IMLebanon

العقوبات رسمتْ خطاً أحمر أمام أيّ دورٍ “كاسِر للتوازن” لـ”حزب الله”

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: بقيتْ بيروت تحت تأثير موجة العقوبات الأميركية – الخليجية على «حزب الله» وقيادته والتي تشي بمسارٍ متدحْرجٍ يشكّل «شقُّه» المتعلّق بالحزب جزءاً من الاستراتيجية الجديدة لواشنطن في التعاطي مع طهران في «ملعبيْ» النووي و«الدوْر» وبهدفٍ مركزي عنوانه إعادة نفوذ إيران الى «القمقم» بعد تَمدُّده على رقعة التوترات في المنطقة وإطلاق إدارة دونالد ترامب «خريطة طريق» للتصدي لـ «أنشطة طهران المزعْزعة للاستقرار التي لا تشكل تهديداً للمنطقة فحسب بل للعالم أجمع».

ومع استيعاب لبنان «الصدمة الأولى» لرزمة العقوبات الأميركية – الخليجية على قادة الصف الأول لـ «حزب الله» وعلى رأسهم أمينه العام السيد حسن نصر الله وكيانات وشركات «مرتبطة بنشاطات داعمة له»، يتكشّف تباعاً «المسرح السياسي» لهذه الاندفاعة التي يبدو أنها على طريقة «العقوبات المتسلسة» والتي شهدت الخميس دفعة جديدة أعلنت عنها وزارة الخزانة الأميركية وشملت شخصين (محمد بزي وعبد الله صفي الدين) و5 كيانات ذات صلة بالحزب.

وبدا واضحاً ان واشنطن – التي تسعى إلى بناء «تحالف» دولي ضد نظام طهران و«أنشطته المزعزعة للاستقرار» – ودول الخليج لا ترمي من خلال رفْع مستوى تضييق الخناق على «حزب الله» الى تغيير «قواعد الاشتباك» في لبنان بمعنى طيّ صفحة «ربْط النزاع» الداخلي مع الحزب واعتماد «المواجهة الناعمة» معه ولا الانتقال بالواقع اللبناني الى مرحلة «التدافع الخشن».

وحسب أوساط مطلعة في بيروت، فإن الولايات المتحدة ودول الخليج ما زالت تعمل تحت سقف التمسك باستقرار لبنان، السياسي والأمني والاقتصادي – المالي، لكنها لن تسمح لـ «حزب الله» بلعب أي أدوار «كاسرة للتوازن» في الداخل اللبناني ربْطاً بسعيه الى ترجمة فوزه في الانتخابات النيابية الأخيرة على النحو الذي يعزّز «قبضته» على مَفاصل الحُكم في بُعديْه المحلي والاستراتيجي.

وترى هذه الأوساط ان الإجراءات الأميركية – الخليجية الجديدة في توقيتها غداة الانتخابات وعشية انطلاق مسار تشكيل الحكومة العتيدة لا تهدف الى الدفع نحو صِدام مع «حزب الله» عبر محاولة استبعاده من الحكومة كما أنها لا تعكس وجود منحى لتدفيع أي حكومة يشارك فيها الحزب أثماناً لا يقوى لبنان على تَحمُّلها.

وأوضحت الأوساط نفسها ان مؤشرات عدة تتقاطع عند تأكيد ان معادلة الفصل بين «حزب الله» والدولة اللبنانية ما زالت سارية المفعول رغم تكريس رفْض واشنطن وحلفائها الخليجيين ايّ فصل بين «حزب الله» العسكري والسياسي، لافتة الى ان ما جرى هو أشبه بعملية «رسم حدود» بوجه اندفاعة الحزب أعادتْ التوازن الى ما كان عليه إبان «ستاتيكو» ما قبل الانتخابات، كما وضعتْ لبنان الرسمي ولا سيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي سيعاود تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة أمام محكّ عدم القدرة على أيّ «مسايرة» في ما خصّ الحقائب التي أوحى «حزب الله» بأنه حدّدها «هدفاً» له.

وشكّل الصمت الرسمي بإزاء هذه الوقائع، معطوفاً على محاولةٍ للتخفيف من وطأتها بتأكيد ان العقوبات ليست جديدة، إشارةً الى اقتناعٍ داخلي بأنّ الخارج غير راغب في إنهاء مرحلة «فضّ الاشتباك» في لبنان، فيما جاء تقليل «حزب الله» من أثَر الخطوة الأميركية – الخليجية ليؤشر على إرادةٍ لديه بتفادي تبديد مفاعيل ما يعتبره انتصاراً حقّقه في الانتخابات رغم ان هذه الخطوة جعلتْه في «موقع دفاعي» وتالياً سيكون مضطراً الى مراعاة مغازي وضع بلاد الأرز مجدداً على «الرادار» الاقليمي – الدولي.

وبرز في السياق نفسه موقفان أميركيان ظهّرا بوضوح حدود الضغط التصاعُدي على «حزب الله» في جانبه اللبناني: الأولّ لمساعد وزير الخزانة الأميركية مارشال بيلغنسلي الذي أبلغ الى صحيفة «النهار» ان «حزب الله» بالنسبة الينا هو منظمة ارهابية ولا نفرق بين ذراع سياسية وذراع عسكريّة. وعقوباتنا لا تستهدف تأليف الحكومة بل هي موجهة حصراً نحو منع ولوج الحزب الى النظام المالي وسنتابع جهودنا في هذا السبيل. والثاني لمسؤول في وزارة الخزانة نقلتْ عنه»سكاي نيوز عربية«إن الخطوات التي تم اتخاذها خلال الأسبوعين الماضييْن تأتي وفق خريطة محددة لاستهداف تمويل حزب الله، موضحاً أنه«تم استهداف مجلس الشورى التابع لحزب الله، لأنه هو الذي يتخذ قرارات عمليات الاغتيال وتمويل الحروب»، نافياً أن تكون الخطوة الأميركية جاءت للتأثير على تشكيل الحكومة اللبنانية أو لأغراض سياسية، ومحذّراً في الوقت نفسه«من تبعات كارثية بالنسبة للبنان إذا تقلد أعضاء من حزب الله وزارات سيادية وحاولوا التخلص من محافظ البنك المركزي».

وخلال استقباله مدير دائرة شمال افريقيا والشرق الاوسط في وزارة الخارجية الفرنسية السفير جيروم بونافون تطرق الرئيس اللبناني ضمناً الى هذه التطورات وتداعياتها، لافتاً الى«ان الاستقرار في لبنان سيستمر رغم ما يجري من أحداث اقليمية، لأن القيادات اللبنانية متّفقة على تحييد لبنان عمّا يجري في جواره، والمجتمع الدولي مدعو الى دعم الارادة اللبنانية في هذا الاتجاه».

وأكد عون ان مرحلة ما بعد الانتخابات«ستشهد تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة»، مشدداً على«أن لبنان الذي يلتزم القرار 1701 للمحافظة على الاستقرار في الحنوب وعدم حصول عمل عسكري على الحدود، يواجه يومياً خروقاً اسرائيلية وانتهاكات لسيادته».

وتواصل الولايات المتحدة تشديد الخناق على مصادر تمويل «حزب الله» اللبناني، حيث فرضت عقوبات جديدة على ممثله في إيران وعلى أحد مموليه الرئيسيين وشركاته الخمس في أوروبا وغرب أفريقيا والشرق الأوسط.

وذكرت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان ليل أول من أمس، أن محمد إبراهيم بزي ممول رئيسي لـ«حزب الله» يعمل عبر بلجيكا ولبنان والعراق وربطته علاقة وثيقة برئيس غامبيا السابق يحيى جامع المتهم بتكوين ثروة هائلة خلال حكمه الذي امتد عقوداً.

كما فرضت واشنطن عقوبات على ممثل «حزب الله» في إيران عبد الله صفي الدين الذي ذكرت أنه كان محاوراً بين الحزب وإيران في المسائل المالية.

وأضافت الوزارة أنها أدرجت على القائمة السوداء مجموعة خدمات الطاقة البلجيكية «غلوبل تريدينغ غروب»، وشركة المنتجات البترولية «يورو أفريكان غروب» ومقرها غامبيا، وعلى ثلاث شركات مقرها الشرق الأوسط.

وأكدت أنه تم استهداف كل هذه الشركات لأنها مملوكة لمحمد إبراهيم بزي أو لأنه يملك حصة مسيطرة فيها.

وقال وزير الخزانة ستيفن منوتشين في بيان «لا يمكن التغاضي عن الأفعال الوحشية والخسيسة لأحد أبرز ممولي حزب الله… هذه الإدارة ستفضح وتزعزع (حزب الله) وشبكات الإرهاب الإيرانية في كل مكان، بما في ذلك تلك التي لها علاقة ببنك إيران المركزي».

وتأتي العقوبات ضمن سلسلة إجراءات جديدة تستهدف إيران و«حزب الله» منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم مع إيران، مطلع الشهر الجاري.