IMLebanon

زيارة الحريري للرياض أعادتْ التوازن الإقليمي حول لبنان

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

استمرّت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري للرياض عنواناً وحيداً للحدَث السياسي في بيروت التي بقيتْ مشدودةً أمس الى المحطة السعودية لزعيم «تيار المستقبل» ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان غداة «الاستقبال الرئاسي» الذي لقيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.

وحتى قبل مغادرة الحريري الرياض، كثرتْ القراءات حول دلالات وانعكاسات هذه الزيارة على مستوييْن: الأول علاقة رئيس الحكومة بالمملكة والتي كانت سادتْها انتكاسة غير معهودة منذ أزمة استقالة الحريري من السعودية في 4 نوفمبر الماضي والتي جاءت كأحد تعبيرات «غضبة» الرياض حيال ممارسات «حزب الله» في أكثر من ساحة في المنطقة مستفيداً من «تفوُّقه» في الواقع اللبناني. والمستوى الثاني علاقة لبنان بالمملكة والتي شهدتْ تراجعاً غير مسبوق على خلفية الظروف التي أتتْ الاستقالة في سياقها وتلك التي نجمتْ عنها.

وبدا واضحاً أن زيارة رئيس الحكومة التي سبقتْها مباحثاتٌ بالغة الأهمية أجراها موفد الديوان الملكي نزار العلولا في بيروت يرافقه الوزير المفوض وليد البخاري، ناجحة في الشكل والمضمون، وسط ترقُّبٍ لترجماتها على مرمى أسابيع من الانتخابات النيابية في 6 مايو المقبل وأقلّ من أسبوعين من انطلاق مؤتمرات الدعم للبنان من روما منتصف الجاري ثم في باريس في 6 ابريل فبروكسيل أواخر الشهر نفسه.

ولم يكن ممكناً فصْل شكليات محطّة الحريري في السعودية عن مضمونها، نظراً الى أنها المرة الأولى التي يعود فيها رئيس الحكومة إلى الرياض بعد استقالته التي أعلنها منها، قبل أن يتراجع عنها مع عودته الى بيروت في 22 نوفمبر.

وقد حرصتْ المملكة على إحاطة الحريري بكل مَظاهر الاحتفاء التي بدتْ أقرب الى «ردّ الاعتبار» له وطيّ صفحة التباساتٍ استثمرها «حزب الله» وحلفاؤه لتصوير الاستقالة على أنها تعبير عن أزمة بين زعيم «المستقبل» والسعودية أو طلاق بينهما وإغفال كونها امتداداً للانفلات العسكري والأمني لـ «حزب الله» كرأس حربةٍ في مشروع التوسع الإيراني.

وفي هذا السياق، كان الأكثر تعبيراً ان الملك سلمان بن عبد العزيز خصّ الحريري بالمراسم والتقاليد التي تليق باستقبال رؤساء الدول، فأجْلسه إلى يمينه في مكتبه بقصر اليمامة في حضور مسؤولين كبار، وسط علاماتِ ودّ ظاهرة أكدت استعادة علاقة رئيس الوزراء اللبناني بالمملكة «حرارتها» المعهودة.

وإذا كان العنوان الوحيد الذي أمكن استخلاصه من لقاء خادم الحرمين الشريفين مع الحريري أنّ نتائجه كانت «ممتازة» وهو ما لاقاه الوزير البخاري بتغريدةٍ عبر «تويتر» كَتَب فيها: «لبنانُ.. مهمَا يطل بُعدُنا فالجمعُ يَشْتَمِلُ»، فإنّ أوساطاً مطّلعة في بيروت رسمتْ عبر «الراي» خلاصاتٍ أولية لزيارة رئيس الحكومة للسعودية ولـ «عودة» المملكة الى لبنان، أبرزها:

  • أنّ الرياض عائدة الى بيروت عبر «خيار الحريري» الذي يقوم على اعتبار التسوية السياسية التي كانت أنهتْ الفراغ الرئاسي في أكتوبر 2016 «قارب النجاة» للبنان وصمام حفْظ استقراره، مع التمسّك بـ «مُلْحِقها» الذي شكّله القرار الذي وافقتْ عليه كل مكوّنات الحكومة بالنأي بالنفس عن صراعات المنطقة والتدخل في الشؤون العربية.
  • أن العودة السعودية تُعزِّز مكانةَ الرئيس الحريري في المعادلة الداخلية وتعطي إشارةً لا لُبْس فيها الى أنه ما زال «الحصان الرابح»، وهو ما يكتسب أبعاداً بالغة الأهمية على مَشارِف الانتخابات النيابية بما من شأنه تحسين وضْعيّة زعيم «المستقبل» وتحصينها في شارعه بالدرجة الأولى.
  • أن الصفحة الجديدة بين السعودية ولبنان وبين الحريري والرياض تعيد المظلّة الإقليمية لرئيس الحكومة، وهو ما يشكّل عنصرَ إعادة تَوازُن الى الوضع اللبناني بِبُعْده الداخلي، كما الإقليمي، ويوجّه رسالةً الى أن البلاد ليست متروكةً لتكون «ورقة ساقطة» بيد إيران وذلك على قاعدة أن التسليم لطهران في أيّ ساحة عربية سيكون له ما يشبه «تأثير الدومينو» في سائر الساحات.
  • ان العودة السعودية تأتي لتكمل حلقات الدعم للبنان الى جانب فرنسا والولايات المتحدة بالدرجة الأولى عشية المؤتمرات الدولية الثلاث التي تُعتبر في مبدأ انعقادها إشارة خارجية الى استمرار «الحاضنة» الغربية – العربية للبنان، وإن كان المحكّ الفعلي لهذا الاحتضان يبقى حجم الدعم وخصوصاً في مؤتمر «سيدر 1» في باريس، وسط توقعات بأن تفتح الرياض الباب أمام ترجماتٍ فاعلة تصبّ في النتيجة أيضاً في رصيد الحريري الذي يبقى عنواناً رئيسياً في هذه المؤتمرات.
  • أن عودة الدفء الى علاقة الحريري بالسعودية قائم على تفاهماتٍ وليس على شروط ذات صلة بالتحالفات المرتبطة بالانتخابات النيابية، في ظل انطباعٍ بأن رئيس الحكومة ليس في وارد الابتعاد عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزبه (التيار الوطني الحر) ولا القطْع مع حزب «القوات اللبنانية»، وأن الرياض لا تطلب استعادة الاصطفافات بين 8 و14 آذار بقدر ما تراهن على ان يعتمد حلفاؤها خياراتٍ لا تساهم في تسهيل انقضاض «حزب الله» على التوازن الداخلي سواء في الانتخابات أو في مرحلة ما بعدها، ومن هنا الرهان على تنظيمٍ ما فوق انتخابي للعلاقة بين «المستقبل» و«القوات».
  • ان من نتائج إزالة كل غبار حول مكانة الحريري لدى المملكة كما في المعادلة الداخلية، ان المعارضة السنية لرئيس الحكومة ستكون أكبر الخاسرين وانها ستظهر في الانتخابات المقبلة «حالات محلية لا وطنية» ولا سيما ان البيئة الحاضنة لزعيم «المستقبل» التي لم تتخلّ عنه إبان أزمة الاستقالة يفترض أن تتأثّر إيجاباً بانتهاء كل ذيول تلك المرحلة وتثبّت «خيارها» في صناديق الاقتراع. علماً ان «تيار المستقبل» يتّجه خلال اليومين المقبلين الى حسم مرشحيه وإعلانهم في لقاء يطلّ فيه الحريري محدداً البرنامج الانتخابي وملامح التحالفات التي ستقوم على أساسها اللوائح في مرحلة لاحقة والتي ستكون في الغالب «موْضعية» نظراً إلى طبيعة القانون التي تجعل أطرافاً وازنة عدة تفضّل تفادي «التانغو» الانتخابي الذي يخضع لمقايضاتٍ قد تكون مُكْلِفة ومعقّدة.