IMLebanon

عُذرًا أمي (بقلم هاني صافي)

عُذرًا، يا أغلى الناسِ على قلبي، فأنا، منذُ رحيلِكِ، لم أكتبْ لكِ في عيدِ الأمَّهاتِ.

أنا ما غَفَلْتُ عن ذلكَ عَمدًا ولا سَهوًا، وإنَّما هو القلَمُ الذي خانَني في صبِّ مشاعِري في قوالبِ الأبجديَّةِ، فبَقِيَتْ حَبيسةَ كَياني، تُحرِقُني على مرِّ الأَعيادِ.

أما اليومَ، فقد أَذابَتْ حرارةُ شوقي إليكِ حبرَ قلَمي، فتَهادى على الورقِ يَخُطُّ بِتُؤْدَةٍ غَصَّاتِ فؤادي، ويُخبِرُ عن حالي بعدَ الفُراقِ.

خمسُ سنواتٍ مرَّت، كأنها دهرٌ. أَثقلَتها أمراضٌ ولم تُخفِّفْ من وطأتِها الأفراحُ. لا المسؤولياتُ مَحَتْ حَرقَةَ غيابكِ ولا الإنجازاتُ، بل غصَّةٌ اعتَمَرَتِ القلبَ ونغَّصَتِ العيشَ بعيدًا من دفءِ حبِّكِ، يا أغلى الكائنات.

خمسُ سنواتٍ وصورةُ وجهِكِ تزدادُ إشراقًا في مُخيِّلَتي، وحنايا النفسِ تُرجِعُ صدى وَصاياكِ، وثنايا الروحِ تَستَلهِمُ أَفعالَـكِ وسَعيَـكِ الى السلامِ.

هربتُ من غُربَـتي عنكِ الى أقاصي الأرضِ وأعماقِ الكُتُبِ وانشغالاتِ العملِ، فاستَفحَلَتْ غُربَـتي، ولم يُطفِىءْ نارَ البُعدِ إلّا رجائي بلُقياكِ في حُضنِ الآبِ.

بالرجاءِ فتحتُ قناةَ اتصالٍ بين عالمَينا، وتغلَّبتُ على قوانينِ الطبيعةِ وعلى مَحدودِيَّةِ الجسدِ، وصِرتُ أكلِّمُكِ مُناجاةً وصلاةً، فسكَنْتُ فيكِ وأسكَنتُكِ فيَّ.

فعلى أملِ أنْ يَقوى رَجائي على شَوقي، أَستَودِعُكِ اللهَ يا أُمّي. أحبُّكِ.

قدّمها مدير كلية الإعلام والتوثيق – الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية الدكتور هاني صافي عبر إذاعة صوت لبنان 93.3 الأربعاء 21 آذار 2018