IMLebanon

لبنان واستحقاقاته تحت تأثير “عصْف المنطقة”

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

يزداد المسرح الخارجي الذي تطلّ عليه مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية في لبنان تعقيداً، ما يطرح علامات استفهامٍ حول تداعيات الوقائع المتدحرجة في المنطقة على المَشهد في بيروت ورزمة استحقاقاته المرتقبة.

وشاطَرَ لبنان أمس العالمَ بأسْره انشدادَه الى الحدَث الفلسطيني المزدوج بتدشين سفارة الولايات المتحدة في القدس و«المذبحة» الاسرائيلية بحقّ عشرات الفلسطينيين المشارِكين في «مليونية العودة وكسْر الحصار»، وهو المنعطف الذي جاء بمثابة «صبّ الزيت على نارِ» الملفات والجبهات «المشتعلة»، من الاتفاق النووي مع إيران الذي مزّقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى بلوغ المواجهة الإيرانية – الاسرائيلية فوق أرض سورية حافة الانفجار الكبير.

ولم يعد أمام لبنان في ظل هذا المناخ «اللاهب» سوى أيام ليتّضح الخيط الأبيض من الأسود حيال انعكاسات الصراعات المتشابكة في المنطقة على استحقاقاته الداهمة وفي مقدّمتها تشكيل الحكومة الجديدة، وما إذا كان هذا الملف سيتحوّل «رهينة» الاستقطاب الإقليمي الحاد أم أن «الرياح العاصِفة» ستدفع الجميع في بيروت الى المسارعة لقفْل «الباب اللي بيجيك منو ريح لتستريح».

فالثلاثاء المقبل، يفترض أن يشهد البرلمان (تبدأ ولايته الاثنين 21 مايو) جلسة لانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة المكتب ورؤساء اللجان تمهيداً لتحديد رئيس الجمهورية موعداً للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة العتيدة على ان يباشر الأخير استشاراته للتأليف.

وفي حين حُسمتْ عودة الرئيس الحالي للبرلمان نبيه بري مجدداً إلى منصبه للمرة السادسة على التوالي (منذ 1992) بفعل «قوة دفْع» المكوّن الشيعي (ثنائية حزب الله – بري) لتبقى العيون على «كتلة الأوراق البيض» التي يمكن أن تعترض على انتخابه وإذا كانت هذه الكتلة ستشمل «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون)، فإن الطريق الى اختيار نائب رئيس مجلس النواب سجّل تطوراً بدا بمثابة بادرة حُسن نية من بري تجاه الرئيس عون الذي تبلّغ من الأول انه ما دامت كتلة «التيار الحر» هي الأكبر عدداً، فهذا يعطيها الحقّ في أن ترشّح أحد نوّابها الأرثوذكس لموقع نائب رئيس البرلمان و«سأصوّت له».

وعلى عكس المسار المعروف لـ «اكتمال النصاب» الدستوري لولادة برلمان 2018 – 2022 (يضم 76 نائباً جديداً من أصل 128 يتألف منهم)، فإن تشكيل الحكومة الجديدة ما زال أسير الضبابية وإن كان تكليف زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري شبه محسوم الأسبوع المقبل.

فمرحلة تأليف الحكومة يبدو أنها أمام «حقل ألغام» بوجهيْن: الأول خارجي ويتّصل بما إذا كان الاحتدام الاقليمي سيستوجب «خطْف» ملف التشكيل واستخدامه صندوقة بريد رسالتها الأقسى تكون بإحراج الحريري لإخراجه، أو أنه سيدفع تحت وطأة المخاوف «من الآتي الأعظم» الى تسهيل ولادة الحكومة.

أما الوجه الثاني فداخلي ويرتبط بملامح «الشهية المفتوحة» على تقاسُم «كعكة» الحكومة في ضوء التوازنات الجديدة التي أفرزتْها الانتخابات والتسابق على «تركيب التكتلات النيابية»، وإصرار المكوّن الشيعي على الاحتفاظ بحقيبة المال لاعتباراتٍ «ميثاقية» وحرص «حزب الله» على تمثيل حلفائه من الطوائف الأخرى بالتوازي مع دخوله الى «وزارات وازنة»، وسط تلويح مبكّر من رئيس الجمهورية بإمكان «أن تتشكّل حكومة أكثرية وبقاء المعارضة خارجها إذا رغبتْ»، في مقابل تأكيد الرئيس بري أنه مع تأليف حكومة وحدة وطنية تضمّ الجميع.

وفي موازاة ذلك، بدا من الصعب عزْل «العملية الجراحية» التي أطلقها الرئيس الحريري داخل تياره على خلفية نتائج الانتخابات غير المُرضية عن المسار السياسي الذي سيسلكه زعيم «المستقبل» وسقفه، وسط انطباعاتٍ بأن «الحريري موديل 2018» شعارٌ لن تقتصر مفاعيله على «التيار الأزرق» بل هو يعبّر عن إدارة جديدة لتحالفاته ولو تحت سقف التسوية السياسية وأولويات الاستقرار.

وكان الحريري علّق على القرارات التنظيمية التي اتخذها بحق العديد من كوادر تياره كما استقالة مدير مكتبه نادر الحريري مغرداً ليل أول من أمس بأن «النظريات والتكهنات حول ما حصل كثيرة، وباختصار أقول إن الإقالات التي حصلت لها سبب واحد هو المحاسبة. جمهور (المستقبل) قال كلمته وانا سمعتُها، وتطلعات الناس وآمالها لن تخيب ابداً. سبق وقلتُ للكل سعد الحريري 2018 غير. وتبقى كلمة شكر من القلب لجهود نادر الحريري».