IMLebanon

بين كوابيس لبنان ومنافسات هوليوود (بقلم طوني أبي نجم)

يا لها من مصادفات غريبة ومفارقات مؤلمة بين لبنان ولوس أنجلوس في الولايات المتحدة. يشاء القدر أنه في حين كان لبنان يغرق في لبنان بأخبار فضائح التركيبات الأمنية المخزية، وبأخبار التراشق بين الأجهزة الأمنية، وبالتغريدات العنيفة بين وزيري العدل والداخلية، وفي حين كان اللبنانيون يميلون إلى فقدان الثقة بأجهزتهم الأمنية المتصارعة بعد صدمة قضية عيتاني- الحج، كان ثمة لبنانيون يرفعون موحّدين اسم لبنان عالياً في هوليوود.

وفي حين كان اللبنانيون يصعقون نتيجة تكرار الاتهامات بالبلطجة وبعرقلة إنشاء معامل الكهرباء، والاتهامات بالسرقة بين الوزراء، كان ثمة لبنانيون يحلّقون في هوليوود ويبرزون صورة مشرقة عن الإبداع الحقيقي للبنان.

وفي حين كان اللبنانيون يقلقون على مصير مستقبل وطنهم اقتصادياً بعد وصول العجز في موازنة الـ2018 الى ما يفوق الـ7 مليار دولار في رقم قياسي من دون أي أفق لأي حل، أو حتى لوضع حدّ للانهيار الحتمي الآتي في ظل تراجع تصنيف لبنان على سلّم الفساد عالمياً من المرتبة 138 إلى المرتبة 143، كان فريق عمل فيلم “القضية 23” بقيادة منتج الفيلم المؤمن بلبنان أنطون صحناوي يدخل حفل الأوسكار العالمي على السجادة الحمراء رافعاً راية لبنان الذي نحبه والذي لا يشبه لبنان الذي نعيشه اليوم!

شتان ما بين لبنان الذي في لبنان ولبنان الذي في هوليوود. في لبنان مزرعة تحكمها مافيات فساد طائفية وتقودها نحو الانهيار السريع والمريع، وفي هوليوود حلم عالمي لم يُتوّج بجائزة الأوسكار، فحلّ فيلم “القضية 23” في المرتبة الثانية، إنما وضع لبنان في مصاف الكبار في عالم السينما وفي منافسة تليق بتاريخ لبنان وتطلعات أبنائه.

في لبنان تسابق نحو انتخابات نيابية من دون برامج فعلية، وبمنطق اللهث وراء الكراسي، بعيداً عن المبادئ والثوابت السياسية في حفلة جنون جماعي وهوس بالسلطة، وفي هوليوود لبنان ينافس على جائزة عالمية لأول مرة في تاريخه، ومن خارج سياق التخلف في كل ما يجري على أرضه!

إنه الفرق بين الحلم في هوليوود والكابوس في لبنان. إنه الكابوس الذي يصنعه في لبنان يومياً سياسيون يدمنون الإفلاس والمقامرة بمصير البلد، ومنهم من يشارك ومنهم من يغطي عملية نهب كل خيراته. وإنه الحلم في هوليوود الذي صنعه رجل أعمال اسمه أنطون صحناوي آمن بمخرج مبدع اسمه زياد دويري ومجموعة من الممثلين المميزين، وأخذ بيدهم إلى حيث يحلم كل ممثل من حول العالم، إلى حيث النجمات ترسم على الأرصفة والسجاد الأحمر يُفرش للموهوبين!

هل هو قدرنا أن نعيش في الكابوس اللبناني في لبنان؟ هل هو قدرنا أن نعيش في هذه المزرعة التي اسمها لبنان ويسعى القيمون عليها إلى تجديد “صك ملكيتها واستثمارها” بأصوات المواطنين المخدّرين بصراعاتهم الطائفية والحزبية والقبائلية ومنطق “زعيمي أقوى من زعيمك” في حين ينهار الهيكل على رؤوس الجميع؟

لا ليس قدراً على الإطلاق. ثمة خيارٌ حكماً بين من يمسكون بمفاصل الحكم في لبنان ويمعنون في إفقارنا وتجويعنا ونهب موارد البلد، وما بين أمثال من يمنحوننا بارقة الحلم والأمل، ولو من هوليوود، بأن في مقدور لبنان أن يقدّم نموذجاً مختلفاً! الخيار هو بين أفلام الفبركات الأمنية والتراشق السياسي والاتهامات بالسرقات والفساد التي لا تصلح حتى لنيل جوائز “راتزي” (Razzies) لأسوأ الأفلام والأداء والإخراج، وبين أفلام الفن الإبداع التي تترشح إلى الأوسكار الحقيقي في هوليوود.

شكراً أنطون صحناوي على إبقاء فسحة للحلم الجميل وعلى رفع راية لبنان التي تشبهنا في أجمل المسابقات العالمية.