IMLebanon

“حملة مضادة” تَدارُكاً لاستخدام “الإفلاس” بالتجاذب الانتخابي

بدا لبنان المسكون بصراخٍ سياسي – انتخابي مع العدّ العكسي لاستحقاق 6 أيار المقبل، وكأنه قاربٌ بحمولةٍ زائدة يحاول الإبحار في مدارٍ إقليمي لاهب.

فمع كلامٍ متقابل وغير مسبوق عن خطر السقوط في الإفلاس المالي وعدمه، تصطدم محاولات «النجدة» الدولية للواقع الصعب في لبنان عبر مؤتمرات الدعم، لا سيما «سيدر – 1» في باريس في 6 نيسان المقبل، بالتمادي الإيراني في جعْل لبنان منصة لمشروعٍ إقليمي باهظ الأثمان.

فبينما كان لبنان يكمل استعداداته لمؤتمر «سيدر 1» عبر إقرار البرلمان «موازنة العجلة» لسنة 2018 متضمنّةً ما تيسّر من إصلاحاتٍ لطمأنة الدول المانحة التي ستمدّ له يد الدعم تحت سقف حفظ استقراره، فوجئ بوضْعه في «عين» المواجهة التي تتزايد مؤشراتها بين كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وبين إيران، وهو ما عبّر عنه إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن أن تهريب الصواريخ البالستية الى الحوثيين «بدأ من الضاحية الجنوبية في بيروت»، معقل «حزب الله».

وفي حين بدا من السابق لأوانه تحديد تداعيات «مضبطة الاتهام» المتجددة لـ «حزب الله» والتي أضيف إليها ربْط الضاحية الجنوبية بـ «حرب الصواريخ» على السعودية، ترى أوساط سياسية ان الرياض في مقاربتها الجديدة للواقع اللبناني ماضية في مسار الفصْل بين موقفها من الحزب و«معركتها» معه بوصْفه ذراعاً إيرانية وبين قرار عدم التخلي عن لبنان لمصلحة طهران ودعم حلفائها في خيار «المواجهة الناعمة» مع «حزب الله» بما يحافظ على استقرار البلد ويجنّبه الانكشاف على «العصْف» في المنطقة.

وإذا كانت مؤتمرات الدعم للبنان التي تشارك فيها السعودية ودول الخليج، إلى جانب درس الرياض إمكان درس لرفع التحذير لرعاياها من زيارة لبنان، تعكس هذا المنحى السعودي في التعاطي مع الوضع اللبناني، فإن مؤتمر «سيدر 1» لم ينجُ من مناخات الاستقطاب التي فرضها بدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية ولا استشعار «حزب الله» بأن الاحتضان الدولي للبنان يتربط بالتزاماتٍ مطلوبة من بيروت تتّصل بتطبيق سياسة «النأي بالنفس» عملياً ووضْع سلاح «حزب الله» على الطاولة تحت عنوان بحث «الاستراتيجية الوطنية للدفاع».

وفي هذا السياق يمكن تفسير «سرّ» قفْز التحذيرات من «إفلاس» لبنان الى الواجهة، عبر تصريحاتٍ بعضها اعتُبر في إطار قرْع «جرس الإنذار» من الاستمرار في المسار المالي الراهن واستطراداً تأكيد الحاجة الى إصلاحاتٍ والى دعم دولي عبر المؤتمرات، مثل كلام رئيس الحكومة سعد الحريري بعيد إنجاز مشروع الموازنة في الحكومة عن «أننا تجاوزنا عبر الإصلاحات نموذج اليونان وما هو أسوأ»، ثم ما نقله البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن الرئيس اللبناني العماد ميشال عون من ان البلد «مفلس».

أما دخول الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على خط التحذير من أن «خدمة الدين قد تؤدي إلى إفلاس الدولة وانهيارها بعدما عجز الأميركيون عن مواجهتنا بالقوة»، فحملتْ إشاراتٍ الى قرار كبير من الحزب بالانخراط بعد الانتخابات في «ملفات الدولة» وتحديداً الاقتصادية – المالية وتالياً الاستدارة نحو الداخل في سياق محاولة «الإطباق» أكثر على الواقع اللبناني ومفاصله، علماً ان نصرالله وجّه رسالة مبكرة برسم «سيدر 1» بأن الحزب سيلاحق نتائجه «مشروعاً مشروعاً» في الحكومة الجديدة والبرلمان.

وفي غمرة هذه الحسابات المتضاربة، وجد لبنان الرسمي نفسه مضطراً الى احتواء المفاعيل السلبية للكلام «غير المحسوب» عن إفلاس محتمل، وهو العنوان الذي طغى على اليوم الثاني من مداولات إقرار موازنة 2018 وسلّة قوانين أخرى في «جلسة وداع» لبرلمان 2009، في موازاة محاولة احتواء «أضرار» التراشق بالاتهامات بالفساد عشية التوجه الى مؤتمر سيدر 1.

وفي هذا السياق، برز تأكيد الحريري رداً على مداخلات بعض حاجة البلد لإصلاحات «مؤلمة»، معلناً «نريد محاربة الفساد وكل فاسد نريده ان يدخل السجن حتى لو كان من تيار المستقبل»، ومضيفاً: «جرى حديث اننا دولة مفلسة، نحن لسنا دولة مفلسة، الدولة (…) نحن تفاهمنا مع البنك الدولي إذا اعتمدنا سياسة انفاق مخفضة يمكن حلّ مشكلتنا. ولم يقصد رئيس الجمهورية اننا دولة مفلسة، بل قصد خفض النفقات».

وعلى الموجة نفسها، أطلّ وزير المال علي حسن خليل في الجلسة نفسها معترفاً بأن «خدمة الدين العام أكبر من حجم الانتاج اللبناني، ولكننا لسنا دولة مفلسة، فنحن دولة ملتزمة ولم تتأخر يوماً في دفع ما يتوجب عليها، وعلينا العمل لرفع الاقتصاد ليتمكن من تغطية النفقات».

ومن خارج جدران البرلمان، كان عون يؤكد انه متفائل بما ستؤول اليه الاوضاع في لبنان، موضحاً انه اطلق التحذير بأن لبنان يسير على طريق الافلاس «في حال أكملنا في النهج المتبع وذلك ليتحمل الجميع مسؤوليته».

أما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فكرر «ان لبنان في وضع مالي سليم»، رافضا أي كلام عن إفلاس البلاد، ومشدداً على أنه لا يفكر في خفض قيمة الليرة اللبنانية المربوط سعر صرفها بالدولار «لأننا نرى أن ذلك سيقوض الثقة والاقتصاد وسيرفع سعر الفائدة أكثر بكثير».