IMLebanon

احتضان خليجي متجدّد للبنان في مؤتمر باريس

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: في بيروت لا صوت يعلو فوق صوت «خبْطات أقدام» صناديق الاقتراع التي تُفتح بعد 29 يوماً لإتمام انتخاباتٍ نيابية سِمَتُها الأبرز «تحالفاتٌ عبثية» حكمتْها اعتباراتٌ «مصْلحية»… وفي باريس «وعودٌ بالمليارات» من دول ومنظمات وفّرت تمويل المرحلة الأولى من خطةِ الحكومة اللبنانية للتنمية وتطوير البنى التحتية، على ان يخْضع تسييل هذه الالتزامات الى رقابةٍ لصيقة تضمن «عدم عبث» بيروت مع المجتمع الدولي بإزاء الإصلاحاتٍ البنيوية والهيكلية التي تعهّدت بها، كما الى معاينةٍ للمسار السياسي الذي سيسلكه لبنان ومدى «مطابقته» مع «السقف الواحد» الذي تتفيأه «ثلاثية» مؤتمرات الدعم الدولية، ابتداءً من روماً (15 مارس الماضي) مروراً بـ «سيدر 1» أمس وصولاً الى بروكسيل في 25 الجاري.

ورغم الجانب التقني الذي طغا على البيان الختامي لـ «سيدر 1» الذي انعقد أمس في باريس بمشاركة 41 دولة و10 منظمات دولية وحضَر جلسته الختامية الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي خلص الى نجاح باهر فاجأ التوقعات بحصول لبنان على تعهدات بنحو 10.784 مليار دولار (بين قروض ميسّرة وهبات وضمانات دولية رسمية، وقروض بسعر السوق الدولية)، فإنّ أبعاداً سياسية بارزة أطلتْ برأسها من خلف القرار الدولي المتجدد بـ «تصفيح» مظلة الحماية لاستقرار «بلاد الأرز» ومنْع انزلاقها لتتحوّل «قنبلة موقوتة» (مالية – اقتصادية)، هي التي تسجّل ثالث أعلى معدل في العالم (بعد اليابان واليونان) لجهة حجم الدين العام (تجاوز 80 مليار دولار) الى الناتج المحلي (150 بالمئة) واحتلّت المرتبة 143 بين 180 بلداً في ي مؤشر مدركات الفساد للعام 2017 وتصارع للبقاء بمنأى عن «العواصف» التي تحوط به من كل حدب وصوب.

وبدا جانب من هذه الأبعاد السياسية متصلاً بما بعد الانتخابات النيابية وهي المرحلة التي ستشهد بدء ترجمة المسار المتوازي القائم على «الرقابة والصرف» (للقروض والهبات)، وبعضها الآخر بـ «الخيط» الذي يربط حلقات سبحة مؤتمرات الدعم والذي يقوم على «تعزيز مناعة» لبنان على مختلف المستويات الأمنية والعسكرية والمالية والاقتصادية والتنموية من ضمن «إطارٍ مرجعيّ» بالنسبة الى المجتمع الدولي يرتكز على ضرورة تطبيق سياسة النأي بالنفس واستئناف بحث سلاح «حزب الله» ضمن مناقشات الاستراتيجية الوطنية للدفاع كمدخلٍ لحصْر السلاح بيد الدولة فقط.

وقد أطلّ وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان في جلسة افتتاح المؤتمر على هذا الأمر بكلامه عما خلصتْ اليه مجموعة الدعم الدولية للبنان بعد اجتماعها في باريس في ديسمبر الماضي من تذكيرِ «كل القوى اللبنانية بالتزامها النأي بالنفس عن الأزمات، وعدم التدخل في الصراعات الإقليمية»، وتجديد المجموعة «التزام مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها، تطبيقا للقرار 1701»، قبل ان يؤكد أنه «في العلاقات الدولية، ليست هناك صداقات، بل براهين على هذه الصداقات. ولهذا، نحن في اطار ما ذكرته قد تحركنا بشكل جماعي لدعم لبنان ومؤسساته»، موضحاً «ان مؤتمر روما خصص لدعم القوات المسلحة اللبنانية وقوى الامن الداخلي لان مؤسسات الدولة وخاصة المولجة بالامن تشكل العمود الفقري لوحدة واستقلال البلد (…)».

وبعده أطلق رئيس الحكومة سعد الحريري الذي ترأس وفد لبنان الى المؤتمر (اقتصر الحضور الوزاري فيه على فرنسا ولبنان وهولندا) إشارات ذات دلالات في الاتجاه نفسه اذ ذكّر بأنه «قبل 18 شهراً، انتخبنا الرئيس ميشال عون كرئيس للجمهورية وشكلنا حكومة وفاق وطني بهدف استعادة ثقة مواطنينا والقطاع الخاص والمجتمع الدولي في بلدنا واقتصادنا ومؤسساتنا»، موضحاً «ان تشكيل حكومتي والجهود المحلية المبذولة أدت الى استقرار البلد، وأعادت عمل المؤسسات وحافظت على الأمن. وما يعزز هذا الأمر هو الالتزام الذي قطعتْه جميع مكونات الحكومة في ديسمبر الماضي باحترام سياسة النأي بالنفس. وقد ظهر بوضوح دعم المجتمع الدولي خلال اجتماعي مجموعة الدعم الدولية ومؤتمر روما 2. انه يدل على الأهمية التي يوليها أصدقاء لبنان لاستقراره وأمنه».

وفي كلمة له في الجلسة الثانية من المؤتمر، عَكَس رئيس الحكومة «تَشابُك» «سيدر 1» مع الانتخابات النيابية بتشديده على أن «الانتخابات النيابية ستأتي بنتائج نأمل بعدها بالإستمرار في العمل، وسنعمل على مع الجميع من أجل أن نضمن ونتأكد من أنه ستتمّ المصادقة على كل الاتفاقات، وبعد هذا المؤتمر سيكون هناك مجموعة من أجل التأكد ومراقبة تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه»، وهي الإشارة التي بدتْ برسْم ما بعد 6 مايو اللبناني الذي يُتوقّع ان يشهد بدء مهمة لجنة المتابعة الدولية التي شُكلت أمس (ضمّت مبدئياً لبنان وفرنسا والسعودية وهولندا والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي) لمعاينة مدى التزام لبنان بتعهداته بالإصلاحات المالية والقطاعية ليصار في ضوء ذلك الى تسريع مسار صرف القروض الذي يمتدّ في العديد منها الى 5 او 6 سنوات، وذلك بالتوازي مع تَحدّي تَجاوُز «حقل الألغام» الداخلي الذي بدأ «يكمن» لنتائج «سيدر 1» التي توعّد «حزب الله» مثلاً بمطاردتها مشروعاً مشروعاً في البرلمان والحكومة وسط«ربْط نزاع» مسبق تحت عنوان«الشروط الدولية والسيادة والوطنية».

وفي موازاة تجديد المجتمع الدولي«بوليصة التأمين» للواقع اللبناني، وسط تقارير نقلت (تلفزيون او تي في) ان الديبلوماسي الأميركي ديفيد ساترفيلد قرأ بكلمته في المؤتمر رسالة من الرئيس دونالد ترامب انتقدت تصرفات ايران وحزب الله لكنها اكدت بالمقابل ان لا شروط على لبنان، فإن المملكة العربية السعودية كرّستْ مسار «عودتها» لاحتضان «بلاد الأرز» بإعلانها إعادة العمل بقرضٍ بقيمة مليار دولار لم يتم استخدامه، وقد أوضح نديم المنلا مستشار الرئيس الحريري ان «هذا تجديد لخط ائتمان كان موجوداً في الماضي لكن لم يتم استخدامه».

وفي حين شكّلت مساهمة الكويت والصندوق الكويتي للتنمية بقروض بقيمة 680 مليون دولار إشارة متقدّمة الى تَمسُّكها بالوقوف بجانب لبنان، وأعلنت قطر عن تقديم قروض ميسرة بقيمة 500 مليون دولار، فإن الإمارات العربية المتحدة لم تعلن أيّ مساهمة فورية.

وكان لبنان قدّم في الجلسة المغلقة التي تلت افتتاح المؤتمر برنامج خطة النهوض الاقتصادي وتفاصيلها وبينها المرحلة الأولى (على 6 سنوات) التي تبلغ تكلفتها 10.8 مليارات دولار لإعادة تأهيل البنية التحتية والتي سبق لبيروت ان توقّعت أن تكون حصة القطاع الخاص من تمويلها ما بين 30 و40 في المئة، وقد تعهّد الحريري بـ «ضمان تنفيذ هذا البرنامج الاستثماري في إطار مالي شامل وديون مستدامة من خلال تعزيز ضريبي يهدف إلى خفض عجز الميزانية بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة»، كاشفاً «ان الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بسبب الأزمة السورية كانت 18 مليار دولار حتى 2015».