IMLebanon

انعكاسات “عودة الدفء” إلى علاقات بيروت والرياض

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: في «وداع» الرئيس سعد الحريري بعد الصخب الذي أحدثتْه استقالته من الرياض في 4 نوفمبر الماضي، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: «الحريري مسلم سنّي ولن يستمرّ في توفير غطاء سياسي لحكومة لبنانية يتحكّم بها بالأساس حزب الله، الذي تتحكّم به إيران».

وفي استقبال الحريري العائد الى السعودية للمرة الأولى بعد 115 يوماً قال الأمير محمد بن سلمان: «الحريري الآن في موقعٍ أفضل في لبنان مقارنةً بميليشيا (حزب الله) المدعومة من إيران».

الموقفان اللذان أطلقهما ولي العهد السعودي، عبر صحيفة «نيويورك تايمز» ثم الـ «واشنطن بوست»، عَكَس أوّلهما «المسْرح السياسي» لأزمة الاستقالة وما عبّرتْ عنه حينها من ملاحظاتٍ سعوديّة على المسار اللبناني منذ إبرام التسوية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي نهاية أكتوبر 2016 ومن إعلان «طفح الكيل» إزاء ملامح «قبض» حزب الله على مفاصل القرار الاستراتيجي للبنان، فيما جاء ثانيهما ليظهّر تقويماً سعودياً إيجابياً لما هي عليه الآن مكانة الحريري الذي كان عاد عن استقالته في 22 نوفمبر على أساس قرارٍ أعلنت كل مكونات الحكومة الالتزام به لجهة النأي بالنفس عن أزمات المنطقة والتدخّل في شؤون الدول العربية.

وعلى متن هذا «التحوّل» الذي عبّر عنه كلام ولي العهد السعودي الذي نشرته «واشنطن بوست» وقال فيه أيضاً انه تعرّض لانتقادات غير مُنْصفة في سياق ما أشيع عن ضغطه على الحريري للاستقالة في نوفمبر، حطّ رئيس الوزراء اللبناني في الرياض فجر أمس ليلتقي بعد ساعات قليلة وفي مشهديةٍ لافتة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قبل اللقاء المرتقب مع الأمير محمد بن سلمان.

وحسب وكالة الأنباء السعودية «واس»، فإن لقاء الملك سلمان بن عبد العزيز مع الحريري تخلله «استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، وبحث مستجدات الأحداث على الساحة اللبنانية»، وحضره وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور مساعد بن محمد العيبان، وزير الخارجية عادل بن أحمد الجبير، المستشار في الديوان الملكي نزار بن سليمان العلولا، سفير المملكة لدى لبنان وليد بن محمد اليعقوب وسفير لبنان في المملكة فوزي كبارة.

وكانت الرياض حرصت على إسباغ الحفاوة على الاستقبال الرسمي للحريري الذي كان ينتظره في المطار العلولا الذي سبق ان نقل إليه يوم الاثنين دعوة رسمية لزيارة السعودية، إبان المحادثات التي أجراها على مدى يومين في بيروت موفداً من الديوان الملكي وبرفقته الوزير المفوّض وليد البخاري.

ورغم أن نتائج زيارة الحريري للرياض تنتظر عودته الى بيروت مبدئياً اليوم، إلا إذا قرر التوجّه الى باريس لوضع الرئيس ايمانويل ماكرون في أجواء محادثاته في المملكة وتأثيراتها على التحضيرات لمؤتمرات الدعم الدولية للبنان ولا سيما «سيدر 1» الذي تستضيفه فرنسا في 6 ابريل المقبل، إلا ان حرارة اللقاء بين خادم الحرمين الشريفين ورئيس الحكومة وكلام الأمير محمد بن سلمان حول مكانة الحريري إضافة الى ما تم استخلاصه من مباحثات العلولا في بيروت التي يفترض ان يزورها مجدداً قريباً، كلّها مؤشرات على أن ذيول مرحلة الاستقالة انتهتْ وان المملكة تتّجه إلى فتْح صفحة جديدة مع لبنان والى ملاقاة الاندفاعة الغربية لدعمه وعدم ترْكه يتهاوى في المحور الإيراني.

كما أن عودة العلاقة اللبنانية – السعودية الى دائرة التطبيع ولو على نفس «قواعد الاشتباك» مع «حزب الله» بوصْفه الذراع الإيرانية التي تعبث بالأمن القومي الخليجي، الى جانب استعادة علاقة الحريري بالمملكة حرارتها، لا يمكن فصْلها حسب دوائر سياسية في بيروت عن استحقاق الانتخابات النيابية المقرَّرة في 6 مايو المقبل والمخاوف الخارجية من مفاجآتٍ سلبية قد تحملها صناديق الاقتراع لجهة تمكين «حزب الله» من الإمساك بمفاصل اللعبة السياسية إن لم يكن عبر الأكثرية فمن خلال الثلث المعطّل، ولا سيما في ظلّ القانون الجديد الذي سبق للمملكة ان اعتبرتْ انه يخدم الحزب.

وتبعاً لذلك، وبعدما لم يحمل التحوّل السعودي المستجدّ أي تغييرات في ثوابت مقاربة المملكة للواقع اللبناني لجهة دعم الشرعية ومؤسساتها ورفْض أدوار «حزب الله» وتأكيد موقع الحريري في المعادلة عشية الانتخابات، يجري رصْد انعكاسات معاودة وصْل ما انقطع بين بيروت والرياض وبين رئيس الحكومة والمملكة على صعيد خريطة التحالفات الانتخابية وتحديداً على صعيد إمكان ترميم الجسور بين الحلفاء السابقين في قوى «14 آذار»، وإن كان ثمة انطباعٌ بأن هذا الأمر دونه تعقيدات كثيرة ذات صلة بالتراكمات السلبية في العلاقات بين أطراف هذا الفريق على مدى الأشهر الماضية، كما بضيق الوقت الفاصل عن حسْم إعلان اللوائح، وأيضاً بحساباتٍ حزبية تفرضها طبيعة القانون ولا تستدعي بالضرورة ائتلافات عريضة في منطقة أو أخرى.

وفي هذا السياق، تشير بعض الأوساط الى ان العلولا الذي سيعود الى بيروت لمواصلة لقاءاته التي كان اختصرها بسبب تحديد موعد زيارة الحريري للرياض، سيكمل من حيث انتهتْ محادثات رئيس الحكومة في المملكة والتي يصعب تَصوُّر أن يكون ما بعدها كما قبْلها. علماً ان «حزب الله» أعطى إشارات سلبية تجاه محطة موفد الديوان الملكي في لبنان إذ انتقدها واعتبرها في سياق «المسارعة للملمة الصفوف» ومؤشراً لحصول الانتخابات في موعدها، معلناً «لم نسمع أحداً يعترض او يسأل أين السيادة في لبنان».

إلا ان رئيس البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية والذي كان زاره العلولا، عبّر عن ارتياحه للقاء حيث نقل عنه النواب امس انها «زيارة سادت خلالها الأجواء الودية»، وإنه سمع من الموفد السعودي «كلاماً إيجابياً للغاية عن لبنان ودوره التاريخي والحضاري»، وكاشفاً ان العلولا «سيستكمل لقاءاته بعد عودته مرة اخرى من المملكة».