IMLebanon

لبنان “قلبه” على الانتخابات و”عيْنه” على الضربة الأميركية

كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:

رغم «المساكنة» الإقليمية الصامدة في لبنان خلف مبادلةِ «التسوية بالاستقرار»، فإن الحرب الناعمة على بلادٍ تحوطها إسرائيل وسورية والمتوسط ويحوّلها «حزب الله» قاعدةً لترسانته من أسلحة وايديولوجيا، تجعل من لبنان «ساحةً» توازي في الجيو – سياسي ما يجري في سورية التي جاء إليها العالم بأسره لحجْز موطئ قدم، وفي العراق الذي لم تغادره الحروب وشياطينها منذ عقد ونصف عقد من الزمن، وفي اليمن التعيس وبحره الأحمر كالدمِ المسفوك، وفي ليبيا جماهيرية القبائل والجماجم والنفط.

فلبنان، المحروس بمساكنةٍ مصابةٍ بالتململ، يمضي إلى صناديق اقتراعٍ «ملغومةٍ» في السادس من مايو، فَخَّخَها قانونُ انتخابٍ أُعدّ عن سابق تصوّر وتصميم كجزءٍ من «حرب خفيّة» لتعديل التوازنات في برلمانٍ سيشكّل أول الغيث في «خلخلة» نظام التسوية التاريخية التي كانت أنهت الحرب عبر «اتفاق الطائف»، ولإرساء أنماط جديدة من الحكم قائمة على وهج فائض القوة وشرْعنته للثلث المعطل أو «الفيتو» في إدارة البلاد والاستحقاقات المفصلية فيها.

وبهذا المعنى، فإن المساكنة الإقليمية في لبنان التي صار معها الصراع فيه وعليه أشبه بحربٍ مكتومة الصوت وعلى البارد حتى إشعار آخر، تجعل من الانتخابات النيابية منازلةً بالسلاح الأبيض شبيهة بمعارك أخرى أشدّ إيلاماً في المنطقة، كما هو الحال في سورية والعراق واليمن وسواها من ساحاتٍ مشتعلة بصراعٍ بين الجبابرة الدوليين ومعهم الدول الإقليمية وما تَيسّر من ميليشيات عابرة للحدود، في أدهى حربِ نفوذٍ يشهدها الإقليم منذ نحو قرن من الزمن، ويختلط فيها التوسعي بالإيديولوجي والنفطي بالنووي والأحلام بالدم.

ورغم التأكيدات اليومية وليل نهار بأن الانتخابات النيابية في لبنان ستجري في موعدها بعدما كرّت سبحة الترشيحات واللوائح واستنفرت الماكينات ونزلت إلى الميدان، وضرب طوفان الصور والشعارات الشوارع والمباني، فإن «نقزةً» تساور الجميع من مفاجآتٍ ربما تكون غير مفاجئة، من شأنها الإطاحة بالاستحقاق في الخمس دقائق الأخيرة. فالمنطقة برمّتها تترنّح فوق كفّ المجهول وسط مخاوف من أن تؤدي سياسات الهروب الى الأمام، إلى السقوط في مواجهةٍ كبرى في المنطقة.

فالربيع أطلّ ساخناً وسط تقديرات بإمكان تحوله لاهباً على وقع قرْقعة طبول مواجهات كبرى على أرض سورية قد تمتدّ إلى لبنان. والصحف الغربية تضجّ يومياً بتقارير عن سيناريوات ضربة أميركية، والحقائب الديبلوماسية تطلق العنان في «حبرها السري» لمغزى بعض التحرّكات بين العواصم وعلى ضفاف الجبهات وفي حركة الخرائط، وكأن المنطقة على الفوهة، تترنّح بين عصا دونالد ترامب وتغريداته وسطوة فلاديمير بوتين وفوزه المرموق.

وثمة تحذيرات جدية من أن الضربة الأميركية لمعاقل الوجود الإيراني في سورية ليست مجرد تهويل، فالتغييرات التي أجراها ترامب أو تلك التي يعتزم القيام بها في فريق عمله، توحي بأن قرار التصدي لإيران اتُخذ على جبهتيْ سورية والاتفاق النووي، وأن خصوم الأميركيين يتعاطون بجدية مع الجنوح الاميركي نحو سياساتٍ أكثر تشدداً حيال طهران.

وتذهب بعض التقارير إلى أن روسيا التي توعّدتْ بالردّ على أي ضربة أميركية في محاولةٍ لإظهار عناد بوتين إبان معركته الرئاسية، صارتْ أكثر ديبلوماسية في التعاطي مع التهديد الأميركي، وهي أوعزتْ للرئيس السوري بشار الأسد وقياداته بضرورة أخذ الحيطة والحذر، وسط تقديرات بأن موسكو ستكون مضطرة لتفادي أي مواجهة مع الأميركيين إذا قررت واشنطن تسديد ضربة للوجود الإيراني في سورية.

وإذ ربطت تلك التقديرات بين النصائح التي أَسْدَتْها موسكو للأسد وحلفائه وبين سحب «حزب الله» بعض قواته من سورية إلى جنوب لبنان تحسباً لأي مغامرات إسرائيلية، فإن دوائر مراقبة أبدتْ اهتماماً بالتقارير التي تحدّثت عن توجّه وحدات من «حزب الله» إلى جبهة درعا، أي إلى خط التماس مع اسرائيل والأردن، وهي الجبهة التي قد تستعجل مواجهةً متعددة الجهة.

وفي غمرة هذه التوقعات القاتمة، ينخرط لبنان من رأسه حتى أخمص قدميه في معركة انتخابية، ظاهرها سباقٌ بين قوى متنافرة على مقاعد البرلمان الـ128، ومن شأن نتائجه رسْم معادلة سياسية جديدة، يتحسب لها «حزب الله»، لكنها تنطوي على مفارقاتٍ قد لا تصبّ في مصلحته.

يستكمل لبنان استعداداته لرزمة استحقاقات تزدحم بها روزنامة أبريل المقبل، من القمة العربية في الرياض، الى مؤتمريْ دعمه في باريس ثم بروكسيل بعدما انعقد في 15 الجاري مؤتمر روما (لدعم الجيش والقوى الأمنية).

وحضرتْ مجمل العناوين على طاولة مجلس الوزراء الذي التأم أمس برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي أكد انه سيشارك بقمة الرياض في 15 نيسان على رأس وفد يضمّ أيضاً رئيس الحكومة سعد الحريري، وسط تَرقُّب إذا كانت هذه المحطة ستشهد لقاءاتٍ من ضمن مناخ الصفحة الجديدة في علاقة المملكة ولبنان بعد التوتر الذي سَبَقَ ورافَقَ وأَعْقَبَ أزمة استقالة الحريري والذي شكّل «حزب الله» وأدواره في الداخل وساحات المنطقة وخصوصاً اليمن خلفية رئيسية فيه، وتحديداً إذا كانت ستحصل اجتماعات بين عون وقيادة المملكة التي كان الرئيس اللبناني زارها بأول إطلالة خارجية له بعد انتخابه رئيساً.

وفيما أكد عون أمام الوزراء أمس ان مؤتمر «سيدر» (في 6 نيسان) سيكون فرصة لتأكيد الدعم الدولي للبنان، عرض الحريري نتائج مؤتمر «روما – 2»، لافتاً الى ان فرنسا «قدمت مبلغاً ائتمانياً بقيمة 400 مليون»، وكاشفاً «اننا تبلغنا من الجانب الأميركي ان الكونغرس رفع الفيتو عن بعض الأسلحة التي كان طلبها لبنان، وستقدّم معدات بمثابة هبة بقيمة 110 ملايين دولار». كما تطرق الى مؤتمر «سيدر» الذي ناقشت الحكومة ورقة لبنان إليه.