IMLebanon

جلسة بلا مفاجآت “ملغومة” توّجتْ بري رئيساً

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: بين ساحة النجمة، مقرّ البرلمان، والقصر الجمهوري في بعبدا، ارتَسمَ أمس مشهدٌ يوحي بمرحلة جديدة دخلها لبنان في الطريق الى تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات ويطغى عليها استشعار غالبية الأطراف المحليين بالحاجة الى ملاقاة التحديات الكبرى التي تطلّ برأسها في المنطقة بأكبر قدر من «التبريد الداخلي» الذي عكسه مسار جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب الجديد ونائبه، ثم الإفطار الجامع الذي أقامه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

ولم يكد أن يجفّ حبر معاودة انتخاب زعيم حركة «أمل» نبيه بري رئيساً للبرلمان أمس للمرة السادسة على التوالي منذ العام 1992 بأكثرية 98 صوتاً و29 ورقة بيضاء وصوت مُلغى، فيما اختير إيلي الفرزلي نائباً له بأكثرية 80 صوتاً حتى اتجهتْ الأنظار الى الاستحقاق الأصعب المتمثّل في تشكيل الحكومة بعد تكليف رئيسها المتوقّع، إثر الاستشارات النيابية الملزمة المقررة اليوم (تبدأ في العاشرة صباحاً وتنتهي الخامسة مساء)، والمحسوم لزعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري.

وشخصت العيون يوم أمس على مقرّ البرلمان، ليس تَرقُّباً لمفاجأة ما في جلسة الانتخاب في ضوء «الفوز المضمون» مسبقاً لبري، المرشّح الوحيد لرئاسة مجلس النواب، بل رصْداً لاتجاهات التصويت الذي كان محصوراً بين زعيم «أمل» والورقة البيضاء أو تلك «الملغومة» بأسماء «مستفزة»، كما لنسبة الـ «نعم» التي سينالها بري الذي كان حاز سنة 2009 غالبية 90 صوتاً من أصل 128 نائباً (صوّت منهم حينها 127) مع تسجيل 28 ورقة بيضاء حينها. علماً أن تلك النتيجة تسبّبتْ آنذاك بـ «ندوب» بعدما اعتُبرتْ بمثابة «إشارات سلبية» الى رئيس البرلمان من بعض حلفاء المعارضة في تلك المرحلة وتحديداً العماد ميشال عون (لبروز 3 أصوات لأحد نواب تكتله) كما من الأكثرية الفائزة حينها (14 آذار) ولا سيما تيار «المستقبل» الذي كانت تسرَّبت العديد من أصواته وغرّدت خارج سرْب الوعد بالتصويت لبري.

على ان جلسة الانتخاب في مايو 2018 سلكت «مسارها الآمن» وأمكن تسجيل الخلاصات الآتية من «التصويت السياسي» الذي شهدتْه:

* ان «الصفحة الجديدة» التي حُكي عنها في العلاقة بين بري و«التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية) تجاوزت امتحان انتخاب رئيس البرلمان بأقلّ الأضرار بعدما بدا واضحاً من الأصوات التي نالها بري ان تكتل «لبنان القوي» (كتلة التيار الحر وحلفائه ويضم 29 نائباً) أعطت بغالبيّتها أصواتها لزعيم «أمل» بعدما كان رئيس التكتل جبران باسيل أعلن عشية الجلسة ترْك حرية الاختيار لنوابه مع إعطائه إشارة ايجابية بتأكيد التزامه بمبدأ «تمثيل الأقوى داخل طوائفهم» وتحذيره من تداعيات ميثاقية لعدم نيل بري تصويتاً مسيحياً وازناً وذلك بعدما كان حزب «القوات اللبنانية» حسم أمره بالاقتراع بورقة بيضاء. علماً أن الخشية كانت من ان يعمد التكتل الى «ردّ الصاع» لرئيس مجلس النواب بـ «كتلة من الأوراق البيض» رداً على تصدُّر بري «جبهة الرفْض بالأبيض» (36 ورقة بيضاء و 7 ملغاة) لانتخاب عون رئيساً في جلسة 31 اكتوبر 2016.

* ان «القوات اللبنانية» التي تتمثّل بكتلة من 15 نائباً، التزمت بالتصويت بورقة بيضاء (باستثناء النائب سيزار معلوف). فبالرغم من العلاقة الايجابية جداً التي تربطها بالرئيس بري، إلا انها كررت ما كانت قامت به سنة 2009 وذلك لاعتبارات «استراتيجية» مع تأكيدها أن الأمر ليس بأيّ شكل «في وجه بري».

* ان كتلة «المستقبل» (21 نائباً) وفت بوعد التصويت لبري الذي أكد الرئيس الحريري خلال اصطحابه رئيس السن (ترأس جلسة الانتخاب) النائب ميشال المر من دارته انه «قيمة وطنية ولو اختلفنا معه في بعض الأمور»، وهو الأمر الذي بدا في إطار التفاهم المتبادل على تصويت كل منهما للآخر لرئاسة مجلس النواب وبعدها لرئاسة الحكومة.

وكان لافتاً أن الجلسة «نجتْ» من مظاهر «تفلُّت» كان يُخشى منها فيما لو اختار البعض تكرار ما شابَ جلسة انتخاب رئيس الجمهورية من مظاهر في الشكل والمضمون تركتْ «جرحاً كبيراً» كما وصفه الوزير جبران باسيل مساء الثلاثاء، مثل وجود أوراق حينها كُتب عليها زوربا اليوناني وميريام كلينك، ناهيك عن تعمُّد تسجيل فروق بين عدد المظاريف والنواب ما جعل عون يُنتخب رئيساً في الاقتراع الرابع (الدورة الثانية).

وفي حين فاز بري أمس من الاقتراع الاول، برزت مفارقة تمثّلت في أن النائبة بولا يعقوبيان صوّتت لمصلحة المخرجة اللبنانية نادين لبكي لرئاسة البرلمان إلا انه خلال عملية الفرز وتلاوة ما كُتب على أوراق الاقتراع لم يُذكر اسم لبكي، وأُعلنت النتيجة على انها 98 صوتاً لبري، و30 ورقة بيضاء، فما كان من يعقوبيان عندها إلا ان أخذت الكلام وكشفت أنها اقترعت للبكي مستغربة عدم ذكر ذلك وتسجيل الصوت على انه ورقة بيضاء، ومعتبرة الأمر غير قانوني. وخلال إلقاء رئيس البرلمان القديم – الجديد كلمته بادر يعقوبيان قائلاً لها «معك حق،» ليس هناك من نائب مرشح اسمه لبكي، بل في لبكي غير شكل «فتم احتساب الورقة على أنها ملغاة».

وكما في انتخاب رئيس البرلمان، كذلك في اختيار نائبه لم تُسجّل أيّ مفاجأة رغم حصول منافسة على هذا المنصب بين الفرزلي ومرشّح «القوات» النائب أنيس نصار، انتهت إلى النتيجة المحسومة سلفاً لمصلحة الأول الذي نال 80 صوتاً مقابل 32 لنصار و4 لنقولا نحاس وصوت لبولا يعقوبيان وورقتان ألغيتا (كتب عليهما شارل مالك ونادين لبكي) فيما لم يقترع وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي غادر الجلسة.

وبدا واضحاً من كتلة الأصوات التي نالها نصار، انه حصد أصوات غالبية نواب كتلة «المستقبل» التي أعلنت مسبقاً رفضها التصويت للفرزلي الذي وُصف من بعض الأطراف بأنه «وديعة» سوريّة، هو الذي تولى منصب نائب رئيس البرلمان بين 1992 و2005 أي إبان فترة الوصاية السورية، لتأتي معاودة انتخابه أمس وتحيي ثنائية مع بري طبعت المشهد السياسي اللبناني على مدى 13 عاماً.

وبعد جلسة انتخاب رئيس البرلمان ونائبه وأمينيْ السر والمفوّضين الثلاثة، توجّه بري الى القصر الجمهوري والتقى الرئيس عون قبل ساعات قليلة من الإفطار الذي أقامه الأخير وألقى خلاله كلمة أطلت على المرحلة المقبلة ولاقت في جانب منها ما اعلنه رئيس البرلمان بعيد معاودة انتخابه التي قوبلت بفرحة بين مناصريه الذين أطلقوا النار والمفرقعات ابتهاجاً في مَظاهر لم توفّر حتى شرطة مجلس النواب التي انخرط بعض عناصرها في حلقات دبكة.