IMLebanon

خليل مقابل باسيل والمداورة مناورة!

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

مكتوبٌ على «بوسطة» الحكومة الحالية «راجعة بإذن الله»! فالمخاض الحكومي لن ينتهي بانقلابٍ على الثلاثينية الحالية، كما يظنّ البعض، بل بتكريس التوازنات القائمة فيها، مع بعض التعديلات التي تبرّرها نتائج الانتخابات. ولكن، يجب أولاً أن تبلغ «حفلة» النكايات والانتقامات والمزايدات المتبادَلة حدودَها القصوى، بين القوى المتصارعة وداخل كل منها، فيستنفد الجميع محاولاتهم لتكبير الحجم، كمّاً ونوعاً، ويُكافَأ هذا بالتوزير ويعاقَب ذاك بالتطيير!

في الانتخابات النيابية الأخيرة تصرّف العديد من القوى السياسية وفق مقولة «الغاية تبرّر الوسيلة». وانطبق ذلك على التحالفات التي نسجها بعض أركان السلطة، والتي اقتضت منهم أن يضعوا جانباً ما يطرحونه من مبادئ وعناوين وأفكار، والعمل فقط وفقاً لمقتضيات المصلحة الانتخابية.

برّر هؤلاء ما فعلوه بالقول: قانون الانتخابات فرض علينا ذلك. فمخالفة المبادئ ظرفياً والفوز بكتلة نيابية كبيرة أفضل من التزام المبادئ والخروج بكتلة متواضعة.

اليوم أيضاً، في عملية تشكيل الحكومة، تتجاهل هذه القوى ما سبق أن طرحته من مبادئ، ومنها مبدأ فصل النيابية عن الوزارة. فـ»التيار الوطني الحرّ» يعتبر اليوم أنّ هناك حاجة ماسّة ليبقى الوزير جبران باسيل (في الدرجة الأولى) والوزير سيزار أبي خليل (في الدرجة الثانية) في الحكومة.

وطبعاً، كان وصولُ باسيل إلى الندوة البرلمانية مسألة حيويّة، لأنّ مَن يريد أن يكون المسيحي الأقوى، المؤهَّل للزعامة ولموقع رئيس الجمهورية، خلفاً للرئيس ميشال عون، لا يجوز أن يفشلَ مرّةً أخرى في الوصول إلى المجلس. وقد جاء التخلّص من النظام الأكثري واعتماد القانون النسبي مشفوعاً بالصوت التفضيلي، فرصةً لتحقيق هذا الهدف.

بالنسبة إلى العهد، لا أحدَ يمكنه أن يكون على مستوى باسيل من القوة على طاولة مجلس الوزراء. ولا أحدَ في «التيار» مؤهَّل ليخوض المعارك المفتوحة التي شهدتها الحكومة الحالية، على جبهات مختلفة، خدمةً للرئيس عون الذي لا يمتلك الحقّ في التصويت داخل مجلس الوزراء.

إذاً، تحت شعار «السياسة فنّ الممكن»، طار المبدأ في تأليف الحكومة كما في الانتخابات النيابية. ولن تكون هناك فرصة جديدة للعودة إلى هذه المبادئ إلّا بعد 4 سنوات، على الأرجح، لأن لا استحقاقات دستورية منتظرة قبل نهاية هذه المدّة.

في شكل معاكس، بدا الرئيس سعد الحريري مفاجِئاً في إصراره على مبدأ فصل النيابة عن الوزارة. فالجميع كان يعتقد أنّ الوزير نهاد المشنوق باقٍ في الداخلية، إذا كانت من حصة «المستقبل». ولذلك، يهمس كثيرون بأنّ من دوافع الحريري للفصل بين النيابة والوزارة المجيء بوزير جديد للداخلية…

إذاً، وفق ما يعتقد البعض، المبرّرات التي دفعت باسيل إلى تجاهل مبدأ الفصل هي نفسها التي دفعت الحريري إلى اعتماده. ففي الحالين، المصلحة السياسية هي الأولويّة.

وخلافاً لما فعله الحريري، يصرّ الرئيس نبيه بري- مدعوماً من «حزب الله»- على إبقاء الوزير علي حسن خليل في وزارة المال، وإن يكن يحمل الصفة النيابية، لما يمثله من وزنٍ سياسيّ على طاولة مجلس الوزراء، يصعب تعويضُه بوزير آخر من الحركة. وثمّة مَن يقول إنّ الحالة الوحيدة التي يصبح فيها تبديل خليل وارداً هي تبديل باسيل. وهكذا، فإنّ الرئيس بري يتجاوز مبدأ فصل السلطات لضرورات سياسية.

وما يُقال عن الفصل بين السلطات، يُطرَح أيضاً عن المداورة. فـ»الثنائي الشيعي» يتمسّك بوزارة المال استناداً إلى مضامين ميثاقية طُرِحت في الطائف، بوصفها السبيل الوحيد إلى تكريس توقيعٍ للطائفة على قرارات مجلس الوزراء. ولذلك، يرفض الفريق الشيعي أن تشملها المداورة.

وأما «التيار الوطني الحر» و«المستقبل» فيطرحان المداورة. ولكن، حتى اليوم، لا يبدو الحريري مستعدّاً للتخلّي عن وزارة الداخلية إذا تمسّك الثنائي الشيعي بوزارة المال. وأما باسيل فيطالب بالمداورة في المال أو الداخلية، لكنه يشعل حرباً إذا طالبه أحدٌ بالتخلّي عن وزارة الطاقة بنفطها وغازها وكهربائها. وهكذا، تصبح المداورة مجرّدَ طرحٍ للمناورة، لا أكثر ولا أقل، يقبل به الجميع استنسابياً.

وهذا ما يُقال أيضاً عن مبدأ إعطاء رئيس الجمهورية حصّةً في داخل مجلس الوزراء. فكلّ طرفٍ يطرح الأمر من زاويته لا من زاوية المنطق الدستوري. فـ»التيار» يريد عملياً أن تكون لرئيس الجمهورية كتلتان: كتلة العهد (4 وزراء على الأقل) وكتلة «التيار» (7 وزراء)، ما يوفّر له الثلث المعطل في مجلس الوزراء.

طبعاً، «القوات» اللبنانية ترفض المبدأ لأنّ هذا الوزن سيكرّس انعدامَ التوازن بينها وبين «التيار» في داخل الحكومة. وكذلك، يرفض «الثنائي الشيعي» منحَ رئيس الجمهورية ثلثاً معطِّلاً في الحكومة، فيما أوحى الحريري بأنّ الموضوع قابلٌ للبحث إذا كان لرئيس الحكومة وزراؤه أيضاً.

وأما حجمُ الحكومة فلا يزال يتعرّض للتضخيم وفقاً للمصالح السياسية، علماً أنّ دولاً كبرى لا يتجاوز عددُ وزرائها أصابعَ اليدين. وفيما المبادئ الإصلاحية وضبط الهدر تقتضي حصر عدد الوزراء ليتاح لهم العمل والإنتاج، تحصل مزايدات تؤدّي إلى رفع العدد من 30 (وهو أساساً مضخّم) إلى 32. وقد يحتاج لبنان إلى حكومة من 70 لتلبية الطموحات التوزيرية.

وأما في ما يتعلّق بدور المرأة في المجلس والحكومة والحياة السياسية، ففي الحدّ الأقصى، أوصل «المستقبل» 3 نساء إلى المجلس، إحداهنّ (بهية الحريري) موقعها مفروض أساساً. ومثلها النائبة عن «القوات اللبنانية» (ستريدا جعجع). لكنّ أيَّ قوة حزبية لم تغامر بترشيح النساء على نطاق واسع، لأنهنّ لم يبلغن مواقع قوية داخل الأحزاب، بما فيه الكفاية، تسمح لهنّ بالمنافسة والفوز.

ولا داعي هنا إلى التذكير بأنّ مبدأ منح المرأة اللبنانية المتزوّجة من أجنبيّ جنسيّتها لأولادها يشهد انقساماً لا في النظرة إلى حقوق الإنسان والمواطن- وهذه عناوين لا يختلف عليها اثنان نظرياً- بل في النظرة إلى التداعيات الطائفية والمذهبية.

وكذلك هو الأمر في مسائل خفض سنّ الاقتراع وإلغاء الطائفية السياسية واللامركزية الإدارية وقانون الانتخاب والنازحين السوريين والفلسطينيين وسواها. ففي كل منها، الكلمة للمصالح الفئوية لا للمبادئ.

إذاً، يجري «طبخ» الحكومة على نار النكايات والمصالح والمزايدات، وهي ستقوم على أسس المحاصَصة، أي على شاكلة الحكومة الحالية، مع بعض التعديلات. وأما الإصلاح فمؤجَّل 4 سنوات كاملة، تتخلّلها جولاتٌ وجولات من الصفقات والمساومات والشكاوى من الفساد والنقص في الشفافية.