IMLebanon

مصر مركز رئيسيّ لتصدير غاز دول شرق المتوسط

كتب عبود زهر في صحيفة “الجمهورية”:

بدأ حقل «ظهر» في كانون الاول 2017 بضخّ الغاز إلى السّوق المصري بعد فترة تطوير قياسيّة لم تتجاوز ثلاث سنوات حقّقتها شركة «إيني» الإيطاليّة بكلفة عشرة مليارات دولار.

يُعتبر حقل ظهر أكبر اكتشاف غازي في تاريخ البحر الأبيض المتوسّط. وقد وصلت كمّيّة مخزونه إلى ثلاثين تريليون قدم مكعب (30 TCF) من الغاز الطّبيعي. وبذلك، يحوّل حقل «ظهر» مصر من بلد مستورد للغاز إلى بلد مصدّر لهذه المادّة في حلول سنة 2020.

منذ اكتشاف حقل «ظهر» في العام 2015، زادت شهيّة الشركات العالميّة للتّنقيب عن الغاز في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسطّ، ولاحظنا مؤخّرًا الإقبال الكبير على دورات التّراخيص الّتي تلت إن كان في مصر أو في قبرص، فمعظم الشركات تطمح بـ«ظهرٍ» ثانٍ تأمل في اكتشافه في مكان قريب منه.

احتمال وجود مصدر كبير للغاز على باب أوروبا يبدو من الناحية الاستراتيجيّة مشجّعًا جدًّا خصوصًا مع اقتراب نضوب حقول بحر الشمال وتوجه أوروبا إلى الاعتماد أكثر فأكثر على الغاز الرّوسي. لكن التطوّرات في شرق البحر الأبيض المتوسّط ليست كما يشتهيه المرء بسبب المخاطر السياسيّة والجيوسياسيّة في دول المنطقة.

وبالرّغم من أنّ الاكتشافات الغازيّة تساهم عادةً في بناء جسور أمل تسمح بتغيّر الأجواء السياسيّة والاقتصاديّة في البقعة الّتي تحلّ فيها، لكنّها أشعلت الخلافات الحدوديّة بين الدّول في منطقتنا. ولو جرى وضع حلول للمشاكل السياسيّة تبقى مشكلة الجدوى الاقتصاديّة للغاز المكتشف بلا حلول، بخاصة مع غزو الغاز الرّوسي والأميركي المتدنّي السّعر الأسواق العالمية.

لكن ميزة حقل «ظهر» تكمن في توجّهه الى السوق المحلّي المصري ما يعطيه جدوى اقتصادية عالية وهذا لا ينطبق على إسرائيل وقبرص اللّتين همل في حاجة إلى تصدير غازهما بهدف تبرير تطوير حقولهما.

هناك مشكلة اقتصادية توازي المشكلة السياسيّة، أسعار الغاز العالمية المتدنّية حاليًّا لا تساعد على دخوله الأسواق الأوروبية بأسعار تنافسيّة. ورغم ذلك تستمرّ قبرص في حفر آبار استكشافيّة في مياهها ومن المتوقّع أن يتمّ حفر أربعة آبار جديدة في خلال سنة 2018.

أمّا إسرائيل فهي مستمرّة بتطوير حقل «ليفياتان» بكلفة تقارب الأربعة مليارات دولار ومخزون مقدّر باثني وعشرين تريليون قدم مكعب (22 TCF) من الغاز، بالإضافة إلى تطوير حقلي «كاريش» و»تانين» المحازيين للبنان، لكنهما أصغر حجمًا إذ مخزون كلُّ واحدٍ منهما حوالي التريليون الواحد (1 TCF).

ليس من الصعب في عالمنا اليوم اكتشاف حقول غاز وتطويرها نتيجة التّطور التكنولوجي لكن الأصعب هو الولوج إلى الأسواق العالميّة. فقد وقّعت أربعة بلدان مذكّرة تفاهم في ما بينها، وتشمل إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا لبناء خط غاز بحري ينطلق من إسرائيل لتغذية أوروبا عبر إيطاليا تصل كلفته إلى ستة مليارات يورو مع توقّع إنجازه سنة 2025.

ويبلغ طول الخطّ ألفي كيلومتر، أمّا المسار الّذي يسلكه فيقطع البحار على أعماق مختلفة قد تصل في بعض المناطق إلى الكيلومترين. وسيشكّل أطول خط غاز بحري في العالم. لكن يشكّ عدد من الخبراء في تحقيق هذا المشروع نظرًا لعدم جدواه الاقتصادية بسبب أسعار الغاز الحاليّة.

وقد جرى اقتراح حلٍّ بديل وبكلفة أقلّ وهو إمكانية مدّ خط من إسرائيل عبر تركيا لكن لبنان وسوريا لن يسمحا بمروره في منطقتهما الاقتصاديّة الخالصة نظرًا لعداوتهما مع إسرائيل، وفي المقابل قبرص أيضًا لن تسمح بمروره في مياهها نظرًا لعداوتها مع تركيا. وقد أدانت تركيا أعمال الحفر الّتي تقوم بها قبرص في مياهها مدّعية عدم حفظ حقوق القبارصة الأتراك والمُفترض إشراكهم في هذه الثروة.

ويتساءل الخبراء إذا كانت الشركات العالميّة العاملة حاليًّا في قبرص ستستثمر مليارات الدّولارات في تطوير الحقول المكتشفة في غياب حلّ يعيد توحيد الجزيرة ويزيل المخاطر السياسيّة الّتي ستواجهها هذه الشركات. ولا يزال حقل «أفروديت» المكتشف في قبرص منذ ستة أعوام من دون تطوير.

في المقابل، تمكّنت مصر من جلب الاستثمارات الكبيرة نظرًا لحجم سوقها المحلّي إضافة إلى تواجد معملَي تسييل الغاز وبالتّالي إمكانية تصدير غازها كغاز مسال (LNG) إلى الأسواق الأوروبّية وحتّى الآسيوية. ولم يعمل معملا تسييل الغاز في مصر لمدة سنوات نظرًا للتضاؤل الكبير لكميّة الغاز المنتجة ممّا جعلها تستورد الغاز المسال في خلال السنوات الماضية بدلًا من أن تصدّره.

لكن مع دخول حقل «ظهر»، بالإضافة إلى حقول أخرى، سوف تتغيّر المعادلة وتصبح مصر مصدّرة لهذه المادة. تستطيع إسرائيل وقبرص الاستفادة من معملي تسييل الغاز المصريين عبر إنشاء خطوط أقصر بكثير من الخطوط إلى إيطاليا أو تركيا وبكلفة أقلّ، فهناك تشجيع من الأوروبيين لهذا الحلّ. وبالتّالي هناك إمكانية لكي تلعب مصر دورا كبيرا في هذا السّياق، وأن تكون مركزًا رئيسيًّا لتصدير الغاز في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسّط. فهل سيطابق حساب الحقل حساب البيدر ويكون هناك حلّ لمشكلة تصدير الغاز في المنطقة؟