IMLebanon

عشية “قمة بعبدا الثلاثية”… أكثر من هدنة أقلّ من تسوية

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يستعدّ لبنان لأسبوع تثبيتِ «وقْف إطلاق النار» السياسي على جبهة رئيسيْ الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والانتقال بـ «المنازلة» بينهما من المواجهة «الساخنة» الى «الحرب الباردة» بعدما أَظْهر «انفلات» الصراع وتَمدُّده الى الشارع الأسبوع الماضي إمكان انزلاق البلاد بسرعة الى فوضى سياسية – أمنية يصعب على الجميع التحكّم بها وتَحمُّل تبعاتها.

وفي حين نجح «حزب الله» في تعطيل «صاعق» الانفجار الذي دهم المشهد الداخلي بعد تسريب كلام لرئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل طاول رئيس البرلمان نبيه بري واصفاً إياه بـ «البلطجي وسنكسر رأسه» وما أعقب ذلك من توترات في الشارع ظهّرت قابليةً كبيرة للصِدام بين الفريقيْن، تتجّه الأنظار الى «الثلاثاء الرئاسي» الذي يشهد لقاء في القصر الجمهوري بين كل من عون وبري ورئيس الحكومة سعد الحريري في محاولةٍ لضبط الخلافات الداخلية و«دوْزنتها» على إيقاع ملفيْن بارزيْن: الأوّل التهديدات الاسرائيلية المتصاعدة من بوابتيْ النفط والغاز واتهام لبنان بأنه تحوّل «مصنع صواريخ إيرانية». والثاني انتقال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى تطبيق إجراءات أكثر صرامة حيال «حزب الله» ومصادر تمويله وهو ما عبّر عنه فرْض وزارة الخزانة الأميركية أول من أمس عقوبات على 6 أفراد (خمسة لبنانيين وعراقي واحد) و7 كيانات بموجب قوانين العقوبات المالية على الحزب بوصفه «منظمة إرهابية مسؤولة عن مقتل المئات من الأميركيين، وهي أيضاً الوسيلة الرئيسية لإيران لزعزعة الحكومات العربية الشرعية عبر الشرق الأوسط».

ويشي المناخ عشية اللقاء بين عون وبري والحريري بأن من الصعب تَصوُّر إمكان بلوغ تفاهمات «سحرية» حول أصْل المشكلة المتمثّل في الصراع حول الصلاحيات وتَوازُنها وغمْزِ فريق بري من قناة تجاوُز رئيس الجمهورية دستور الطائف، وهو ما عبّر عن نفسه خصوصاً في أزمة مرسوم منْح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش والتي فتحت الباب أمام «كباشٍ محتدم» حول التوقيع الشيعي في السلطة التنفيذية عبر وزارة المال التي أطلق المكوّن الشيعي إشارات الى رغبته في تكريسه موزاياً للتوقيعيْن المسيحي والسني (على كل المراسيم) من خلال تثبيت وزارة المال لهذا المكوّن.

وتشير التوقعات في هذا السياق الى ان «القمة الثلاثية» سترسخ حال «ربْط النزاع» في شأن الملفات الخلافية وتحديداً ذات الطابع الدستوري مع تحييد المؤسسات عنها في غمرة دخول لبنان مدار الانتخابات النيابية (موعدها في 6 مايو المقبل) والاستعداد لمواجهة التهديدات الاسرائيلية، والتحضير لمرحلة بدء مسار تَحوّله دولة نفطية من خلال حفل التوقيع الرسمي يوم الجمعة المقبل لعقود الاستكشاف والتنقيب في مياهه (بلوك 9 وبلوك 4) مع ائتلاف شركات فرنسية – ايطالية – روسية، الى جانب بدء العدّ التنازلي لثلاث مؤتمرات دولية لدعم لبنان.

وإذا كان «السباق الانتخابي» الذي انطلق يجعل نظرياً تقديم الأطراف الرئيسية تنازلات كبرى في هذه المرحلة مسألة تقاس في «حساب صناديق الاقتراع»، فإن مجموعة إشاراتٍ عملية تصبّ في تأكيد هذا الاستنتاج وأبرزها:

* ان سحْب فتيل الردّ في الشارع على كلام باسيل في حقّ بري بعد اتصال الرئيس عون برئيس البرلمان من ضمن مبادرة لعب «حزب الله» دوراً رئيسياً فيها، لم يطوِ صفحة المشكلة بين بري وباسيل (صهر عون) بل تركها برسْم اعتذارٍ مطلوب من وزير الخارجية ولو «الى اللبنانيين»، وهو ما رفض الأخير تقديمه بل مضى في توجيه الرسائل الضمنية الى رئيس مجلس النواب ولا سيما من خلال مؤتمر الطاقة الاغترابية في ابيدجان الذي لم يحضره باسيل شخصياً غامزاً من قناة «نيات تخريبية» كانت تُعدّ فيما لو شارك.

وشكّل استقبال بري أمس وفداً اغترابياً أفريقياً جاء مستنكراً «الإساءة الأخيرة التي تعرّضتْم لها» امتداداً للأزمة مع باسيل الذي قوبل المؤتمر الذي نظّمته وزارته في ساحل العاج بمقاطعة من هؤلاء وغالبيّتهم من مناصري رئيس البرلمان.

* المواقف التي أطلقها باسيل في حديث صحافي وأسف فيها «لوجود بعض الاختلافات (بين التيار وحزب الله) في المواضيع الداخلية»، متحدثاً عن «قرارات يتخذها الحزب في الموضوع الداخلي لا تخدم الدولة، وهذا ما يجعل لبنان يدفع الثمن، وان بنداً أساسياً هو بناء الدولة في وثيقة التفاهم لا يطبَّق بحجة قضايا السياسة الخارجية»، مؤكداً في الوقت نفسه انه «مهما حاول اليائسون تخريب العلاقة الاستراتيجية مع حزب الله، (فإنهم) لن ينجحوا».

وهذا الموقف الذي كان أثار قبل صدوره موضَّحاً بهذه الصيغة لغطاً بعدما اجتُزئ ليقتصر على ان «حزب الله يأخذ خيارات لا تَخدم مصالح الدولة اللبنانية في الموضوع الداخلي وان كل لبنان يدفع الثمن»، عَكَس بحسب أوساط سياسية منحى ثابتاً لدى رئيس «التيار الحرّ» لتكريس وجود خلاف عميق مع بري وتحالُف عميق مع «حزب الله» مع تمايُز موْضعي.

وتشير هذه الأوساط، وهي من خصوم باسيل، الى «ان منطق الأخير الذي عبّر عنه في الحديث الصحافي لا يمكن قراءته من خارج حسابات الانتخابات النيابية و (شدّ العصَب) الشعبي»، لافتة الى «ان هذا المنطق يصطدم من جهةِ حلفائهِ بوهمِ الاعتقاد أن بالامكان استخدام (حزب الله) بوجه الرئيس بري مع تصويره ضمناً على انه عائق أمام بناء الدولة، غافلاً ان وحدة الطائفة الشيعية اولوية استراتيجية لـ (حزب الله)، كما يصطدم عند خصومه باعتبارهم ان حصر بناء الدولة بالفساد والتصويب في هذا الإطار على فريق محدّد يهمل ان مرتكز بناء الدولة يقوم على وحدة السلاح وان تكون الإمرة الاستراتيجية بيد الدولة»، ومشيرة الى «ان المغازلة بالاستراتيجي مع حزب الله هي استمرار لمعادلة المقايضة بين: نعطيكم في الاستراتيجي وتعطونا في السلطة، وهذا المنطق لن يدوم بدليل الصدام مع بري حول مسألة الصلاحيات وأزمة المرسوم».

* تظهير الحريري ملامح استياء ضمني من بري بعدما سعت أوساط الأخير الى إنكار أي دور لرئيس الحكومة في إطفاء «الحريق» الذي أشعله كلام باسيل عن رئيس البرلمان. وقد أعلن الحريري «تعرفون أن الرئيس الشهيد، ونحن من بعده، تعرّضنا لموجات من الكلام والإهانات، أسوأ بكثير مما تسمعونه. لكننا كنا دائماً نرى كرامة البلد أهم من كرامة الأشخاص والأحزاب، ورغم كل ما حصل، أقول الحمد لله، أن صوت العقل والحكمة تغلب بالأمس، على صوت الدراجات النارية، وعطل في الوقت المناسب مشكلا كان يمكن أن ينقل البلد الى مكان آخر».