IMLebanon

ترامب “يخاطب شعبه” ولا يعنيه أيُّ ردٍّ أو تفسير آخر

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

كشف تقرير ديبلوماسي ورَد حديثاً من واشنطن أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يتطلّع يوماً الى ما يجري من ردات فعل في سوريا والمنطقة عندما كان يتّخذ أيّ خطوة عسكرية أو ديبلوماسية، فهو يخاطب شعبه قبل أيّ شعب آخر، وإنّ أيَّ حدث عابر لن يغيّر في استراتيجيّته، فهو قال إنه سيترك سوريا بعد تدمير«داعش» وسيفعل، ووعندما استُخدِم الكيماوي قال إنه سيعاقب الأسد وهو ما فعله، فماذا في تفاصيل التقارير العسكرية والسياسية؟

ينطلق التقرير الديبلوماسي من مجموعة من الوقائع التي تدلّ على طريقة عمل الإدارة الأميركية وما أرادته من الضربة العسكرية الأخيرة على مواقع سوريّة علميّة وعسكرية وتلك التي تهتم بتخزين أو تصنيع المواد الكيماوية ولها علاقة بهذا البرنامج السوري، «تأديباً» على استخدامها في الضربات الأخيرة على مدينة دوما ومناطق أخرى في الغوطة الغربية.

ففي اللقاء الإعلامي الذي عُقد بعد ساعات على الضربة العسكرية الثلاثية الأميركية ـ الفرنسية ـ والبريطانية التي استهدفت سوريا السبت الماضي قدّم مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية تقريراً عن العمليات العسكرية والأسلحة التي استُخدمت فيها والمواقع السورية التي استُهدفت والدوافع التي قادت اليها، مؤكّداً أنها ردٌ على استخدام النظام السوري الغازات السامة من مادة «السارين» وشبيهاتها في دوما وهو امر سبق لترامب أن وعد القيام به ونفّذ وعده بالتحالف مع بريطانيا وفرنسا.

وعندما سُئل المسؤول عن ردّ الفعل السوري والحديث عن تصدّي الدفاعات الجوّية السورية للصواريخ التي زادت على المئة وحرف البعض منها عن أهدافه وتفجير 71 صاروخاً منها، كان ردّه ساخراً ومازح محدثيه قائلاً: «إنّ الغارات الصاروخية كانت قد انتهت قبل أن تنطلق الصواريخ السورية من قواعدها الدفاعية في سوريا». نافياً بشدة أن يكون أيٌّ من الصواريخ السورية قد أصاب أو عطّل أيّاً من الصواريخ التي استُخدمت في العملية، وقال «إنّ الحديث عن حرف البعض منها عن أهدافه أمر مستحيل، وإنّ لدينا ما يكفي من الصور والأفلام التي وثّقت العملية وواكبت حركة الصواريخ من مواقع انطلاقها الى اهدافها، وإنّ الموضوع لا يخضع للنقاش في غياب أيّ رد فعل روسي اثناء الضربة بعدما اكتفت مواقعهم بإحصائها وعدّها ومراقبة مسارها».

وما جرى في وزارة الدفاع من حديث عن الوقائع التي رافقت الضربة العسكرية تجدّد نفسُه مع الإعلاميين في البيت الأبيض، فقدّم المسؤولون الرواية نفسها بما فيها من نفي قدرة أيّ طرف على الأراضي السورية التصدّي للصواريخ الأميركية والفرنسية والبريطانية التي استُخدمت في العملية وقد أدّت اهدافها بكل دقة ولو حصل العكس لكان المعنيون أوضحوا ذلك. فلا أسرار في مثل هذه الوقائع العسكرية وإنّ الإدارة الأميركية لا يمكنها تجاهل أيَّ حدث يشبه حدثاً بحجم التصدّي للصواريخ وتعطيلها أو حرفها عن أهدافها.

لا يقف التقرير الديبلوماسي عند الإشارة الى هذه الوقائع العسكرية التي لا تخضع لأيِّ تفسير آخر عند البحث فيها. وتحديداً في ما بين الدول المعنيّة بها وتلك المستهدَفة ورعاتها، لا بل فهو يركّز على الجوانب السياسية المتّصلة بأهداف العملية والظروف التي قادت اليها وتبقى تحت سقف مصلحة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها دون الأخذ بأيّ عوامل أخرى.

ويضيف التقرير أنّ قرار ترامب بمغادرة القوات الأميركية سوريا «هو نهائي ولم يعدَّل بعد، وأنّ المهلة الأخيرة التي أعطاها ترامب للبنتاغون والخارجية الأميركية وكل مَن يعنيه الأمر لا علاقة لها بالضربة العسكرية ضد السلاح الكيماوي في سوريا. فالحدثان منفصلان تماماً، ولربما لو لم يستخدم الأسد هذا السلاح المحظور في دوما في هذه المرحلة بالذات لما كانت الضربة الأخيرة قد نُفِّذت وهو أمر ينسحب، ليس على موقف واشنطن فحسب، بل على موقفي شريكتيها في باريس ولندن ولو لم تلتقِ المواقف عند هذه النقطة بالذات لما حصل تعاون في ما بينهم فجر السبت الماضي.

وفي شقِّ آخر يتحدّث التقرير عن الغايات من العملية، فيحدّدها بأنها «عقابية» اكثر منها سياسية، ولن يكون لها أيُّ تأثير على القرارات الأميركية الإستراتيجية الكبرى المتّخَذة في شأن الانسحاب من الملف السوري في انتظار التوقيت المناسب.

ولم يحسم التقرير ما تردّد في الأيام الماضية عن النّية بتسليم المناطق التي توجد فيها القوات الأميركية الى جهات أخرى حليفة او غير ذلك بما فيها الروايات التي تحدثت عن النية بتشكيل قوة «إسلامية ـ عربية» عبّرت عنها الاستعدادات السعودية للانضمام الى مثل هذه القوة على الأراضي السورية.

ويتحدث التقرير عن بعض المحاذير عند البحث في القوة البديلة عن القوة الأميركية فموازين القوى الإقليمية والتي باتت تتحكّم بالأزمة السورية ليست مطواعة بيد الأميركيين، وخصوصاً أنّ المواجهة لم تعد محصورة بالروس وحلفائهم الأتراك والإيرانيين وميليشياتهم. وأن لدى واشنطن وحلفائها ما يكفي من المشكلات مع حلفائهم السابقين وهي توازي في اهميتها العقد الأخرى ولا سيما منها عقدة العلاقات السلبية بين الأكراد والجيش التركي الذي يتحيّن الفرص للدخول الى منبج ومناطق تقع شرق مجرى نهر الفرات، عدا عن أطماع النظام السوري بإدلب ومناطق مختلفة أخرى.

وفي الإطار عينه وإن كانت القوى الكردية «قسد» مؤهّلة للقيام ببعض الأدوار في الشمال السوري فهي لا تضمن لوحدها بقاءها في ادلب ومنبج وشرق مجرى الفرات حتى البوكمال من دون الوجود الأميركي المباشر، وهنا تكمن المشكلة الحقيقة التي سيواجهها الرئيس الأميركي وهو امر خاضع للنقاش في المرحلة القريبة المقبلة بمعزل عن البحث عن هوية الجهة التي ستتولّى مواقع الأميركيين في التنف والبوكمال ومحيطها عند مثلث الحدود العراقية ـ السورية ـ الأردنية، فتلك قصة أخرى ودونها عقبات كبيرة قد لا تُذلّل قبل الحلّ الشامل في سوريا.