IMLebanon

لبنان يُسابِق سيناريوات قاتمة في الداخل و… من الخارج

تَتزايد في بيروت مَظاهر القلق المتعاظم الناجم من دفْعه وعلى نحوٍ مضطرد إلى قلبِ الصراع اللاهب في المنطقةِ المشتعلة بحرائق لا هوادة فيها، الأمر الذي بدأ يُفْقِد لبنان شبكاتِ الأمان الداخلية والخارجية على حدّ سواء والتي غالباً ما شكّلتْ مانعةَ صواعق تقي الوطن الصغير خطر الانهيار في لحظةِ اشتداد حروب النفوذ من حوله، على غرار ما يجري في سورية، الساحة التي جاء إليها اللاعبون الكبار والصغار بقضّهم وقضيضهم.

وبدا لبنان محشوراً بين فكّيْ معسكريْ الصراع المفتوح في المنطقة، الولايات المتحدة ومعها اسرائيل، وإيران ومعها دول المحور وأذرعه، في ظل تَدافُعٍ بلغ مستويات خشنة توحي بما هو أسوأ وسط انحسارٍ متزايدٍ لـ “الضمانات” التي شكّلها على الدوام محورُ الاعتدال العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وبدعمٍ من المجتمع الدولي للبنان الذي اقتيد أخيراً إلى التسليم برجحان كفة موازين القوى الاقليمية لمصلحة النفوذ الإيراني.

ويؤشّر هذا الاختلال المتمادي في الواقع الداخلي وفي موقع لبنان الإقليمي على سيناريواتٍ قاتمة، كالحرب نتيجة التعاطي مع البلد على أنه متراس أمامي للمشروع الإيراني، أو الانهيار المالي مع تَفاقُم أزمات لبنان وإدارة الظهر العربية – الخليجية له، أو السقوط السياسي عبر انتخاباتٍ نيابية تُطْلِق يد “حزب الله” في التحكّم بتوازناته واستحقاقاته وبإمرته الاستراتيجية.

والأكثرُ إثارة في هذه اللوحة الداكنة أن الأخطار المتعدّدة الاتجاه تهبّ دفعةً واحدة على لبنان الذي استُدرج إلى ربْطِ نزاعٍ حدودي – نفطي مع إسرائيل في لحظةِ احتقانٍ اقليمي بَلَغ ذروته مع اصطياد الطائرات السورية والإيرانية والإسرائيلية في أجواء سورية، ما وضع المنطقة على كفّ حربٍ تستعدّ لها أطرافها وتعمل على تفاديها في آن.

وكان لافتاً، أمس، ما أعلنه الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي من “أن الجيش أجرى هذا الأسبوع تدريباً يحاكي إمكان نشوب حرب مع لبنان”، كاشفاً عن “سلسلة تمارين حصلت على مستوى الألوية في القيادة الشمالية العسكرية… شاركت فيها قوات في الخدمة الإلزامية والاحتياط وتدربت على التجنّد بشكل سريع، وعلى القدرات بتفعيل النيران والاستعداد للحرب في منطقة لبنان”.

وأكد أدرعي، في بيان، أنه في إطار التدريب نفسه “جرى تعاون واسع النطاق بين قوات المدرّعات والهنْدسة والمشاة والمدفعية، حيث حاكت القوات سيناريوهات متنوعة في القتال المتواصل، بالإضافة إلى تجريب القدرات والعمق اللوجيستي”.

ويأتي تلويح تل أبيب المتزايد بالجهوزية لحربٍ تتعدّد “صواعقها”، من رفْض أي وجود إيراني في سورية يجعل المنطقة الممتدة من جنوب سورية إلى جنوب لبنان “منطقة خطر وجودي” إلى عدم إمكان التسليم بتطوير “حزب الله” صواريخ في مصانع تزْعم أنها تقام في لبنان، إضافة إلى حصول الحزب على أسلحة كاسِرة للتوازن، فيما “فتيل” النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل قابِل للاشتعال ويسابق وساطةً “سلحفاتية” أميركية عبر الديبلوماسي ديفيد ساترفيلد، الذي اتّضح أنه أرجأ مغادرته إلى جنيف أمس ليَستكمل لقاءاته في بيروت بعدما كان حَمَل الى اسرائيل جواباً لبنانياً يرفض أي تنازُل عن حقوقه النفطية التي باشر باسثمارها من خلال توقيع عقود الاستكشاف والتنقيب في البلوكين 4 و 9، والأخير هو الذي تدّعي تل أبيب أن ملكيته تعود لها من ضمن زعْمها بحقوق لها في المنطقة المتنازَع عليها والتي تبلغ مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً.

وفي هذا السياق، زار ساترفيلد أمس رئيس البرلمان نبيه بري على وقع معلومات أشارتْ الى عجْزه عن إحداث أي خرْق في موقف لبنان المتمسّك بكامل حقوقه وخصوصاً في البلوك 9 “غير القابل للتفاوض” وبالترسيم الذي قام به لحدود منطقته الاقتصادية الخالصة، مقابل دوران الأميركيين حول “خط هوف” وخطته لتقسيم المنطقة المتنازَع عليها بين 60 في المئة يحصل عليها لبنان و40 أخرى لاسرائيل التي أفادت مصادر بري أنها تحاول التحايل عبر أفكار تسعى الى انتزاع اعتراف من بيروت بحقوق لها في تلك المنطقة، موضحة ان رئيس البرلمان عاد وأبلغ الى ساترفيلد الموقف نفسه ولا ينقص حرفاً واحداً الذي نقله إليه قبل انتقاله الى اسرائيل. علماً ان مصادر متابعة لهذا الملف ذكّرتْ بأن مبادرة المبعوث فريدريك هوف العام 2012 لم تلحظ تسليماً بأن حصة الـ 40 في المئة تعود لاسرائيل بل طرحتْها للتفاوض عليها.

وفيما تطرّق الرئيس اللبناني العماد ميشال عون من أرمينيا التي أنهى زيارته لها امس الى هذا الملف، ناقلاً الى الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان “أن لبنان متمسك بحدوده البرية والبحرية، وبحقه في الدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة، وأننا نعول على صداقاتنا الدولية للمساعدة في جبه التهديدات وعدم تفاقم الأوضاع”، فإنّ الاهتمام الموازي في بيروت كان منصبّاً على ملف موازنة 2018 التي دخلتْ في سباق فعلي مزدوج: أولاً مع الوقت الفاصل عن مؤتمرات الدعم الدولية ولا سيما “سيدر 1” في باريس (في 6 ابريل) والتي تحتاج إلى “إشارات” وإصلاحاتٍ تحفّز الدول على “استثمارات آمنة”، وثانياً مع “هاوية مالية” يجري التحذير من الانزلاق إليها وسط أرقام مقلقة تتطلّب سياسة إصلاحية حقيقية.

وإذ واصلتْ اللجنة الوزارية المكلفة درْس مشروع الموازنة اجتماعاتها أمس في محاولة لإحالته على البرلمان أوائل مارس لتبدأ بعدها رحلته في لجنة المال، فإن شكوكاً تحوط بإمكان إدخال تخفيضات على أرقامه في “الزمن الانتخابي” ناهيك عن تجاذبات قديمة – جديدة تلفّ البُعد الإصلاحي وبنوده، ما يطرح علامات استفهام حول مدى القدرة على إنجاز الموازنة والوفاء بـ “دفتر الشروط” التقني لزوم ملاقاة مؤتمرات الدعم (وخصوصاً سيدر 1) التي تحاصرها أساساً توقّعات أقل تفاؤلاً لجهة مردودها في ظل عدم حماسةٍ سياسية سعودية – إماراتية على خلفيةِ مجمل الوضعية اللبنانية وأدوار “حزب الله” الخارجية، ناهيك عن الخشية من أن تكرّس الانتخابات النيابية في 6 مايو “تفوّق” الحزب داخلياً.