IMLebanon

معركة تكريس “المثالثة”… بعد الانتخابات؟

اعتبرت مصادر سياسية لبنانية أن الخلاف بين رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه بري ليس مجرد خلاف على صلاحيات وزير المال في الحكومة اللبنانية.

وقالت هذه المصادر لصحيفة “العرب” اللندنية إن الخلاف يخفي رغبة لدى عون في زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية في حين يعمل برّي بالتعاون مع حزب الله من أجل تعديل الدستور اللبناني وتكريس المثالثة بين السنة والشيعة والمسيحيين، بدل المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، كأساس لعمل النظام في لبنان. ولوحظ، حتى الآن، أن حزب الله التزم الصمت حيال الخلاف بين عون وبرّي وهو دفع رئيس مجلس النواب إلى الواجهة وذلك كي يحافظ على علاقاته برئيس الجمهورية في انتظار الانتخابات النيابية المتوقّعة في ايار المقبل.

وأشارت في هذا المجال إلى أنّ بري يصر على توقيع وزير المال على أي قرار يتفق في شأنه رئيس الجمهورية (الماروني) ورئيس مجلس الوزراء (السنّي)، كما الحال مع مرسوم الأقدمية الذي يستهدف تمكين ضباط دخلوا المدرسة الحربية عندما كان عون في قصر بعبدا بين العامين 1988 و1990 من استعادة حقوق حرموا منها.

وكان عون وقتذاك رئيسا لحكومة مؤقتة تعمل من القصر الرئاسي في بعبدا في انتظار انتخاب رئيس للجمهورية يخلف الرئيس أمين الجميّل. وقد حُرم هؤلاء الضباط من حقوق الأقدمية في مرحلة ما بعد خروج عون من قصر بعبدا بعدما اعتبروا من الموالين لرئيس الحكومة المؤقتة الذي جلس في قصر بعبدا معتبرا نفسه “السلطة الشرعية” ورفض اتفاق الطائف وما نتج عنه.

ومعروف أن وزير المال في الحكومة الحالية هو حسن خليل “شيعي من حركة أمل”. ويصرّ رئيس مجلس النواب على منع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء من إقرار أي مراسيم من دون توقيع وزير المال، إضافة إلى ذلك يعمل برّي من أجل تكريس عرف جديد يكون بموجبه وزير المال في أي حكومة لبنانية من المذهب الشيعي.

ورأت المصادر السياسية اللبنانية أن هدف رئيس مجلس النوّاب هو الذهاب إلى أبعد بكثير من أن يكون وزير المال في أي حكومة لبنانية شيعيا. وأوضحت أن ما يريده برّي، بالتفاهم مع حزب الله، هو تعديل اتفاق الطائف وصولا إلى خلق منصب جديد هو نائب رئيس الجمهورية على أن يكون شيعيا ويتمتع بصلاحيات تنفيذية واضحة تجعل منه الرئيس الفعلي للجمهورية.

ويشكو الثنائي الشيعي “أمل” و”حزب الله” من أن اتفاق الطائف لم يلحظ أي موقع شيعي في السلطة التنفيذية وأن من حق الشيعة أن يكون لهم موقع ثابت في هذه السلطة يكرّس المثالثة بدل المناصفة وذلك لقطع الطريق على أي تفاهم مسيحي- سنّي يكون على حساب الشيعة.

ولاحظت في هذا السياق أن رئيس مجلس النواب مارس خلال السنوات الأخيرة صلاحيات تفوق بكثير تلك التي نصّ عليها الدستور، وذلك عندما أغلق مجلس النواب مرات عدة لمنع انتخاب رئيس للجمهورية لا يحظى بموافقة “حزب الله” ومباركته. إضافة إلى ذلك، بقي نبيه برّي رئيسا لمجلس النوّاب طوال خمسة وعشرين عاما في حين يتغيّر رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بشكل مستمر.

في المقابل، يستغل رئيس الجمهورية الخلاف مع رئيس مجلس النوّاب، من أجل زيادة شعبيته المسيحية والقول إنه يريد استعادة “حقوق المسيحيين” كما كانت عليه في مرحلة ما قبل الطائف عندما كان رئيس الجمهورية اللبنانية (الماروني) يمتلك صلاحيات واسعة. وقالت المصادر السياسية اللبنانية إنّ عون الذي يصف نفسه بـ”الرئيس القوي” يريد أن يقول للمسيحيين إنه قادر على تعديل اتفاق الطائف لمصلحة استعادة ما يعتبره حقوقا خسروها نتيجة التوصل إلى هذا الاتفاق في العام 1989.

وتوقعت المصادر نفسها أن تأخذ المواجهة بين عون وبرّي بعدا جديدا بعد الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصا في حال استطاع حزب الله تشكيل كتلة كبيرة مع حركة “أمل” تضمّ ما يزيد على نصف أعضاء المجلس. كذلك توقّعت أن تلعب هذه الكتلة التي لن تضمّ نوّابا شيعة فحسب، بل نوابا مسيحيين وسنّة أيضا، دورا في الدعوة إلى تعديل الدستور بما يتناسب مع تطلعات نبيه برّي ومن خلفه حزب الله وذلك في إطار صفقة تلبّي، من الناحية الشكلية فقط، بعض مطالب ميشال عون من جهة لكنّها تكرس الوجود الشيعي في السلطة التنفيذية على نحو دائم من جهة أخرى. وكان حزب الله الذي رفض دائما اتفاق الطائف، أوّل من طرح في الماضي فكرة “المؤتمر التأسيسي” الذي يستهدف التوصل إلى دستور جديد يأخذ في الاعتبار التغييرات التي طرأت على ميزان القوى في لبنان منذ التوصل إلى اتفاق الطائف قبل نحو ثلاثة عقود. وفي طليعة هذه التغييرات فائض القوّة لدى حزب الله الذي تحوّل إلى الحزب الوحيد الذي يمتلك ميليشيا مسلّحة خاصة به. ولا يقتصر دور هذه القوّة التي يمتلكها حزب الله على الأراضي اللبنانية بل يتعداها إلى لعب أدوار في داخل الأراضي السورية وصولا إلى اليمن.