IMLebanon

التصلّب اللويحي… والمتابعة النفسية

تقرير أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

هناك أمراض عديدة قد تصيب الجهاز العصبي المركزي عند الإنسان، ولا تؤثّر فيه فقط فيزيولوجياً ولكن أيضاً في حالة الإنسان النفسية. من هذه الأمراض، التصلّب اللويحي أو التصلّب المتعدّد، والمعروف بـ Multiple Sclerosis، وهو يؤثر بطريقة مباشرة في عملية الإتصال ما بين الدماغ وبقية أعضاء الجسم. فما هو هذا المرض؟ وكيف يؤثر في حياة المريض النفسية؟ وكيف يمكن مساعدة المريض وعائلته؟ وما هي آخر الدراسات حول هذا الموضوع؟

التصلّب اللويحي هو خلل يصيب الجهاز العصبي المركزي المكوّن من المخ والمخيخ وجذع الدماغ والنخاع الشوكي، فهو مرض مناعي ذاتي حيث يقوم جهاز المناعة في الجسم بإتلاف الغشاء المحيط بالأسلاك العصبية ويُعرف بمادة المايلين (Myelin)، ما يخلق فوضى على صعيد نقل الرسائل والمعلومات من الدماغ الى بقية أنحاء الجسم. وفي نهاية المطاف، قد تُصاب الأعصاب نفسها بالضرر، وهو ضرر غير قابل للإصلاح.

حسب ARSEP (Association pour l’aide à la Recherche sur la Sclérose en Plaque)، فإنّ عدد المصابين بهذا المرض في فرنسا هو حوالى 100000 شخص، وفي أوروبا حوالى 400000، بينما يتمحور في العالم ما بين 2 إلى 2,5 مليون مصاب.

ويظهر هذا المرض بين عمرَي 20 و50 سنة، ويصيب الإناث أكثر من الذكور (من كل أربعة مصابين: ثلاث نساء ورجل واحد). علماً أنّ مسبّبات هذا المرض غير معروفة، والدراسات تشير إلى وجود عوامل متعددة تساهم في حدوثه، ولا يوجد علاج واحد شاف له.

كيف تتأثر حياة المريض الأسرية والاجتماعية؟

تفسّر العاملة في الإشراف الصحي – الإجتماعي والمتخصّصة بالمتابعة النفس-جسدية، منال حداد، لـ»الجمهورية» أنّ «العيش مع مرض مزمن غالباً ما يكون صعباً على العائلة والفرد على حدّ سواء. يؤثر مرض التصلّب اللويحي في عمل الفرد، وعلاقاته، وحياته اليومية. فيؤرِق نومه مثلاً، ونظام غذائه، وقدرته على مزاولة الرياضة… كلّ هذه العوامل تؤثّر سلباً في مزاج المريض وصحته العقلية.

إلّا أنّ التحدث مع الطبيب المعالج ومع الاختصاصي النفسي، يساعد المريض على التأقلم مع تحديات مرضه وتطوير الطرق للحصول على الدعم الذي يحتاجه. كما يُمكِّن الاختصاصي في المتابعة النفس-جسدية والعامل الاجتماعي من متابعة الأهل من خلال إيضاح طبيعة المرض وتأثيراته في حياة المُصاب وإمكانية ارتداده على المقرّبين منه».

المساعدة النفسية… كيف؟

تؤكد حداد أنّ «مساعدة مريض التصلب اللويحي، تمرّ باتّباع النقاط التالية:

  • تَفهّم مشاعره المتقلّبة ومساعدته على التعايش مع المرض.
  • فهم طبيعة المرض والمشاعر والأفكار السلبية التي تترافق مع أي مرض مزمن، ومنها: «أنا عاجز، غير قادر»… وهي عبارات وأفكار وردّات فعل تُعتبر طبيعية، يردّدها المريض دائماً، وقد تمنعه من التقدّم والانجاز. لذلك، يجب مساعدته من خلال خلق جو إيجابي بعيداً عن أيّ حزن أو كسل.
  • حَضّ المريض على متابعة هواياته وأعماله، والحفاظ على روتينه اليومي.
  • إعتناء المريض بنفسه وتجنّب القيام بمهام صعبة.
  • تشجيع المريض على التحدّث عن مشكلاته ومخاوفه وأفكاره لأشخاص متخصّصين أو محاولة التقرّب من أصدقائه، والتعرّف الى أشخاص يعانون أيضاً التصلب اللويحي».

إلى ذلك، توضح حداد أنّ «إصابة أحد أفراد العائلة بمرض بسيط قد تؤثر في نمط حياة العائلة، وتجعلها في حالة استنفار إلى حين شفائه. فكيف الحال إذا كان المرض مزمناً؟ يعاني أهل المريض القلق وقلة النوم والإرباك بحيث يَنسون حياتهم الخاصة وهم يتفانون في خدمة مريضهم وتأمين الراحة له، فيتعرّضون لضغط نفسي وجسدي كبيرين.

 

لذا، إنّ دعم الأهل مهم على جميع الأصعدة، ويكون من خلال إيضاح الأمور المتعلقة بالمرض، وتأمين متابعتهم نفسياً كمحاولة لتخفيف الضغوطات اليومية التي يتعرّضون لها».

أمّا دور الجهات المختصة فيكمن في توفير الرعاية الصحية الأولية للكشف عن المرض في مراحله المبكرة قبل تطوره، ما يؤدي إلى تحسين نوعية حياة الأفراد وتقليل كلفة العلاج في السنوات اللاحقة، خصوصاً عندما تتطوّر مضاعفاته.

وتضيف حداد: «للدولة أيضاً دور بارز في توسيع مظلّة التأمين الصحي كي يغطي كلّ تكاليف العلاج والفحوصات اللازمة بنسَب أكبر، ما يؤثّر في المدى البعيد بانخفاض نسَب الوفيات الناجمة عن المرض. أما بالنسبة للمستشفيات، فدورها توسيع وتأهيل القسم المتعلّق بمتابعة الأفراد المصابين بمرض التصلّب اللويحي من خلال خَلق حلقات متابعة نفسية واجتماعية للمريض، وللمقرّبين أيضاً.

 

ومن خلال ضَمّ المتخصّصين، كالمعالج النفسي والمعالج الفيزيائي والمتخصصيّن في العمل الإجتماعي… إضافة الى الطاقم الطبي المؤلف من الأطباء والممرضات والصيدلاني».

… والمرافقة النفس-جسدية للمريض؟

أثبتت دراسة قامت بها الاختصاصية منال حداد، أنّ الضغط النفسي يزيد من احتمالات التعرّض للانتكاسات المرضية عند الأشخاص المصابين بهذه الحالة.

 

كما بيّنت أنّ الضغوطات النفسية المستمرة تؤثر بشكل سلبي وملحوظ في جهاز المناعة، والذي يؤثر بشكل مباشر في المريض. علماً أنّ أكثر الضغوطات النفسية تأثيراً كانت تلك التي تتعلق بفقدان أحد الوالدين أو أحد الأقارب أو التعرّض لمشكلات لها علاقة بتهديد استقرار الفرد.

وتؤكد حدّاد أنّ «دور المعالج النفسي والطاقم الطبّي في هذه الحالات هو تدعيمي، أكثر منه علاجيّاً. ويعني ذلك مساعدة المريض على التأقلم مع حالته الصحية، والتي تؤثّر في وضعه النفسي وعلاقاته العائلية والإجتماعية».