IMLebanon

إستمرارية التفشيل (بقلم بسام أبو زيد)

تبرز بين الحين والاخر في لبنان مقولة أن الحكم استمرارية، ولم تكن هذه المقولة يوما مترجمة بمعناها الايجابي، بل هي تترجم في هذا البلد بمعناها السلبي، وهو استمرار كل الأزمات لا بل تفاقمها بسبب الخلافات السياسية ولاسيما داخل سلطات الحكم.

واللافت في هذا البلد ان كل حكومة تأتي تنقض ما قامت به الحكومة التي سبقتها، علما أن الجهات المشاركة في هذه الحكومات كانت هي ذاتها منذ اتفاق الطائف وحتى عام زوال الوصاية السورية في الـ٢٠٠٥، واستمرت بعد هذا التاريخ مع إضافة “التيار الوطني الحر” وعودة “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية”.

وإذا أردنا الدخول في التفصيل أكثر نرى ان وزراء من اتجاهات سياسية مختلفة يتعاقبون على وزارة معينة، فيعمد الواحد تلو الاخر على نقض ما قام به سلفه، ويصل الأمر بالبعض الى تبادل الاتهامات بالفساد والصفقات والسمسرات. ولكن المفارقة المضحكة أن هذه الاتهامات تؤدي إلى نتيجة عكسية، فبدل الذهاب بهذه الملفات إلى القضاء نراها تختفي بسحر ساحر لتبقى في الأدراج، تسحب عند لزوم تهديد طرف لطرف آخر، وإن ذهب بعضها إلى القضاء فلا تتوقف التدخلات والضغوط لرفعها من تحت ضوء الرأي العام والمحاكمة.

كل الوصف للحالات التي سبقت ما هو إلا دليل على عدم التخطيط والمحاسبة، وعدم وجود معارضة فاعلة في أغلب الأحيان، إذ إن من يربح الانتخابات ومن يخسرها يشاركون جميعا في الحكومة ما يعطل دورا أساسيا لمجلس النواب وهو طرح الثقة بالحكومة او بأي وزير تثار الشبهات من حوله.

وإدراكا من قبل الفرقاء السياسيين لهذا الواقع، يجهدون في عرقلة أعمال ومشاريع بعضهم البعض، في مواجهات وحلول إن حصلت يدفع ثمنها الشعب اللبناني من استقراره واقتصاده وماليته. واكبر دليل على ذلك هو تداعيات سلسلة الرتب والرواتب، وهي تداعيات استمرت قبل إقرارها لسنوات، ستستمر بعد إقرارها لسنوات أيضا، لاسيما وانها أتت لمصلحة القطاع العام من دون القطاع الخاص، ولأنها فرضت على الشعب اللبناني تداعيات مالية واقتصادية هي أكبر بكثير من التداعيات التي كانت موجودة قبل إقرارها.

إن معاناة لبنان واللبنانيين تكمن في فقدان الثقة بين الاطراف اللبنانية المشاركة في الحكم، وان كل طرف يحاول اتهام الطرف الآخر بعرقلة الخطط التي تأتي من كل حدب وصوب وفي مختلف المجالات، وآخرها الخطة الاقتصادية التي ستعدها “ماكنزي” عن اقتصاد يعرف جميع اللبنانيين مكمن الخلل فيه وكيفية الاصلاح مع ماكينزي او من دونه، فاستمرارية الحكم في لبنان لا تعتمد على نجاح الخطط بل على إفشالها.