IMLebanon

بين الخفي والظاهر في عُقد التشكيل (بقلم الياس الزغبي)

بعد سلاسة التكليف وقبلها صفقة مكتب مجلس النواب، تبدأ جلجلة تشكيل الحكومة التي تبالغ الرئاسات الثلاث وبعض القيادات في التفاؤل بتأليفها سريعاً.

فدون هذا التشكيل مطبات وألغام، أصعبها خفي وأسهلها ظاهر.

الخفي منها يتصل بالنهج والذهنية والنيات، لذلك هو الأصعب، بينما الظاهر يتصل بالتوزيع التقليدي للحصص وعدالة التمثيل، وهو أمر قابل للتفاوض والتسويات.

في الحقيقة هناك عقدتان خفيتان تتحكمان بالتشكيل:

– الأولى تعود إلى الذهنية الانقلابية السابقة، عبر السعي إلى الحصول على أكثرية الثلثين لفريق “الممانعة” وأغطيته المتعددة كحدّ أعلى، أو أكثرية ما فوق النصف كحدّ أوسط، او ما يُعرف بـ”الثلث المعطّل” كحدّ أدنى.

– الثانية لا تقل خطورة عن الأولى وتتجسّد في النهج الاستئثاري المتفاقم، وبالتحديد في الحصص المسيحية، وكان آخر تجلياته يوم أمس في التفرد بالمواقع المسيحية في نيابة رئاسة مجلس النواب وهيئة مكتبه، ولم يعد خافياً أن هذا النهج يتمدد إلى الحكومة الجديدة، ولا يعلك أصحابه تصريحاتهم في الكشف عنه.

وعلى خلفية هاتين العقدتين النفسيتين تتفرع العقد والعقبات في التشكيل، بنوعيها القديم والطارئ، وأبرزها الآتي:

1 – دخول “حزب الله” كفريق مضارب على الحقائب الأساسية، طالما ان السيادية مقفلة في وجهه بحكم علاقتها المباشرة بالمجتمع الدولي. وهو سيضغط لتوزير حلفائه من الطوائف الأخرى، لعلّه يحقق معهم الثلث المعطل بدون منّة العهد. والأرجح أن يكون منفتحاً على الصيغ، انطلاقاً من براغماتية المثال الإيراني، بهدف احتواء خطورة المرحلة المقبلة.

2 – عقدة تمثيل الدروز، وهي عقدة يفتعلها خصوم وليد جنبلاط (أرسلان والتيار العوني). مع أن التمثيل محسوم للتقدمي الاشتراكي بحكم حصوله على جميع المقاعد الدرزية باستثناء مقعد أرسلان الذي تركه له شاغراً. ويندرج تشكيل لائحة “ضمانة الجبل” غب الطلب في إطار السياسة الهزلية، إذ لا يليق بوريث مجيد أرسلان أن يستنجد بـ3 نواب من غير طائفته لاقتناص مقعد وزاري.

3 – عقدة تمثيل المسيحيين، وهي تشكل لب مشكلة الاستئثار والهيمنة. ففي أفضل الحسابات يمثل “تيار العهد” 40% من المسيحيين، أي 6 من وزرائهم في حكومة ثلاثينية (هذا إذا حسبنا شخصيات مستقلة انضوت في التكتل على مضض وظهرت بوادر تمايزها في مجلس النواب أمس والاستشارات اليوم، وهي ذات تمثيل وازن مثل ميشال معوض ونعمة افرام وسواهما). ولم تعد تصح نظرية الحصتين، واحدة للرئيس وأخرى لحزبه لسببين: سقوط عرف منح الرئيس وزراء بعدما دخل عنصر جديد هو تكوين كتلة نيابية خاصة به للمرة الأولى بعد الطائف، وارتكاب خطيئة حصره بتكتل واحد محسوب عليه بدلاً من إبقائه حراً على قاعدة “بيّ الكل”.

وتظهر المشكلة أكثر في تمثيل الموارنة، فهناك 21 نائباً مارونياً من أصل 34 خارج تكتل العهد (10 قوات، 3 كتائب، 3 مردة، 5 بين الحريري وميقاتي وجنبلاط وبري)، ومن حقهم حسابياً أن يتمثلوا بـ4 وزراء موارنة من أصل 6.

وتبقى عقدة تمثيل السنّة من خارج “تيار المستقبل” وعقد فرعية في تمثيل الكتل الصغيرة يمكن حلها.

ويبقى أن كل هذه العقد مجتمعة قابلة للتسوية عبر معالجة أساسها المزدوج والخطير: رغبة “خط الممانعة” و”حزب الله” في السيطرة على الحكومة، وذهنية الهيمنة من “تيار العهد” على تمثيل المسيحيين.

فهل كل هذا المشهد المتداخل والمتشابك يبشّر بتشكيل سهل وقريب يكون للمجتمع الدولي والعربي الدور الحاضن والإيجابي فيه، أَم يُنذر بالعكس؟