IMLebanon

كيف يدعم علم النفس مرضى السرطان!

كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

ينظم الإتحاد الدولي لمكافحة السرطان سنوياً يوماً للتوعية عن مخاطر هذا المرض، ناشراً ما آلت إليه الدراسات العلمية الجديدة بهدف الوقاية منه. لا يمكننا التكلّم عن السرطان من دون تناول حال المريض النفسية وهو يعاني آلاماً جسدية ونفسية على حدٍّ سواء. فالمتابعة النفسية والدعم الذاتي والإجتماعي له، يساعدانه على تخطّي محنته الصعبة. إذاً، ما هو دور الذات في مكافحة هذا المرض؟ وكيف يمكن للأهل والمجتمع أن يساعدوا المريض؟ وهل للحكومة دور؟

عندما يكون الشخص مريضاً، مهما كان مرضه، يساعد دعمه الذاتي في شفائه بشكل أسرع، فكيف لو كان المرض خطيراً؟

في اليوم العالمي لمكافحة السرطان، إنّ المريض وعائلته ومحيطه الضيّق والواسع وصولاً إلى مجتمعه وحكوماته مدعوّون جميعاً للإنتفاضة وللوقوف بوجه هذا المرض الخطير… إذ إنّ علاجه لا يقتصر فقط على الجراحة والعلاج الكيميائي الأساسي، ولكن على مساندة المريض أيضاً وتشجيعه على محاربة مرضه وعدم الإستسلام له.

علمُ النفس ومرضُ السرطان

لا يلعب علمُ النفس فقط دوراً في اكتشاف زوايا شخصية الإنسان ومزاياه وسلوكه وأحاسيسه ومشاعره وعلاقاته مع الآخرين… ولكن يهتمّ أيضاً بعلاقة النفس بالجسد، وبالتالي تحديد كيفية ظهور الإضطرابات الجسدية بعد مشكلة نفسيّة معيّنة.

اهتمّت الدراساتُ النفسية في الآونة الأخيرة بكشف العلاقة الوطيدة التي تربط الجسدَ بالنفس من خلال دراسةِ نظرياتٍ وبحوثٍ محورها الأمراض الجسدية ومنها السرطان والإضطرابات النفسية مثل القلق.

أكّدت العديد من هذه الدراسات وجود ترابط قوي ما بين حالة القلق وظهور إضطرابات جسدية مثل سرعة خفقان القلب أو الشعور بالغثيان… وصولاً إلى وجع الرأس.

ولكنّ الجدير بالذكر أنّ الدراسات العلمية الحديثة ركّزت على إرتباط ظهور مرض السرطان بالحال النفسية للإنسان، حيث أجمعت كل الدراسات على أنّ القلقَ والاكتئابَ والاضطراباتِ المزاجية لها علاقة قوية بظهور الأورام السرطانية.

أضف إلى ذلك، أنّ الحال النفسية للمريض تؤدّي دوراً في تنشيط عملية شفائه والعكس صحيح، كما لها دور في ظهور أمراض أخرى. ولكن يبقى مرض السرطان الملقّب بمرض العصر، مجهول الأسباب، ما يشكّل حالةً من الرعب بين الناس بمجرد التلفّظ باسمه. لذا يطلق عليه البعض أسماءَ وصفاتٍ للإشارة إليه، ومنها ذكر «هيداك المرض»،… وهذا في اعتقادهم نوع من محاولة إبعاد التشاؤم وإبعاد الإصابة به.

الحال النفسية للمريض والسرطان…

تنقسم مشاعر وأحاسيس المرضى تجاه السرطان: يرى بعض المرضى بأنّ الإصابة بهذا المرض هي نهاية حياتهم في هذه الدنيا. هؤلاء المرضى، يتميّزون بإنفصالهم عن بيئتهم العائلية والإجتماعية ليبقوا على اتّصال مباشر فقط مع أقرب المقرّبين منهم كالأم أو الأب أو الأخ او الأخت، كما يعانون صعوبةً كبيرةً في التعبير عن مشاعرهم السلبية للآخرين، ويتحوّلون إلى أشخاص عدوانيّين كلاميّاً، لا يحبّون التواصل مع محيطهم الإجتماعي.

هم معرضون لأن تسوءَ حالهم الجسدية بشكل سريع وتتدهور حالهم النفسية وبعضهم يعاني من الإكتئاب. وذلك يؤثر تأثيراً مباشراً في حياتهم الفردية وحياتهم العائلية والإجتماعية.

كما أنّ بعض المرضى، يشعرون بأنّ حالتهم المرضية ميؤوسٌ منها، فلا يبالون لوضعهم الجسدي، ولا يحرصون على متابعة علاجهم بشكل جدّي، كما يتخلّون عن علاقاتهم الإجتماعية وعن بعض القيَم والثوابت التي لطالما كانت محورَ حياتهم. مثلاً، نجد أنّ المراهق الذي استسلم للمرض، لم يعد يريد تحقيقَ آماله وطموحاته لأنه يعتبر بأنّ مرضه فتّاك ولا يستطيع تخطّيه.

في المقابل، يتفاءل بعض المصابين بالنجاة من هذا المرض، لذا يطرحون العديد من الأسئلة العلمية والصحية التي يمكن أن تساعدهم على تخطي مرضهم. يتميّز هؤلاء عادةً بحالاتهم النفسية المستقرّة. لكنّ هذا لا يعني بأنهم لا يشعرون بنوع من الصدمة والإرتباك عند إكتشافهم المرض.

لمَ يشعر مريض السرطان بالقلق والإرتباك؟

من الطبيعي أن يشعرَ المريض بالإرتباك والخوف والقلق بعد اكتشاف مرضه، ويجب أن يخبرَه الطبيب عن طبيعة مرضه وكيفية متابعة العلاج. وأسباب هذا الإرتباك هي:

أولاً، يتعرّض مريض السرطان لصدمةٍ نفسيّة خصوصاً إذا كان لا يتوقع أو يتصوّر وجود هكذا مرض في عائلته وحياته. ويمكن أن تدفع هذه التجربة المريض إلى مساعدة آخرين في نفس وضعه، لذا كتب الكثير من الأشخاص مذكراتهم من خلال قصص تسرد التجارب التي مرّوا بها، وذلك بمثابة نوع من الدعم النفسي والإجتماعي لأشخاصٍ آخرين يمرّون بنفس المحنة.

ثانياً، يلعب محتوى الأفكار المخزونة في ذاكرة المريض عن مرض السرطان، دوراً سلبياً في زيادة ارتباكه وقلقه، ولكنّ التفكير المستمرّ بالمرض يجعل المريض شخصاً يدرك ويفهم ويستوعب الحياة بكامل أبعادها الإيجابية والسلبية.

ثالثاً، جهل بعض المعلومات المتعلّقة بطبيعة هذا المرض وآثار العلاج وخطورته ومدّته الزمنية. لذا الثقافة العامة والمعلومات «المطمئِنة» التي يقدّمها الطاقم الطبي للمريض مهمة لأنها قد تخفّف من حدة هذه «الصاعقة» التي تؤثر في حياته.

دورُ المريض والمجتمع والحكومة

في اليوم العالمي لهذا الداء، من المهم التركيز على أساليب الدعم التي توقظ عند المريض أملَ الشفاء والإنتصارَ على المرض، وهناك ثلاثة عوامل تساعد المريض:

أولاً، إدراك أنّ مرض السرطان كباقي الأمراض، يمكن الشفاء منه خصوصاً مع تقدّم الطب ووسائل العلاج. كما يجب أن يعيش المريض الذي يخضع للعلاج حياته بشكل طبيعي.

ثانياً، الدعمُ النفسي أساسي لعملية الشفاء. عدم الاستسلام، التشبّث بالحياة والنظر بطريقة إيجابية للحالة المرضية،… كل ذلك يساعد المريض على تخطّي مرضه.

ثالثاً، الدعمُ الإجتماعي من الأسرة والأصدقاء والمحيط الإجتماعي والزملاء في العمل والمؤسسات التي تُعنى بهذا المرض، إضافةً إلى الدعم الحكومي ويعني ذلك مساندة الدولة للمريض وتعزيز إستقراره النفسي من خلال العناية التي تقدّمها المؤسساتُ الصحية والإستشفائية والطبية للشعب كله. ومن سبل العناية تأمين وسائل الكشف المبكر للسرطان والفحوصات الطبية المجانية والعمليات الجراحية المُكلفة…

وماذا يقول المريض؟

من خلال لقاء مع سيدة، عانت من هذا المرض الخطير، نقدّم بعض النصائح للإنتصار عليه:

  • التعامل مع المرض بشكل واقعي وعدم الإنجرار وراء رفضه وإنكاره، بل يجب الإعتراف بوجوده وتكرار فكرة «يجب الإنتصار عليه».
  • التعامل مع الحال الصحّية بإيجابية، والإدراك بأنّ طلب المساعدة ليس أمراً معيباً. كما يجب أن يتثقّف المريض عن المرض، ما يخفّف عليه آثارَ التغيّرات الجسدية التي ستصيبه.
  • الثقة بالنفس والثقة بالطاقم الطبّي المعالج.
  • الإنخراط في مجموعات من الأشخاص يعانون أيضاً من المرض نفسه. فالتبادلُ الإجتماعي والتواصل مع الآخرين يخفّف من وطأة هذا المرض ويقلل من الخوف والإضطرابات.
  • الصبر مفتاح كل حلّ، ويمكن أن يلجأ المريض إلى الصلاة أو إلى تقنيات الإسترخاء.