IMLebanon

كلمة “بلطجي”… من أين أتت وما معناها؟ (إعداد نور طوق)

إعداد نور طوق

في ظلّ الأزمة الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية بعد أن وصف وزير الخارجيّة جبران باسيل، رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بـ”البلطجي”، اشتعل الشارع “الشيعي”، وباتت هذه الكلمة تتصدر عناوين الصحف والأخبار وأحاديث الناس. ولأن لكل كلمة أصل، ارتأينا البحث في ذاكرة القاموس الالكتروني لمعرفة أصل هذه الكلمة وجذورها. ومن أين أتت.

أن كلمة بلطجي مؤلفة من قسميّن: “بلطة” و”جي” واعتماداً على القاموس التركي فإن كلمة بلطة المستخدمة هي نفسها في اللغة العربية تعني”الفأس” أما الملحق “جي” فيضاف إلى أي كلمة كأداة نسب للإشارة إلى  صاحب الصنعة. ولدى بعض الشعوب كالكرد فإن “البلطة” هي اداة خشبية أشبه بالسكين والهدف منها فصل الحنطة عن التبن بعد عملية الحصاد.

استُخدمت الكلمة في العهد العثماني، إلا أن اصولها بقيت ضائعة بين التركية والفارسية والكردية ولربما لغات أخرى. وذلك لأن المعتاد أن تطلق التسميات على الأدوات في بلد المنشأ.

إلى هنا، ما زالت كلمة “بلطجي” تعني حامل الفأس أو الحطاب ولا تعني أي شي آخر يمكن أن يسيء بأحد.

في ثورة 25 كانون الثاني التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك انتشرت كلمة “بلطجية” بشكل واسع. وكان المعارضون يستخدمونها للدلالة على الموالين لمبارك والذين ينتهجون المسلك العنفي في مواجهة الثوار.

اكتسب الموروث الشعبي المصري هذه العبارة في القرن التاسع عشر من قاموس حكم محمد علي باشا الذي أخذها بدوره عن العثمانيين حين  قرر بناء هيكلية إمارته العسكرية. و”البلطجية” هي فرقة من المشاة في الجيش العثماني مهمتها الاقتحام، وتتقدم القوات الغازية لقطع الأشجار بـ”البلطات” وشق الطريق أمامها.

انتقل نظام “البلطجية” لمصر في عهد محمد علي باشا، الذي أنشأ في العام 1834 مدرسة المهندس خانة ببولاق وهي مدرسة خاصة بالمهندسين العسكريين، ألحقها بمدرسة المدفعية قبل ان تستقل بذاتها واتخذ من قصر ابنه الامير اسماعيل باشا ببولاق مقرا لها.

قام محمد علي باشا بافتتاحها رسميا بنفسه، وقد أسسها على غرار مدرسة المهندسين العسكريين في باريس وكان الهدف من إنشاء هذه المدرسة تخريج ضباط للخدمة في سلاح المدفعية وضباط مهندسي الاشغال العامة والمناجم ومديرين لمصانع البارود وملح البارود وضباط يعرفون علم هيئة الأرض ومساحتها لأعمال أركان الحرب وأساتذة في علوم الرياضيات والطبيعة.

تخرّج من هذه المدرسة نوعان من الطلاّب:

-اللغمجيّين:

وهم من كانوا يقومون بزرع الالغام

-البلطجيّين:

وهم من يحملون البلطة والفؤوس حيث لم يكن للجيش في بادئ الأمر قوات مستقلة من المهندسين، فكان لكل واحد من المشاة بضعة بلوكات من حاملي البلط والتي كان يطلق عليها أحيانًا أيضًا كلمة “الطبرزين” وهي كلمة فارسية بمعني البلطة أو الفأس.

وما لبث أن عُرفت فرقة “البلطجية” بالبطش والرعب وأصبحت أشبه بقوات النخبة التي تتقدم الفرق في الحروب ومعروفة بولائها للباب العالي أو السلطة. وبالنسبة للمواطنين الذين سكنوا أنحاء السلطنة بات استخدام هذه الكلمة للدلالة على العمالة لحكم الاتراك واستعمال العنف في التعاطي مع المواطنين.

مفردة البلطجة تستخدم في الوقت الحاضر للإشارة إلى فرض الرأي بالقوة والسيطرة على الآخرين، وإرهابهم والتنكيل بهم لتحقيق مصالح خاصة. والبلطجيّة هم من يستعملون القوة والعنف والقتل لفرض رأيهم واستغلال موارد الآخرين بهدف تحقيق مصلحة خاصة.

إنّ العلاقات تبدأ بالكلمات، والفِتن والخلافات تبدأ أيضًا بالكلمات، ولا يبقى حينها على الساّمع إلاّ أن يرتقي بنفسه فوق هذه الخلافات، وعلى القائل أن يسيطر على أقواله لتجنّب الفتن. فهل تنجح هذه المعادلة يومًا ما أم سنُغرق أنفسنا في أزماتٍ “بلطجيّة” في كلّ مرّة؟