IMLebanon

تَفاوُض حدودي بحري – بري فوق “فوهة المدفع” بين بيروت وتل أبيب

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: … إنه التفاوض فوق فوهة المدفع.

هكذا يمكن اختصار مسار المفاوضات «بالواسطة» التي تجري بين بيروت وتل أبيب عبر واشنطن حول النزاع الحدودي البحري والبري المتّصل بمساحة 860 كيلومتراً مربّعاً في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان تضمّ أجزاء من بلوكات نفطية وتدّعي إسرائيل أن لها ملكية فيها، وبالجدار الفاصل الذي باشرت الدولة العبرية إقامته على الحدود الجنوبية للبنان الذي يرفض أن تبلغ بلوكات الإسمنت التي يتم رفْعها 13 نقطة يتحفّظ عنها على «الخط الأزرق» (خط الانسحاب الاسرائيلي من المناطق التي كان يحتلّها حتى مايو 2000).

وبات واضحاً لدى أوساط سياسية متابعة في بيروت أن هذا النزاع، الذي دخلت الولايات المتحدة على خطّه بـ «ثقلها» الديبلوماسي لم يوضع على الطاولة إلا ليصل إلى نهايةٍ يصعب تَصوُّر أن تكون على طريقة «لم نتوصّل الى اتفاق»، في ظلّ أمريْن:

* الأول استشعار اسرائيل بأن توقيع لبنان قبل أيام عقود التنقيب والاستكشاف مع ائتلاف الشركات الروسية – الفرنسية – الإيطالية في البلوك 9 تحديداً (يقع جزء منه في المنطقة المتنازَع عليها) يمنحه «ورقة قوة» دولياً تعزّز موقفه الذي يتمسكّ بسيادته على هذه المنطقة التي تحتوي أيضاً على قسم كبير من البلوك رقم 8 الذي يُعتبر من الأكثر احتضاناً لمكامن نفطية وغازية.

* والثاني أن تَقاطُع هذا الملف مع المناخ المحتدم في المنطقة ولا سيما في سورية ومع اشتداد المواجهة الأميركية – الاسرائيلية مع إيران وذراعها الرئيسية «حزب الله» يجعل تل أبيب تعتقد أن بالإمكان استخدام أكثر من عنصر ضغط على بيروت في محاولة لبتّ النزاع البحري بما يخدم مصالحها الاقتصادية وفي الحدّ الأدنى إبقاء هذا «الفتيل» (وبشقّه البري أيضاً) جاهزاً للاشتعال عندما تقتضي أجندتها التي تتصدّرها أولوية التصدّي لوجود إيران على خاصرتيْها السورية واللبنانية.

وانطلاقاً من هذه المشهدية، تتعاطى الأوساط السياسية مع قفز موضوع النزاع البحري – البري إلى الواجهة بقلقٍ ولا سيما أن تل أبيب هي التي اندفعتْ لإثارته عبر إصرارها على بناء الجدار الفاصل الذي ستَستكمل الأعمال فيه ابتداء من الاربعاء المقبل بالتزامن مع ادعاء وزير دفاعها افيغدور ليبرمان ملكية بلاده للبلوك رقم 9، قبل ان تنطلق الوساطة الأميركية عبر ديفيد ساترفيلد مروراً بزيارة وزير الخارجية ريكس تيلرسون للبنان، وترْكه ساترفيلد يعمل على خط بيروت – تل أبيب، وكل ذلك على وهج تصعيد إسرائيل حيال «حزب الله» على خلفية اتهامه بتطوير صواريخ في مصانع تقام في البقاع اللبناني والجنوب ونقْله أسلحة كاسِرة للتوازن بملاقاة قرارٍ حاسم من واشنطن بمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

وما زاد من منسوب القلق في بيروت تطوران هما:

* الكلام الخطير الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وحذّر فيها من امكان اندلاع حرب جديدة بين «إسرائيل» و «حزب الله» «وسيكون ذلك أسوأ كابوس فيما إسرائيل وحزب الله لا يريدان ذلك، وهذه الكارثة في النهاية ستؤدي إذا وقعت إلى تدمير جزء كبير من لبنان».

وجاء موقف غوتيريس خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن، اول من أمس، إذ قال: «في زيارتي الأخيرة لاسرائيل، لاحظتُ أن وجود ميليشات مقربة من إيران قرب الحدود الإسرائيلية، فضلاً عن العلاقة بين طهران وبيروت، سيسمح بتعزيز قدرات «حزب الله»،«الأمر الذي يراه الكثير من الإسرائيليين تهديدا لوجودهم»، لافتاً إلى أن «الأحداث الأخيرة تُظْهِر مدى خطورة وتفاقم الوضع السوري وما يخص إسرائيل ولبنان»، محذراً من «كارثة كبيرة على وشك الوقوع».

وإذ اعتبر «أن أسوأ كابوس بالنسبة لنا، هو اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله»، قال:«نحن نعلم أن أي شرارة يمكن أن تؤدي إلى ذلك، ولا يسعنا المراهنة على استحالة الصراع… نحتاج في مجلس الأمن لرؤية مشتركة للوضع في الشرق الأوسط».

*«توازن الردع» الذي سعى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في كلمته اول من امس لإقامته بوجه أي محاولة لوقف أعمال التنقيب في المياه اللبنانية او أي تهويل أميركي لفرْض شروط على لبنان.

واذ انطلق نصر الله من ان «حزب الله»هو «القوة الوحيدة لديكم أيها اللبنانيون»، داعياً الحكومة اللبنانية إلى التفاوض من موقع القوة»، قال: «نحن أقوياء، ويجب ان نتفاوض كأقوياء… إسرائيل التي تهددكم انتم تستطيعون ان تهددوها. اذا جاء الاميركيون وقالوا لكم يجب ان تتجاوبوا معي لأرد إسرائيل عنكم، قولوا للأميركيين: يجب أن تتجاوبوا مع مطالبنا لنرد حزب الله عن إسرائيل»، مضيفاً: «اذا اتخذ مجلس الدفاع اللبناني قراراً بأن منشآت النفط داخل فلسطين لا يجب ان تعمل، فأنا أعدكم أنها خلال ساعات قليلة ستتوقف عن العمل».

وعلى وقع هذا الصخب، من المتوقع أن يزور ساترفيلد اسرائيل في الساعات المقبلة لإبلاغها بحصيلة المحادثات التي أجراها في بيروت بعد مغادرة تيلرسون والتي أفضتْ الى رفْض لبنان اي تنازُل عن حقوقه في مياهه الاقليمية كما اعتراضه على ما يُعرف بخط فريديريك هوف نسبةً الى المبعوث الاميركي الذي سبق أن تولى وساطة حول موضوع النزاع البحري والذي يقضي بمنْح لبنان 60 في المئة من المنطقة المتنازَع عليها مقابل 40 في المئة لاسرائيل.

وأشارتْ معطيات الى ان الموقف الأميركي يحاول حشْر لبنان بين الحصول على نسبة الـ 60 في المئة مقابل التخلي عن الـ 40 في المئة الأخرى، وبين ان يساهم المناخ المتشنّج في عدم توفير «بيئة آمنة» لأعمال التنقيب في البلوك 9، في حين لمحت مصادر متابعة الى عملية التفافٍ تحصل حتى على مقترح هوف الذي كان يقضي في موازاة منْح لبنان نسبة 60 في المئة من المنطقة المتنازَع عليها، الوصول الى حلّ لمساحة الـ 40 في المئة الباقية يراوح بين إما تجميد أي أعمال فيها من جانب لبنان كما اسرائيل الى حين التوصّل الى اتفاق حولها، وبين أن يُصار الى الاستثمار فيها ولكن على ان توضَع الاموال المحصّلة في صندوق حيادي ريثما يحصل الاتفاق.