IMLebanon

الانتخابات… غياب الهوية السياسية وهيمنة متوقعة لـ”حزب الله”! (تحقيق رولان خاطر)

(تحقيق رولان خاطر)

تعيش القوى السياسية في لبنان سكيزوفرينيا حادة على ضوء ما أنتجه قانون الانتخاب من تحالفات متناقضة جمعت ما لم تستطع أي قوة جمعه. فـ”التيار الوطني الحر” وصل به الأمر إلى التحالف مع “الجماعة الاسلامية” وهو الذي عيّر سمير جعجع عندما قال “فليحكم الأخوان”. “تيار المستقبل” جمع بأحضانه رموز الاحتلال السوري في الشمال، وحتى خطابه بات كـ”الحرباية”، في بيروت تتلون بلون المواجهة مع “حزب الله”، فيما في عكار وغيرها يتبدّل اللون، وهو ما دفع اللواء اشرف ريفي إلى الطلب من سعد الحريري إلى ترجمة مواقفه إلى أفعال وان يخرج أزلام النظام السوري من لوائحه. رئيس القوات فتح لوائحه للمستقلين، “حزب الله” فتح صدره لركن سوري مستفز ومكروه وهو جميل السيّد، علما أنه وحركة امل لم ينسجا تحالفات بعيدة عن مبادئهما.

نائب رئيس التحرير في صحيفة “النهار” نبيل بو منصف أكد لـIMLebanon أن القانون الانتخابي الجديد هو أسوأ قانون في تاريخ القوانين الانتخابية في لبنان. وهذا القانون ينتج اليوم ظاهرة غريبة، وهي تحالفات مضادة وغير صحية، ونتائج الانتخابات باتت معروفة سلفا في العديد من الدوائر، حيث يبقى نسبة ضئيلة قد لا تتخطى الـ20% غير معروفة.

القانون النسبي هو معتمد في أكثرية دول العالم لكن بطريقة مدروسة أكثر، يقول بو منصف، فيما في لبنان اعتُمد القانون بأسوأ مظاهره، حيث يشكل الصوت التفضيلي ذروة الطائفية، وبالتالي هو ينتج تحالفات هجينة تفتقد المعايير السياسية في التحالفات.

واضاف: “من العام 2005 حتى العام 2009 كان المشروع السياسي واضحا بين 8 و14 آذار، صراع سياسي على مسائل وعناوين كبيرة ومفصلية، اما اليوم السؤال المطروح على اي اساس تخاض الانتخابات؟  فهي تخاض بحسب المعيار الشخصي او الحزبي او الطائفي وليس بحسب المعيار السياسي ابدا، وبالتالي نحن امام انتخابات لا هوية سياسية لها، تنتج تحالفات هجينة لا تؤسس لاي مشروع عميق في المستقبل، بل نرى الحليفين يختلفان في اماكن معينة ويتفقان في اخرى، على أسس مصلحية، بانتظار 7 أيار لكيفية تقسيم السلطة وتشكيل الحكومة.

الصحافي علي الأمين قال لـIMLebanon ان من قام بطبخ قانون الانتخاب وضع الحصص بشكل تتناسب مع التوازن السياسي القائم في السلطة، وهي تلبي مصالح افرقاء السلطة والمشاركين في صناعة القانون. وما يؤكد مسار المحاصصة في القانون هو غياب العنوان السياسي للمعركة الانتخابية.

فالقانون الجديد يمنع المعارك ذات البعد السياسي، ويكبح عملية خوض المعارك وفق عناوين سياسية وهو امر قاله السيد حسن نصرالله: “ان المعركة ستكون تحت سقف السياسة”. وهو ما يشير إلى ان الاختلاف الانتخابي او الاتفاق في أماكن معينة لن يكون له تبعات سياسية سلبية.

واعتبر ان الأسوأ ما في الانتخابات اليوم ان القضايا الاساسية التي تهم البلد غائبة عن خطاب الأفرقاء السياسيين وبالتالي التحالف او عدم التحالف ليس معيارا بين اقطاب السلطة للبناء عليه في المعنى السياسي وهذا امر كان مدروسا.

في المقابل، وفّر قانون الانتخاب النسبي القدرة لحزب الله على اختراق البيئات المعارضة له، بأكثر مما تتيح لخصمه هذه القدرة، لأنه بحسب الأمين، لا يمكن التنافس انتخابياً وبشكل ديموقراطي مع جهة مسلحة، فهو ألغي المساواة مع الجميع، ويعمل على تحقيق اختراق من خلال سطوته الأمنية والعسكرية والتي تعطيه قدرة على النفاد الى الطوائف الأخرى أكثر من الآخرين.

هذا الواقع قد يعكس معادلة مختلفة في المشهد السياسي العام انطلاقا من تكوين كتلة برلمانية واسعة في مجلس النواب يكون “حزب الله” مسيّرها. من هنا، اعتبر بو منصف أنه في 7 ايار المعادلة قد تكون انقلابية على الوضع القائم حاليا من خلال نقطة جوهرية تتمثل بان تكون الاكثرية لقوى 8 آذار سابقا، لكن من سيحدد هذه النقطة هو رئيس الجمهورية، الذي إما سيكون وتكتله مع 8 آذار أو سيفرض نفسه معادلة مستقلة ويؤمّن توازناً بين الافرقاء اللبنانيين في مجلس الـ2018، مشيراً إلى أنه في المبدأ فإن هذه الانتخابات ستؤدي الى تعميق الخلل السياسي في البلد لمصلحة فريق 8 آذار.

وعن ايجابية القانون على القوى المسيحية، أجاب بو منصف: “ان انهيار فريق 14 آذار ادى الى ضعف القوى المسيحية والى تراجع في ميزان القوى. “القوات اللبنانية” تراهن على القانون الجديد من باب الحصول على كتلة كبيرة تستطيع من خلالها ان تدافع عن القيم والمبادئ التي تؤمن بها، وتبقى حاملة راية 14 آذار لأنها اقل فريق تورط في تحالفات غير طبيعية، وهي اكثر من يحافظ على مبدئيتها في التحالفات وحزب الكتائب أيضا. لكن القوات، بحسب بو منصف، لا يمكن لوحدها أن تكون قوتها كقوة 14 آذار مجتمعة، خصوصاً ان “تيار المستقبل” متحالف بكل جوارحه مع “التيار الوطني الحر”.

وفيما يجري الحديث عن عدم وجود تغيير فعلي وملموس ستنتجه العملية الانتخابية، برز حديث عن أن أي تبدّل في المشهد السياسي داخل لبنان مرتبط بالتطورات المتسارعة في سوريا، وفي هذا السياق، اعتبر الأمين أن هناك ادراكا دولياً لتطورات المنطقة، والمجتمع الدولي لا يريد الاستثمار سياسيا في لبنان طالما بقي الوضع في سوريا على حاله، ولو انه متمسك بالاستقرار في لبنان. بانتظار تطور ما في الملف السوري يحسم الموضوع لصالح هذه الجهة أو تلك، فاذا رست الأمور مثلا لصالح التحالف الروسي الايراني حكما فإن الواقع السوري الجغرافي والسياسي سيعطي قوة القبض على لبنان، أما في حال فشل هذا المحور فهذا سينعكس ايجابا على لبنان ولن يستطيع حزب الله او إيران السيطرة على لبنان.

فالتحولات في سوريا خلال السنتين الماضيتين انعكست على لبنان بشكل واضح، فعندما مالت المعادلة أكثر لصالح النظام السوري انعكس ذلك بشكل مباشر على الخطاب السياسي للمعارضة في لبنان. من هنا، فإن الوضع في لبنان يرتبط إلى حد كبير بما يجري في سوريا، فيما للأسف فإن لبنان لا يستطيع أن يقرر في سوريا.

ومع وجود تشاؤم عميق لدى اللبنانيين من المرحلة المقبلة ومن غياب الدولة وضرب هيبتها من قبل “حزب الله” وحلفائه، تبقى بارقة أمل بالنسبة لبعض اللبنانيين، الذين يعتبرون أن العملية الانتخابية في لبنان سيكون لها نتائج سياسية على الارض وسوف تعطي مؤشرات لما هو عليه الرأي العام اللبناني، وسوف تخرج لبنان من الركود والجمود وسيكون لها تأثير على الواقع الاجتماعي والسياسي ولو لم يكن حاسماً. وهناك رهان كبير على الهامش الديموقراطي الذي سيوجه المواطن اللبناني من خلاله اسلحته تجاه السلطة وان ينتج شيئا غير متوقع.