قبل به مكرَهاً لانه لم يكن في إمكانه تعطيل التوصّل اليه.

وفي رأي بعض هؤلاء السياسيين أنّ المشكلات الداخلية والخارجية التي يواجهها بعض الأفرقاء السياسيين الآن كان بسبب قبولهم هذا القانونَ الانْتخابي النسبي في الوقت الذي كان حلفاؤهم في الداخل والخارج يريدون منهم الدفع في اتّجاه إقرار قانون انْتخاب يعتمد النظام الأكثري، او على الاقل الإبقاء على قانون الستين الذي كان نافذاً وأُجريت انتخابات عام 2009 على أساسه ومكّنت فريقَ 14 آذار من الفوز بالأكثرية النيابية.

ولذلك، يقول السياسيون إنّ الانْتخابات المقبلة ستكون مُكلِفة بكل المعايير لكثير من الأفرقاء السياسيين في الداخل والخارج، ولأنها كذلك، ثمّة مَن يتخوّف مِن تولّد ظروف تمنع إجراءَها وقد تعيد طرحَ ملف قانون الانْتخاب مجدّداً على طاولة البحث، خصوصاً أنّ بعض أطراف 14 آذار وحلفاءَها ينظرون الى القانون النسبي على أنه «سيُمكّن حزب الله وحلفاءَه من الفوز بأكثرية نيابية مرموقة، وربما موصوفة».

في حين أنّ أوساط «الحزب» وحلفائه تؤكّد أنهم «يوطِّنون أنفسهم من الآن على أنهم سيخسرون مجموعة من المقاعد النيابية في عدد من الدوائر بما يقلّص حجمَهم النيابي عمّا هو عليه الآن».

وإذا صحّ، ما يردّده بعض السياسيين من أنّ «شرخاً» حصل بين تيار «المستقبل» وبعض الدول الخليجية قد يمرّ وقتٌ طويل قبل تذليله، فإنّ ما يُحكى عن إحتمال حصول «تحالف خماسي» إنتخابي يجمع «المستقبل» مع «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» و»حزب الله» والحزب التقدمي الاشتراكي، وقد يصبح سداسياً إذا احتسب تيار «المردة» ضمنه، ربما يأخذ طابعاً جدّياً، في اعتبار أنّ «المستقبل» في واقعه الحالي قد لا يتمكّن من الفوز بأكثرية نيابية، أو على الأقل بعدد معقول من المقاعد النيابية نتيجة ما آل اليه وضعُ حلفائه، وربما يظنّ أنه من خلال «التحالف الخماسي» يستطيع أن يحقّق التمثيل الذي يطمح اليه، ولكنّ البعض يقول إنه في حال أقدم على خطوة من هذا النوع فسيكون ذلك على حساب علاقته مع حلفائه في الداخل والخارج.