IMLebanon

“مراسيم”… لم تحمل تواقيع وزير المال!

كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:

تتسع مساحة الخلاف في لبنان بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، على خلفية إصدار مرسوم يعطي الأقدمية سنة لضباط في الجيش اللبناني تخرّجوا في عام 1994، من دون أن يحمل هذا المرسوم توقيع وزير المال علي حسن خليل، وهو أبرز وزراء حركة «أمل» في الحكومة. ووصل الخلاف إلى أروقة القضاء وتحوّل حلبة للصراعات السياسية، خصوصاً بعد الرأي الذي قدّمته هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، وجزمت فيه بقانونية المرسوم المشار إليه، من دون الحاجة إلى توقيع وزير المال، ما جعل السلطة القضائية طرفاً بما يحصل، وفق مقربين من رئيس البرلمان، باعتبار أن الهيئة القضائية «أقحمت نفسها في نزاع دستوري، ليس من اختصاصها النظر فيه».

ومع تحوّل المرسوم إلى أزمة بالغة التعقيد، يتمسّك الرئيس ميشال عون بمبدأ لجوء المتضررين من المرسوم إلى مجلس شورى الدولة، والطعن به، في حين يؤكد بري أنه ليس ضعيفاً إلى حدّ اللجوء إلى قضاء يخضع لسلطة وزير العدل المنتمي إلى فريق عون الوزاري. وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن «القضاء ليس جزءاً من الخلافات السياسية، وهو غير معني بالسجالات القائمة بين الأطراف»، مشيراً إلى أن «الهيئات القضائية والمحاكم تصدر قراراتها وأحكامها بعيداً عن أي تأثير سياسي».

ولا يزال كلّ طرف متمسكاً بطروحاته، المرتكزة إلى نصوص القانونية ودستورية، سرعان ما يستشهد الطرف الآخر بنصوص مناقضة لها، حيث قالت مصادر القصر الجمهوري لـ«الشرق الأوسط»» إن الرئيس عون «لجأ إلى القضاء لأن القانون يقول إنه عندما يقع خلاف حول مرسوم تنظيمي يلجأ المتضررون إلى مجلس شورى الدولة للبت في النزاع». وأوضحت أنه «عندما طلب الرئيس عون استشارة من هيئة التشريع والاستشارات، كان يريد تفسيراً للقانون وليس تفسير الدستور، وكان جوابها أن المرسوم (الأقدمية) قانوني»، مشيرة إلى أن الهيئة «استندت بذلك إلى حكم لمجلس شورى الدولة، أصدره قضاة من جهابذة القانون». وذكّرت بأن «مراسيم مماثلة صدرت في عهد الرئيس عون ولم تحمل تواقيع وزير المال، ولم يعترض عليها أحد، منها إعطاء الأقدمية أربعة أشهر للأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى (اللواء سعد الله حمد) حتى يتمكن مجلس الوزراء من ترقيته وتعيينه بهذا المنصب، كما صدر مرسوم بإعطاء أقدمية للضباط الذين شاركوا في معركة (فجر الجرود)، ولم يعترض يومها وزير المال».

وعلى قاعدة القبول بالشيء ونقيضه، ذكّرت مصادر قصر بعبدا بأنه «عندما حصل لغط حول إمكانية إجراء الانتخابات النيابية من دون اعتماد البطاقة الممغنطة والـ(ميغا سنتر)، دون الحاجة إلى تعديل في قانون الانتخابات، طلب الرئيس نبيه بري استشارة قانونية من هيئة التشريع والاستشارات، لأخذ رأيها، بما لا يعرّض الانتخابات للطعن». وسألت: «لماذا يثق رئيس المجلس بالقضاء هنا، ولا يثق به عندما يعطي رأياً مخالفاً لرغبته؟».

لكنّ مصادر مقرّبة من رئيس البرلمان أوضحت أن بري «طلب من هيئة التشريع استشارة تتعلّق بمادة قانونية في قانون الانتخابات، بخلاف الآخرين الذي طلبوا منها تفسيراً للمادة 54 من الدستور». وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «الفرق كبير فيما طلبه رئيس المجلس وما طلبته رئاسة الجمهورية من هيئة التشريع والاستشارات»، معتبرة أنه «عند وضوح النص يبطل الاجتهاد». وجددت تأكيدها أن «وزارة العدل منتمية، وهذا ما تأكد بطلب وزير العدل (سليم جريصاتي) من هيئة التشريع تفسير مادة دستورية ليس من اختصاصها، وهذا الطلب بحدّ ذاته مخالفة كبرى». وأكدت أن «القضاة الذين أعطوا رأيهم بذلك منتمون أيضاً». وشددت على أن «جوهر الأزمة يكمن في مخالفة الدستور فقط».

ويحدد القانون اللبناني مهام هيئة التشريع والاستشارات بإعداد وصياغة مشروعات القوانين والمراسيم والقرارات التنظيمية، ومشروعات المعاهدات والاتفاقات الدولية التي يطلب منها وضعها، وتقديم اقتراحات إلى وزير العدل بشأن تعديل واستحداث النصوص القانونية وتفسير هذه النصوص، وإبداء الرأي في العقود التي يكون للدولة علاقة بها، وإبداء الرأي في المسائل التي يطرحها وزير العدل.

ومع الإصرار على الاحتكام لرأي القضاء من جهة، والتحفظ على ذلك من جهة أخرى، عبّرت مصادر نيابية متابعة للاستشارات القضائية والإمعان في الترويج لها لـ«الشرق الأوسط»، عن أسفها على «اختباء البعض وراء القضاء واتخاذه وسيلة لفرض قراراته». وسألت: «هل نسي الغيارى على القضاء أنفسهم، عندما طلبوا من مجلس شورى الدولة برئاسة القاضي شكري صادر، رأيه في تعيين موظّف في منصب رفيع، ولمّا أعطى رأيه بعدم الموافقة على هذا الاقتراح بسبب وجود ملف قضائي بحق الموظّف المذكور، أقيل القاضي صادر من منصبه وجرى تعيين قاضٍ آخر مكانه؟». وشددت المصادر النيابية على «ضرورة العودة إلى جذور المشكلة ومعالجتها عبر الاحتكام إلى النصوص الدستورية».