IMLebanon

ما هو سبب تصاعد الحملة ضد اللاجئين؟

تثير عودة المئات من اللاجئين السوريين من لبنان إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، ضجة كبيرة، في ظل انقسام لبناني بين معسكر يؤيدها ومعسكر آخر يرى ضرورة التنسيق مع المجتمع الدولي، على ضوء مخاوف من إمكانية تعرض هؤلاء العائدين لانتهاكات لحقوق الإنسان.

وأبدت منظمات دولية الجمعة قلقها مما اعتبرته عمليات الطرد الجماعية التي تسارعت وتيرتها في الأشهر الأخيرة، حيث سجل الأسبوع الجاري ترحيل أكثر من 500 لاجئ كانوا يقيمون في بلدة شبعا جنوبي لبنان، إلى بلدتهم بيت جن، في الجنوب السوري.

وأدانت منظمة هيومن رايتش ووتش إجبار المئات من اللاجئين السوريين في لبنان على مغادرة أماكن سكنهم وطردهم من عدد من المدن والبلدات.

وأوردت المنظمة في تقرير أن “الطرد من قبل البلديات يبدو تمييزيا وغير قانوني”. وذكرت أن “13 بلدية في لبنان على الأقل أجلت قسرا 3664 لاجئا سوريا على أقل تقدير من منازلهم وطردتهم من البلديات، على ما يبدو بسبب جنسيتهم أو دينهم”، مشيرة إلى أن 42 ألفا آخرين يواجهون الخطر ذاته.

وعانى اللاجئون السوريون خلال السنوات الماضية من تصرفات “عنصرية”، وفق ما وصفها ناشطون، في بعض البلديات اللبنانية، من ناحية منعهم من التجول في المساء أو ترحيلهم ومداهمة أماكن سكنهم.

وأوردت المنظمة أن غالبية البلديات التي اتخذت تلك الإجراءات هي ذات غالبية مسيحية، أما معظم اللاجئين الذين شملتهم فهم من المسلمين.

وتقود أحزاب مسيحية على رأسها التيار الوطني الحر بزعامة وزير الخارجية جبران باسيل الحملة المتصاعدة لإعادة اللاجئين السوريين.

وتصاعد هذه الحملة في الآونة الأخيرة لا يخلو من أبعاد سياسية خاصة وأنها تتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية التي لم يعد يفصل عنها سوى أسابيع قليلة، وأيضا مع اقتراب موعد مؤتمر بروكسل 2 المقرر في 24 من أبريل الجاري والذي يعنى أساسا بسبل دعم لبنان في مواجهة أزمة اللجوء السوري.

ويؤوي لبنان راهنا نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري فروا خلال سنوات الحرب من مناطقهم ويعانون من ظروف إنسانية صعبة للغاية.

واستدعى الجدل الداخلي حول هذه المسألة شيوع سلوكيات فردية أو على مستوى البلديات اعتبرت مسيئة للوجود السوري وتنم عن عنصرية مفرطة.

وفيما يقر المتخصصون أن هذه الظواهر العنصرية تبقى ثانوية واستثنائية، إلا أن غياب رؤية جامعة لحل إشكالية اللجوء من قبل الطبقة السياسية اللبنانية يتيح ارتكاب تجاوزات تستفيد من مواقف لشخصيات سياسية تقترب من حدود العنصرية التي تستبطن طائفية مقيتة.

وغادر 500 لاجىء الأربعاء بلدة شبعا جنوب لبنان إلى بلادهم في خطوة أتت بالتنسيق بين السلطات السورية والأمن العام اللبناني، فيما أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدم مشاركتها “نظرا إلى الوضع الإنساني والأمني السائد في سوريا”.

وردت وزارة الخارجية اللبنانية على مفوضية الأمم المتحدة معتبرة أنها “تخوف النازحين من أي عودة في هذه المرحلة بسبب ما تذكره من وضع أمني غير مستقر”.

وقالت الوزارة إن ذلك يدفعها الى “إعادة تقييم” عمل المفوضية و”مساءلتها”، مشيرة إلى أن ذلك يعزز الخشية من وجود نية لتوطين اللاجئين. غير أن وزير الداخلية والبلديات نهاد مشنوق قلّل من أهمية المخاوف من التوطين، وأشار في تصريحات محلية إلى أن “الدستور نص على منع ذلك”.

وأوضح في الآن ذاته أنه “لا يمكن اعتماد آلية إعادة النازحين من شبعا إلى بيت جن لإعادة النازحين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية كافة، إذ أن إعادة نازحي بيت جن تمّت بملء إرادتهم وليس بقرار من الدولة اللبنانية أو الدولة السورية”.

وأشار إلى أن “لا الحكومة ولا تيار المستقبل و14 آذار يمنعون النازحين من العودة إذا قرروا ذلك”. وتتزامن الضجة حول عودة اللاجئين السوريين مع لغط أثاره بند في الموازنة يتيح لأي شخص أجنبي يشتري شقة في لبنان الحصول على حق الإقامة في البلد.

ويعتبر الرافضون لهذه المادة أن الأمر سيسمح بتوطين للسوريين والفلسطينيين في لبنان، ما يحوّل حالة اللجوء المفترض أنها مؤقتة إلى حالة دائمة تسمح بها التشريعات اللبنانية.

وتعتبر بعض الأوساط اللبنانية أن الجدل الحاصل يحمل بين طياته أبعادا انتخابية خاصة بالنسبة للقوى المسيحية التي يحاول كل منها الظهور بمظهر الطرف المدافع عن الوجود المسيحي في مواجهة الاختلالات الديموغرافية الطائفية التي يسببها هذا العدد الهائل من اللاجئين السوريين.

ويرتب وجود اللاجئين أعباء اجتماعية واقتصادية على البلد الصغير ذي الإمكانيات الضعيفة، لكن منظمات دولية وغير حكومية تؤكد أن وجودهم يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال المساعدات المالية التي يصرفونها في الأسواق المحلية.

ويؤكد مراقبون أن الجدل حول مسألة اللجوء سيأخذ أبعادا عقلانية وواقعية بعد انتهاء الانتخابات التشريعية.

ويؤكد هؤلاء أن الوجود السوري بات أمرا واقعا حتى التوصل إلى تسوية سورية، وأن على لبنان وبرلمانه وحكومته المقبلين التعامل مع المسألة بنضج لوقف الكيد السياسي الداخلي الذي يقترب من العنصرية.