IMLebanon

ندى أبو فرحات: هذا وجعي الأكبر ولكنه لذّتي

كتبت رنا اسطيح في صحيفة “الجمهورية”: 
لا يمكن أن تُشاهد مسرحيةً للممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات ولا تشعرَ أنك حجزت لنفسك تذكرة سفر إكسبرس إلى عالم سحري جديد لا تعرف عنه شيئاً. فلا خشبة المسرح تبقى مكاناً جغرافياً محدّداً ولا الزمان يبقى الأمس أو الآن، ولا حتى اللغة هي نفسها لغة المسلسلات المنمّقة أو حتى لغة الأدب والروايات… العالم كلّه يتلاشى أمام حقيقة واحدة وهي الشخصية الجديدة التي تلعبها ندى على الخشبة. هذه المرّة اسمها «فيكتوريا العجيبة» وهي أوّل متحوّلة جنسياً عُرفت في لبنان في السبعينيات.عندما تُفتح ستارة مسرح «ميترو المدينة» على المشهد الأوّل من مسرحية «مغامرات فيكتوريا العجيبة» ( كتابة جيرار أفيديسيان وإخراجه)، لا يعود العالم الخارجي لتلك الخشبة المسرحية يعني شيئاً للجمهور الغارق في العتمة وكأنه عائم في اللامكان. الأضواء كلها على الخشبة والأصوات كلها نابعة منها وكذلك رائحة الحكايات المجبولة باللذة والوجع. تطلّ بطلة العمل طفلةً تولد على المسرح لتكبر أمام ناظرنا وتأخذنا معها في رحلة طوعية إلى عالمها، وأسرارها ومغامراتها العجيبة وقد يكون أبهى ما في هذه الرحلة هو أنّ ندى أبو فرحات غائبة عنها تماماً لأنّ الحاضرة الوحيدة امام ناظري الجمهور هي فيكتوريا وحدها بجسمها وحركاتها وشخصيّتها وحتى صوتها!

تحدٍّ كبير

في حديث خاص لـ«الجمهورية» تروي ندى أبو فرحات أنّ «المخرج جيرار أفيديسيان قابل فيكتوريا فعلياً عام 1974 في زمن الحرب، وشدّته قصة حياتها وعلِقت في رأسه، وقال لها حينها إنه سيُحوّل حكايتها إلى مسرحية. فأخبرته الكثير من التفاصيل عن حياتها.

ومن حين التقائي بجيرار والعمل معه في مسرحية «أسرار الست بديعة»، وهو يحدثني عن مشروعه القديم، الذي لم يَنسه يوماً: «فيكتوريا العجيبة». وبالنسبة لجيرار، هذا الموضوع مثير للجدل، ففيكتوريا هي أوّل متحوّلة جنسياً في لبنان. وبالنسبة لي، جذبتني الشخصية جداً، فمن الصعب تجسيدها كإمرأة، وهو تحدٍّ كبير، ويتطلّب الدور تغييراً بالشكل الجسدي والصوت والأداء. كما أنّ هذا الدور جديد ولم يسبق لي أن أدّيته ممّا زاد رغبتي بخوض التحدّي».

دقّقتُ في التفاصيل

وعن كواليس التحضير لعمل بهذه الصعوبة، تكشف: «قُمنا بتمرينات طيلة شهرين، كما قُمت ببحث مُعمّق وشاهدت أفلاماً وثائقية حول الموضوع، وقابلت أصدقائي المتحوّلين جنسياً، ودقّقت بكل تصرّف أو حركة يقومون بها، من نبرة الصوت إلى إحساسهم، وحاولت اكتشاف مكمن مأساتهم وما الذي يوجعهم أكثر والتعرّف الى معاناتهم اليومية… كلّ هذا العمل الذي سبق عروض المسرحية ترك أثره داخلي، وبمساعدة مساعد المخرج بوب مكرزل، الذي يحيطني دائماً، تمكّنت من تجسيد الشخصية. وقد عملنا على تفاصيلها الدقيقة، وفي كلّ عرض يشهد أدائي إضافات وتغييرات للأفضل».

ندى التي تزيد من مسرحية إلى التالية جرعة التحدّي والجنون تتفوّق دائماً على نفسها وتعترف في هذا الخصوص أنها بدورها تعيش هاجس أن تضيف شيئاً جديداً إلى أدائها حيث تقول: «في كلّ عرض أشعر أنني لن أضيف شيئاً على ما سبق أن أدّيته وقدّمته، وحتى التفاصيل أرفض أن أظهرها نفسها في كلّ عرض، من الصوت إلى الشكل إلى «المشية» على خشبة المسرح… وهذا الأمر ليس سهلاً ويجعل الممثل يعاني من هذا الشعور، ولكن إن لم أشعر به لن أتقمّص الشخصية فعلاً ولن أنجح بإيصالها إلى الجمهور. نص «فيكتوريا العجيبة» يعتمد على البساطة رغم عمق الطرح، والأساس في العمل هو إحساسي وصدقي وقدرتي على الإقناع، وإن لم أؤدِّ الشخصية بصدق لن أوصلها، وهنا التحدّي الفعلي، الصدق في التمثيل، إنه معاناة فعلية فهذا وجعي الأكبر، ولكنه لذّتي أيضاً».

خاطرنا بالكثير

وعن الانتاج الكبير للمسرحية التي يشارك فيها عدد كبير من الممثلين منهم زينب عساف، بولين حداد، جويس أبو جودة، رامي عطالله، جوزف عازوري، محمد حجيج وبشارة عطالله في دور الراوي، تفصح ندى أنّ «إنتاج المسرحية فردي، قُمنا به أنا وجيرار على عاتقنا، وخاطرنا بالكثير، ولم نتّكل إلّا على محبة الجمهور لأعمالنا السابقة، وعلى توقعنا بأنّ العمل الحالي سيجذبهم بدوره، ولقد نجح رهاننا، وما زلنا نمدّد عروض المسرحية التي هي دائماً مكتملة العدد. وقد قدّم جيرار خلطة جاذبة للمشاهد تحمل موضوعاً عميقاً في آن، فتلقفها الجمهور بإيجابية».

وجدتُ نفسي

وعمّا إذا كان إبداع ندى على خشبة المسرح هو ردّ فعل على المحسوبيات التي تسود الدراما ومعايير الاختيار التي تبدّي الكفاءة، تقول: «اعتدنا على ذلك، كلّ شخص يجد نفسه في المكان الذي يُشبهه والذي يُبدع فيه، وأنا وجدت نفسي في المسرح وفي المسلسلات في آن. وأشارك حالياً في «Web series»، وهو الجزء الثالث لـ»بيروت واو»، لفادي ناصر الدين، وسيُعرض خلال شهر رمضان المقبل على تلفزيون «العربي».

الوضع في الدراما التلفزيونية يتطلّب وقتاً طويلاً كي يتغيّر. وفي المسلسلات التي تُعرض على الانترنت توجد حرية أكثر من خلال اختيار الموضوعات المطروحة أو من خلال الأداء والشكل، ولا داعي لزيارة «طبيب التجميل كل شهر ونصف» لتغيير شكلك بكامله كي تحصلي على دور، بل العكس تماماً، فكلما كان الممثل طبيعياً كلّما وجد أدواراً وأعمالاً تتطلب ذلك، وهنا أجد نفسي. كما أنني أشارك في فيلم سينمائي لبناني-ألماني سنبدأ بتصويره، في أواخر العام الحالي».