IMLebanon

“شهوة السلطة” وغيلان المال و”نزاهة” الإنتخابات

كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:

مَن يسمع «كمبيالات» الوعود التي يقطعها مرشحون في موسم الانتخابات النيابية الراهن، يدرك مدى حجم الكذب والتضليل الذي يمارسه هؤلاء على الرأي العام من ناخبين وغير ناخبين، بحيث أنهم يستغشمون الناس معتقدون انهم نيام، أو انهم قاصرون ولم يبلغوا سن الرشد، فيما الناس ليسوا عن هذا الكذب بغافلين، وباتوا يعرفون من أين تؤكل الكتف.

اللافت ان بعض هؤلاء النواب ـ المرشحين أدّوا «قسطهم النيابي» لثماني سنوات نصفها تمديد بغير وجه حق شرعياً وقانونياً وخلافاً لإرادة الناخبين الذين منحوهم وكالة تمثيلهم في المجلس النيابي لأربع سنوات فقط، ها هم يطلّون على ناخبيهم وكأنهم يترشحون الى الانتخابات للمرة الاولى منافسين مرشحين فشلوا في تأدية امانة التمثيل الشعبي التي يحملونها، معبرين عن طموحات الى التغيير، متناسين ان ما يعدون الناخبين به كانوا وعدوهم به عندما ترشحوا عام 2009 وفازوا بالمقاعد النيابية على اساسه، ولكنهم لم ينفذوا هذه الوعود في الولاية النيابية التي انتهت عام 2013 ولا في الولاية الممددة الراهنة التي تنتهي في 20 أيار المقبل، أي بعد ان تكون الانتخابات جرت في السادس من الشهر نفسه اذ لم يحصل ما يمكن ان يحول دون اجرائها.

والمضحك، على ما يقول متابعون لمجريات الاستحقاق النيابي، ان بعض المرشحين الذين لم يحظوا بالركوب في لائحة تساووا مع آخرين ترشحوا «من أجل الوجاهة» مدركين مسبقاً ان لا مقعد نيابياً لهم في زمن اللوائح المقفلة وفي عصر النظام الاتنتخابي النسبي الذي يطلقه قانون الانتخاب الجديد، فاذا بهذين الصنفين من المرشحين يخسرون مبلغ الثمانية ملايين ليرة الذي دفعه كل منهم لخزينة الدولة كرسم لترشيحه، بعدما كان في ظنهم ان في امكانهم استرداد هذه المبالغ في حالتي العودة عن الترشيح او الفشل بتيجة الانتخاب، وذلك على غرار ما كانت عليه الحال مع قانون الانتخاب السابق، فالمرشحين من اجل الوجاهة تفاجأوا وادركوا ان «الوجاهة مكلفة»، والكلفة هذه المرة 8 ملايين ليرة لا عودة لها الى جيوبهم ولن يحظوا بلقب «المرشح السابق»، ويضاف الى هذا المبلغ ما تكبدوه من نفقات على اعداد الصور والشعارات واليافطات والاحصاءات… وهلم جرّاً.

اما المبكي، فهو ان قانون الانتخاب يتعرض للخرق والمخالفة قبل ان تبدأ العمليات الانتخابية، حيث يكثر الكلام عن رشاوى مباشرة وغير مباشرة تدفع هنا وهناك، ويرفع من منسوبها «شهوة السلطة» لدى بعض غيلان المال الذين ترشحوا للنيابة ولم يسألهم احد «من أين لكم هذا»؟ في زمن وضع فيه قانون الاثراء غير المشروع، او قانون «من اين لك هذا؟» في الادراج وبات نسبيا منسيا. وهو كان تم اقراره ووضع قيد التنفيذ في عهد الرئيس إميل لحود.

ولذلك يندفع هؤلاء الراشون الى دفع الرشى الى بعض الجهات لكي ترشحهم على لوائحها، ثم يرشون اللائحة كلها تحت عنوان «تمويل الحملة الانتخابية» للائحة مع ما يستتبع ذلك من «موجبات» تصل الى ناخبين؟!..

غير ان الاخطر في كل ما يجري هو ذلك الخطاب الطائفي والمذهبي، بل والعنصري احيانا، الذي يحظره الدستور والقوانين المرعية الاجراء، حيب ينبري مرشحون، وبعضهم من النافذين في السلطة، للضرب على الوتر الطائفي الى درجة ترقى الى اثارة النعرات والفتنة بين اللبنانيين، مستحضرين بذلك ماضٍ بغيض عاشه اللبنانيون وتمكنوا من تجاوزه ولا يريدون العودة اليه، ذلك ان فشل البعض وعجزهم يتوسل الخطاب الطائفي لضمان الفوز بعدد كبير من المقاعد النيابية بما يؤهله للوصول الى مراتب عليا في السلطة الجديدة التي ستنبثق من الانتخابات، ذلك ان هذا البعض يدرك من الآن انه في حال فشله في الاستحقاق النيابي لن يكون له مكان تحت «شمس السلطة» من اعلى مراتبها الى ادناها، فمن من لا يمنحه الشعب وكالته لا يستحق ان يتبوأ مركزا يحكم فيه هذا الشعب.. ولذلك فان بعض المرشحين ولشدة هوسهم بالسلطة يكاد يبلغ بهم الامر حد تجاوز كل المحرمات والخطوط الحمر من اجل الوصول الى هذه السلطة حتى ولو كان الثمن تعريض الاستقرار العام والسلم الاهلي للخطر.

قليلة هي اللوائح، وقلة هم المرشحون، الذين يعتمدون الخطاب الوطني الجامع، اي خطاب الجمع بين اللبنانيين لا القسمة بينهم، فخارج بعض اللوائح والترشيحات الحزبية ينشط الخطاب الطائفي والتحريضي للوائح أخرى ومرشحين لا يعرفون طائفتهم، ولا حتى الدين الذي يعتنقون، الا في موسم الانتخابات فقط، فقبيل الانتخابات يتذكرون انهم من هذه الطائفة ويعتنقون هذا الدين او ذاك، ويأسرون الناس بتواضعهم الخادع والمخادع، وما ان يناولوا مأربهم حتى ينسون الطائفة والدين معاً ويعودون سيرتهم الاولى من استخدام السلطة لترويع او تطويع من يعارضهم، ويستخدمون الحصانة النيابية تأشيرة للدخول في صفقات لزيادة ثرواتهم والممتلكات.

واكثر من ذلك فإن كثيرين يصمون آذان اللبنانيين يومياً بشعارات الحرية والسيادة والاستقلال، ولكن هذه الشعارات تختفي في زمن الانتخابات وتصبح وجهة نظر، والأنكى ان بعض المرشحين المليئين مالياً يدّعون الفقر امامم الرأي العام فيما القاصي والداني يعرف ان لديهم من المال ما يستطيع أن يمول حملات انتخابات رئاسية في اوروبا او الولايات المتحدة الاميركية، ولكن تراهم يتوسلون الآخرين، من جهات وربما من دول، لتمويل انتخاباتهم، وقبل ذلك جيوبهم، فكأن المقعد النيابي الذي سيفوزون فيه هو ملك الممولين والدور المطلوب منه هو ملك الممولين ولمصلحتهم فقط، وليس لمصلحة المواطنين الذين يمنحونهم وكالة التمثيل في الندوة النيابية.