IMLebanon

عسر القراءة عند الأطفال… والأسباب النفسية

كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

يعاني كثير من الأطفال خللاً خلال القراءة، يُسمّى «عسر القراءة». أسباب كثيرة يمكن أن تقف خلف هذا التقصير. قد يكون الطفل متميّزاً في أدائه المدرسي، حائزاً على علامات علمية ممتازة، يفهم المبادىء الأساسية والتجريدية التي يمكن أن لا يستوعبها جميع تلامذة صفه… وعلى رغم ذلك يصعب عليه أن يقرأ نصاً بطريقة مريحة، حيث إنّ استيعابَ مختلف الحروف وربط أصواتها مع بعضها «مهمة» غير سهلة بالنسبة له. فما هي مشكلات القراءة عند الأطفال؟ ما هي أسبابها النفسيّة؟ وكيف يمكن للأهل أن يساعدوا طفلهم الذي يعاني من عسر القراءة؟

عسر القراءة المعروف أيضاً بمصطلح «ديسليكسيا»، من أكثر الصعوبات التعلّمية إنتشاراً بين الأطفال. اهتمّت دراسات علمية كثيرة بهذا الموضوع، وتطرّق إليه الطب وعلم الأعصاب وعلم النفس.

معظم الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة، يجدون صعوبة كبيرة في فهم الحروف التي تؤلّف الكلمات وتهجئتها، ويعجزون عن الربط بين الحرف وصوته، ولفظ وربط أصوات الحروف في اللغة لتشكيل كلمة واحدة مفهومة.

عسر القراءة وكيفية إستقصائه؟

عسر القراءة أو الديسلكسيا تعني صعوبة في القراءة. إستخدَم هذا المصطلح للمرة الأولى طبيب الأعصاب الفرنسي «بيرلين» سنة 1872، وقد عرّف هذه الحالة التي تؤدّي إلى خلل كبير في الدراسة عند التلميذ، خصوصاً أنّ القراءة أساسية لإستيعاب المواد المختلفة.

يمكن تعريف «عسر القراءة» على أنه صعوبة مستمرّة وشديدة في تعلّم القراءة، على رغم توفّر الذكاء عند الطفل خارج نطاق أية إعاقة عقلية. وإضطراب القراءة يمكن أن يكون ذات منشأ عصبي أو نفسي. إلى ذلك، أكّدت الدراسات العلمية بأنّ عسر القراءة غير مرتبط بعوامل عائلية، بيئية عرقية، جغرافية أو ثقافية.

يتمّ تشخيص هذه الحالة، بعد مرور حوالى 6 أشهر من الشروع في تعلّم القراءة، وهي تصيب حوالى 1 إلى 8 في المئة من الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة.

يمكن للأم أو المربية في المدرسة إكتشاف معاناة التلميذ من عسر القراءة من خلال النقاط التالية:

أولاً، التأخّر في النطق أو عدم التمكّن من الكلام بوضوح، حتى لو أصبح الطفل في عمر مناسب للكلام. الخلط بين حروف الكلمات: قلب، حذف أو إضافة حرف أو حروف لكلمات أو لجمل. كما يضيف بعض الأطفال المصابين بعسر القراءة كلمات غير موجودة أصلاً في النص، أو يحذفون كلمات موجودة.

ثانياً، تكرار بعض الكلمات أكثر من مرة في نص دون أيّ مبرّر ظاهر (مثلاً: مشكلات في النظر) أو إبدال بعض الكلمات بكلمات أخرى.
ثالثاً، عند قراءة نصّ، نجد عند بعض الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة صعوبةً في الإنتقال من نهاية السطر، إلى بداية السطر الذي يليه. أما بالنسبة للكتابة، فثمة أطفال، يُعرفون برداءة الخط، أو لا يستطعون الكتابة بشكل مستقيم على السطر…

رابعاً، على الصعيد السلوكي، بعض الأطفال يعانون صعوبة في الإحتفاظ بالأشياء في اليد. ذلك يؤثر بطريقة مباشرة على تنفيذ بعض الأمور في حياتهم اليومية كإرتداء الملابس أو ربط الحذاء…

خامساً، عادة يترافق مع عسر القراءة، عسر الكلام وعسر الحساب وعسر الإملاء وغيرها من الصعوبات التعلّمية.

أسباب عسر القراءة

لا يوجد سبب واحد مباشر يمكن أن يؤدّي إلى عسر القراءة، بل هناك العديد من الأسباب، منها نفسية، ومنها فيزيولوجية ولغوية…

الأسباب الفيزيزلوجية واللغوية

إعتبر أطباء الأعصاب بأنّ التركيبة الدماغية للطفل السوي مختلفة عن الطفل الذي يعاني من عسر القراءة. فإنّ منطقة اللغة بالمخ لدى الأطفال المصابين بعسر القراءة في النصف الأيسر من المخ، أصغر وأقل في عدد خلاياها مقارنةًَ بالأطفال الذين لا يعانون من أية مشكلة في القراءة. كما أكّد علماء الوراثة بأنّ 50 في المئة من المصابين بحالات عسر القراءة لديهم أقارب يعانون أيضاً من الإضطراب نفسه.

• إلى ذلك، خصائص اللغة، ونظام الكتابة وطرق تعليم القراءة والكتابة عوامل مساهمة في ظهور عسر القراءة لدى الأطفال.

• كما هناك الاضطرابات اللغوية التي تؤثر في قاموس الطفل اللغوي وقدرته على استعمال جميع الكلمات التي تعلّمها. فالأطفال الذين يعانون من بعض إضطرابات الصوت، يعانون أيضاً من عسر القراءة.

• أيضاً، إضطراب الإدراك السمعي وإضطراب الإدراك البصري، يؤثران تأثيراً مباشراً في عملية القراءة.

الأسباب النفسية

أما الأسباب النفسية والأسباب النفسية-الذهنية التي تساعد في ظهور عسر القراءة فهي:

* الخوف والقلق لفترة طويلة من الزمن، ما يؤثر في الطفل وإنتاجه العلمي.
* المشكلات العائلية المتكرّرة، إذ تؤثر في التلميذ وشعوره بالأمان.

طفلنا يعاني من عسر القراءة…

ما العمل؟

بعد تشخيص عسر القراءة، يجب أن تتّبع المدرسة خطة علاجية تربوية مناسبة للطفل. يشارك في إعداد هذه الخطة الأهل والمربي في الصف والإدارة التربوية والاختصاصي النفسي المدرسي، ومعالج النطق والاختصاصي النفسي – الحركي…

كما يجب على الأهل إتّباع الخطوات التالية لمساعدة طفلهم الذي يعاني من عسر القراءة:

أولاً، توفير جوّ هادئ لمساعدة الطفل على التعلّم والإستيعاب. فلا بد أن يبتعد الأهل عن الشجارات والصراخ وغيرها من عوامل يمكن أن تشوّش وتشتّت إنتباهَ الطفل.

ثانياً، خلال مساعدة الطفل في الدراسة، يجب التكلّم معه بهدوء ورويّة والتأكّد من أنه فهم الأسئلة التي طُرحت عليه. كما على الأهل أن يطرحوا الأسئلة المباشرة ويبتعدوا من تلك المعقّدة، ويساعدوا الطفل في الكتابة من خلال الخط الواضح.

ثالثاً، تشجيع الطفل خلال الدراسة وعدم التقليل من شأنه والإستخفاف بقدراته أو الإستهزاء به.

رابعاً، مفتاح نجاح الطفل الذي يعاني من عسر القراءة هو تمتّع والديه بالصبر وطول البال.

خامساً، يجب أن يثقّف الأهل أنفسهم عن إضطراب عسر القراءة وما ينتج عنه من مشكلات دراسية.

سادساً، على الأهل أن يكونوا إيجابيّين تجاه طفلهم ويركّزوا على نقاط القوة عنده ويتعرّفوا الى ميوله المهنية.