IMLebanon

نظام دفع عالمي مُشفّر يهدد النظام المصرفي؟

تُعتبر البتكوين ضيفاً ثقيلاً فرض نفسه في عالم التجارة الإلكترونية مع إزدياد عدد التعاملات بهذه العملة وإرتفاع قيمتها. وإذا كانت المصارف المركزية ما زالت ترفض رفضاً قاطعاً الإعتراف بهذه العملة، إلّا أنّ تغلغلَها في الإقتصاد يفرض على هذه المصارف بدءَ عملية تقييم لأيِّ إنهيار مُفاجئ لهذه العملة كما ومحاكاة لأضرارها الشاملة على القطاع المصرفي. تعود الأيام الأولى للبتكوين إلى عام 2009 حيث قامت مجموعة مجهولة من الأشخاص بوضع البرامج الكاملة لنظام البتكوين على الإنترنت بشكل مجّاني.

من مشروع علمي إلى واقع عَمَلي

البتكوين في تعريفها السطحي، هي عبارة عن عملة إلكترونية تُستخدم في التعاملات التجارية على الإنترنت. لكنّ تعريفها الأدق ينصّ على أنها نظامُ دفع عالمي مُشفّر يستخدم عملة إلكترونية (Commodity) كنظام حسابي.

ويستخدم هذا النظام تقنية البلوك تشين (Blockchain)، التي هي عبارة عن قاعدة بيانات موزّعة في أمكنة عدة على شبكة الإنترنت ومحميّة بواسطة نظام تشفير (Cryptography) لا يُمكن إختراقُه من قبل قراصنة الإنترنت.

إستخدامُ البتكوين يتطلّب فقط تحميلَ برنامج على الجهاز المحمول أو على الكمبيوتر والإستحصال على بطاقة دفع مُسبَق على الإنترنت لشراء البتكوين. ثم يُمكن من خلال البرنامج شراء سلع أو خدمات على الإنترنت من شركات تقبل الدفع بالبتكوين.

تداعياتٌ إقتصادية…

لإستخدام البتكوين ومن خلفها البلوك تشين تداعيات إقتصادية كثيرة على المُستخدمين، المؤسسات، والقطاع المصرفي:

أولاً: الحماية العالية التي يحصل عليها هؤلاء نتيجة إستخدامهم تقنية البلوك تشين التي تُعتبر العامود الفقري لنظام الدفع بتكوين حيث لا يُمكن نظرياً أو عملياً خرق هذه التقنية مما يعني إستحالة قرصنة العمليات.

ثانياً: إنّ المعلومات المُتوافرة في العملية لا تقتصر على قطبين كما هي تقنية الـ TCP/IP وبالتالي يُمكن لكل المُستخدمين وخصوصاً الشركات الولوج إلى هذه القاعدة من خلال بروتوكولات مُحدَّدة مُسبَقاً ما يعني الإستفادة من المعلومات بثقة عالية بين الأطراف.

ثالثاً: إنّ قبول عدد هائل من الشركات من كافة القطاعات بالبتكوين كوسيلة دفع، رفَع من عدد العمليات التجارية التي تستخدم البتكوين، ساعدتها في ذلك الكلفة الضئيلة للعملية.

رابعاً: يبقى قطاع التأمين مُستفيداً رئيساً من هذا النظام حيث يُمكنه إستخدام قاعدة البلوك تشين للقيام بمحاكاة بهدف تخمين كلفة التأمين. كما أنها ستسمح لهذا القطاع بتطوير التأمين بين طرفين بشكل مباشر.

خامساً: التخلّي عن التعامل بالعملات التقليدية مثل الدولار الأميركي وغيره، وهذا الأمر مُربك للمصارف التي ستُغيّر طريقة عملها لتواكب عصر البتكوين (barter-system).

لكن لماذا ترفض المصارف المركزية البتكوين؟

من المعروف ومنذ إتفاقات بريتون وودز، أخذت الدول على عاتقها الحفاظ على قيمة عملتها في هامش ضيّق (1%) مقابل الذهب من خلال الدولار الأميركي الذي كان مُقيّماً 35 دولاراً لكل أونصة ذهب. لكنّ خروج الولايات المُتحدة الأميركية من هذا الإتفاق أسقطه وأبقى على مفهوم أساسي تعتمده المصارف المركزية اليوم ألا وهو الحفاظ على قيمة العملة من خلال إحتياط من العملات الأجنبية والذهب.

المُشكلة التي تُطرح مع البتكوين أنه لا يوجد أيُّ إحتياط من العملات لحماية قيمة هذه العملة وبالتالي فإنّ صعودها وهبوطها يبقيان رهينة واضحة للطلب والعرض في السوق. كما أنه لا توجد أيُّ سلطة مصرفية تسهر على حماية قيمة البتكوين بل هناك جمعية (Bitcoin Foundation) التي تسهر على حسن سير نظام الدفع لا قيمة العملة بحدّ ذاتها.

أضف إلى ذلك أنّ النظرية الإقتصادية لا تحوي على نماذج ونظريات تستطيع من خلالها المصارف المركزية إدارة قيمة الثروة الوطنية في ظلّ وجود عملة إلكترونية.

أيضًا يُمكن ذكر صعوبة السيطرة على قيمة البتكوين في ظلّ نموٍّ إقتصادي وعددٍ محدود من البتكوين!

الإحتراز ضروري

إرتفع سعر صرف البتكوين مقابل الدولار الأميركي إلى مستويات تاريخية. فقد كان سعر صرف البتكوين في شباط 2012، 6 دولارات أميركية، واليوم أصبح يفوق الـ 15000 دولار أميركي. وقد إرتفعت قيمة البتكوين من نيسان 2017 إلى يومنا هذا بنسبة 1524% أي إنّ الإستثمار في بتكوين واحد جلب عائدات بقيمة 1524 د. أ.

هذا الأمر قد يُغري العديد من المُستثمرين والشركات، إلّا أنه يحوي على مخاطر عالية ناتجة عن عدم وجود إحتياط من العملات والذهب للدفاع عن البتكوين في حال إنخفض سعرها. والأصعب أن عدم وجود هذه الإحتياطات كفيل بإنخفاض البتكوين بنفس السرعة التي إرتفعت بها!