كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: رغم عطلة عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، لم «تسترح» السياسة في لبنان الذي دَخَلَ عملياً الشهر الأخير الفاصل عن الانتخابات النيابية المُقرَّرة في 6 ايار المقبل والتي باتت تتحكّم بمختلف مَفاصل المشهد الداخلي وملفاته التي لم تعد تُقاس إلا وفق حسابات صناديق الاقتراع.
وإذ شارَكَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واللبنانية الأولى السيدة ناديا في رتبة سجدة الصليب التي أقيمت في جامعة «الكسليك» بحضور حشدٍ سياسي على ان يَحْضر الاثنين قدّاس الفصح في مقرّ البطريركية المارونية والذي غالباً ما يشكّل مناسبة لكلام سياسي يُطْلِقُه رأس الدولة على هامشه، بدت بيروت عيْناً على اللمسات الأخيرة على تحضيراتها للمشاركة في مؤتمر «سيدر 1» الذي تستضيفه باريس الخميس المقبل والمخصّص لتمويلِ برنامجٍ استثماري وضعتْه الحكومة اللبنانية، وعيناً أخرى على استكمال مسار «التحفيز» الانتخابي الذي يتّخذ شكل مهرجاناتٍ لإعلان اللوائح و«إعلاء الصوت» قبل 36 يوماً من استحقاق 6 مايو.
وعلى مرمى أيام قليلة من «سيدر 1»، ورغم ما رافق مَشهد إقرار موازنة 2018 في البرلمان من «استعراضاتٍ» كلامية استحضرتْ ملفات فساد واتهامات بالهدر وصولاً الى الإمعان في «سوء تقدير» المناخ الذي «افتُعل» حول وقوف البلاد على «حافة الإفلاس»، فإنّ إنجازها ومعها سلّة من القوانين الملحّة ذات الصلة بالمؤتمر قوبل بارتياحٍ خارجي أزاح الأنظار عن بعض ما تضمّنتْه «موازنة العجلة» من بنود وبينها ما يشبه «العفو المالي» عن غرامات ومتأخرات ضريبية تُفوِّت على الخزينة عشرات الملايين من الدولارات.
وكان بارزاً أن السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه سارَعَ الى توجيه تحية الى «عمل مجلس النواب» والتزام رئيسه اللذين سمحا بإقرار الموازنة في غضون فترة زمنية محدودة، آملاً في ان يجمع مؤتمر CEDRE «أكبر عدد من الفرقاء».
وفيما كانت دوائر سياسية تتوقّف عند مسارعة عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ومعهما وزير المال علي حسن خليل الى تبديد الانطباعات التي ولّدها الكلام التصاعُدي عن «النجاة من الإفلاس» او عن «البلد المفلس» نظراً الى تأثيراته السلبية على لبنان الطامح لاجتذاب استثمارات على شكل قروض ميسرة من الدول المانحة، مضى حاكم مصرف لبنان ولليوم الثالث على التوالي في تبديد الشكوك التي سادت حيال الواقع المالي معلناً ان الكلام عن إفلاس البلد غالباً ما يكون بخلفيات سياسية «فالبلد مرتاح نقدياً، ولا تشهد السوق أي طلب لتحويل الليرة الى الدولار، فيما تجديد آجال الودائع بالليرة ارتفع من معدل 40 يوماً الى 120 يوماً، ما يعني ان السوق تمنح الثقة لملاءة الدولة ولليرة اللبنانية».
وإذ قال ان الودائع المصرفية ترتفع «ولا استحقاقاً غير مؤمنة أمواله، بل خلاف ذلك، لدينا فائض سواء بالعملات الأجنبية او بالليرة»، اضف: «هناك ايضاً دعم واضح من المجتمع الدولي للبنان والذي يظهر عبر مؤتمر «سيدر». أي ان تلك الدول لن تضع كل ذلك الدعم والبلد سيفلس غداً».
وفي موازاة ذلك، كان المشهد الانتخابي مشدوداً الى منطقتيْن:
* الأولى بعلبك – الهرمل التي تستعدّ لمعركة «سياسية» بامتياز، هي الوحيدة على خريطة المواجهات الانتخابية التي تخاض وفق خط انقسام عمودي يتمتْرس خلف الخيارات الكبرى لفريقيْ 8 آذار و 14 آذار، وستدور بين لائحة «حزب الله» ولائحة مدعومة من «تيار المستقبل» (الحريري) وحزب «القوات اللبنانية» وفاعليات من المنطقة الساعين الى خرْق بمقعدٍ شيعي رُفع الى مرتبة انه يوازي «الـ 127 مقعداً». وهذا الأمر قابله «حزب الله» وبلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله باستنهاضٍ تصاعُدي لقواعده، التي يسود صفوفها تململٌ من إهمال منطقتهم إنمائياً كما من بعض الخيارات الانتخابية، بلغ حدّ تلميحه لإمكان ان يزور بعلبك – الهرمل بيتاً بيتاً، راسماً للمنازلة فيها أبعاداً استراتيجية ومتّهماً سفارات غربية وعربية، ولا سيما السعودية، بالوقوف وراء خصومه فيها.
ومن هنا، خطفتْ الأضواء أمس الزيارة التي قام بها رئيس البعثة الديبلوماسية السعودية في لبنان الوزير المفوض وليد البخاري والسفير الاماراتي حمد الشامسي معاً لبعلبك، معقل «حزب الله»، حيث أديا صلاة الجمعة في الجامع الأموي الكبير، تلبية لدعوة مفتي بعلبك الهرمل الشيخ خالد الصلح الذي دان «الصواريخ التي تطال بلاد الحرمين الشريفين»، وحيا «جهود مملكة الخير ودولة الامارات».
وكان بارزاً ايضاً انه بعد الصلاة، التقى البخاري والشامسي بالصلح وبعض مشايخ المدينة، في حضور مرشح «تيار المستقبل» في بعلبك الهرمل حسين صلح، قبل ان ينتقل الضيفان والمفتي الصلح الى زيارة مسجد الملك فيصل آل سعود ولقاء إمامه.
* والمنطقة الثانية البقاع الغربي – راشيا حيث يعلن الحريري شخصياً منها اليوم لائحة «المستقبل» التي تشكّلت بتحالف أساسي مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» (النائب وليد جنبلاط)، مقابل لائحة غير مكتملة مدعومة من «حزب الله» والرئيس نبيه بري وتحالف الأحزاب الموالية للنظام السوري.
وعشية إعلان الحريري اللائحة، خيّمت أجواء الامتعاض التي لم يُخْفِها جنبلاط بإزاء «انقلاب اللحظة الأخيرة» الذي أصرّ عليه رئيس الحكومة وفرَضَ بموجبه التخلي عن خيار جنبلاط للمقعد الأرثوذكسي في البقاع الغربي الذي كان يريده للنائب أنطوان سعد وذلك لمصلحة مرشّح «المستقبل» غسان سكاف.
وبدا جنبلاط مستاء من طريقة التعاطي معه، حتى انه عبّر في تصريحات صحافية عن «الخوف» على مقعد النائب وائل ابو فاعور في راشيا، وواضعاً ما حصل (في الشوف – عاليه والبقاع الغربي – راشيا) في سياق محاولة من «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» (حزب عون) «لفرض حصارٍ عليّ، ربّما لحسابات تتّصل بمرحلة ما بعد الانتخابات»، ومتحدّثاً عن «استهداف ايضاً للرئيس بري»، ومهاجماً رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل «الحاكم بأمره، وهو الآمر الناهي اليوم والذي يملك مشروع الوصول الى رئاسة الجمهورية، والحريري لا يردّ له طلباً. ما بيطلع من جبران».