IMLebanon

لبنان على موعدٍ مع أسبوع “التفاوض الجدّي”

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يعلن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري غروب اليوم توجّهاته العريضة حيال المفاوضات التي يعتزم المباشرة بها مع الكتل البرلمانية لتأليف حكومته الثالثة، بعدما منحتْه غالبيةٌ برلمانية مرموقة (111 نائباً من أصل 128) تفويضاً لتشكيل حكومةِ ما بعد الانتخابات النيابية التي جرت في 6 مايو الماضي.

ويطلّ الحريري، العائد من «إجازة عائلية» في السعودية استغرقت أياماً، على اللبنانيين في إفطارٍ رمضاني لتياره، ليعلن «أول الكلام» السياسي حيال مهمته الصعبة في تشكيل ثاني حكومات «التسوية السياسية» (أنهت الفراغ الرئاسي في البلاد في أكتوبر 2016) والمرشّحة لأن تستمر طويلاً ما دامت ائتلافية وتضمّ الجميع. ويعاود الحريري «موديل الـ 2018» التأكيد في إطلالته على التمسك بقواعد التسوية السياسية القائمة على تشكيل أوسع توافق داخلي لحماية الاستقرار والشروع في إبعاد شبح الانهيار المالي، وعلى نأي لبنان بنفسه عن نزاعات المنطقة وحروبها وعن التدخل في شؤون الدول العربية، وهي القواعد التي سيرسو عليها المانيفست السياسي للحكومة العتيدة.

ورغم أن الرئيس المكلف خرج من الانتخابات النيابية بنتيجةٍ لا يُحسد عليها لخسارته ثلث كتلته البرلمانية، إلا أنه يملك وعلى عتبة مشوار التأليف، أوراقَ قوةٍ نادرةٍ تجعله في موقع المُفاوض القوي لإخراج حكومةٍ من شأنها تشكيل «مانعة صواعق» في ظل اختلالٍ داخلي في التوازنات لمصلحة «حزب الله» وفريقه، وتحوّلات إقليمية تؤشر على «حشْرة» إيران وتَعاظُم مَتاعبها في المنطقة.

فالحريري يتكئ في الداخل على علاقةٍ صلبة من التناغم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وعلى علاقةٍ تتسم بالإيجابية مع رئيس البرلمان نبيه بري، وعلى تَفاهُم إستراتيجي مع «القوات اللبنانية» سمح بترميم التصدّعات التي اعترت تَحالُفهما إبان أزمة استقالة الحريري، وعلى «ربْطِ نزاعٍ» مع «حزب الله» الذي رغم انه لم يسمّ الحريري كـ «العادة» لرئاسة الحكومة فهو أبدى استعداده للتعاون الإيجابي لإدراكه ان زعيم «المستقبل» هو الوحيد القادر على تأمين غطاء اقليمي – دولي للواقع القائم في لبنان، والذي يفيد منه الحزب المُطارَد على لوائح الارهاب الأميركية – الخليجية.

ويتمتّع زعيم «المستقبل» بدعمٍ خليجي قوي لموقعه في المعادلة اللبنانية ولخياراته في توفير عبورٍ آمن للبنان للمرحلة الانتقالية اللاهبة التي تعيشها المنطقة، وسط إدراكٍ خليجي بأن كبْح جماح «حزب الله» وأدواره الأمنية والعسكرية في المنطقة لا تتمّ بمواجهةٍ غير متكافئة معه في الداخل اللبناني بل بتجفيف مَداخيله عبر العقوبات وبقطع الاوكسجين المالي عنه وبمحاصرة ايران ونفوذها في المنطقة، وهو ما يفسر تالياً إشاحة النظر الخليجية عن مشاركة «حزب الله»، الذي صُنّف أخيراً إرهابياً بجناحيه السياسي والعسكري، في الحكومة اللبنانية المرشّحة لطلب العون من المجتمعيْن العربي والدولي لجبْه التحديات المالية والاقتصادية التي تتربّص بلبنان. وتحرص الدول الخليجية التي تتوقع أشهراً صعبة في لبنان على دعم الحريري «الصادق والجدّي»… فمَن يدقق على سبيل المثال في لائحة المدعوين الذين شاركوا في إفطار السفارة السعودية الذي أقيم بحضور موفد الديوان الملكي نزار العلولا وعلى شرف الرئيس الحريري وما رافقه من لقاءاتٍ يكتشف حجم مراعاة المملكة، وفي أدقّ التفاصيل لخصوصية زعيم «المستقبل» الذي تحرص الرياض على مماشاة خياراته الداخلية، وخصوصاً داخل بيئته السياسية.

وليس جديداً القول إن الحريري يشكل حاجةً دولية كـ «رمزٍ» لإستقرار لبنان. فرغم العين الأميركية الحمراء على «حزب الله»، فإن واشنطن لن تبدّل من خياراتها في دعم الحكومة المركزية ومواصلة مساعداتها للجيش ورهانها على حَصانة القطاع المصرفي. أما فرنسا «الماكرونية» فمن المرجّح أن تضطلع بدور أكثر فاعلية في دعم الحريري وخياراته وفي «ضبْط» سلوك «حزب الله»، انطلاقاً من حاجة إيران لـ «النووي الأوروبي» بعدما غادرت الولايات المتحدة الاتفاق مع طهران.

ومن غير الواضح ما سيكون عليه سلوك «حزب الله» في الداخل وحيال موقفه من تشكيل الحكومة وبيانها الوزاري. فصحيح أن الحزب نجح في الإمساك بالبرلمان بعد فوزه في الانتخابات النيابية، لكن الصحيح أيضاً ان رافعته الاقليمية (إيران) تُراكِم خسائر من «أرباحها» في المنطقة على غرار ما يحدث في غرب اليمن وجنوب سورية، في مؤشر على بداية اختلال استراتيجي ناجم عن انقلاب دونالد ترامب على ترْكة باراك أوباما في المنطقة واستحالة وضع فلاديمير بوتين كل البيض الروسي في السلة الايرانية وهو ما تظهر ملامحه في سورية.

وخلاصةٌ من هذا النوع تطرح سؤالاً عما إذا كان «حزب الله» سيمارس سياسةً أكثر تشدداً في الداخل اللبناني بالتوازي مع قراره رفْع مستوى تمثيله في الحكومة ودخوله الى الملف الاقتصادي كشريكٍ مُضارِب لرئيس الحكومة وإطلاقه إشارات تشي بالسعي إلى الحد من سلطة الرئاسة الثالثة، أم أن الحزب سيكون مضطراً إلى تخفيف قبضته على الحياة السياسية كطرفٍ ذا وظيفة إقليمية، تماشياً مع المتغيرات التي تطلّ من المنطقة.

في إنتظار اتضاح الخيط الأبيض من الأسود، يباشر الرئيس الحريري بدءاً من غد الاثنين وضع الرسم التشبيهي لحكومته العتيدة عبر مفاوضات ستراعي بالضرورة التوازن الداخلي والاقليمي، قبل التصدي للشهيات المفتوحة حيال لعبة الأحجام والحصص والحقائب التي غالباً ما تكون على صلة بتصفيةِ حساباتٍ سياسية أو على شكل «ربْط نزاع» مع استحقاقات مقبلة، كالانتخابات الرئاسية على سبيل المثال.

وكان الحريري، المتوقّع أن يكون على موعد مع «وقت مستقطع» في مباراة التشكيل، بسبب مشاركته المرتقبة في افتتاح «المونديال» في روسيا في 14 الجاري بعد أن يكون التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لمحّ الى بعض الجوانب المتصل بالملف الحكومي حين تحدّث عن أنه «متفائل بأن التشكيلة الحكومية ستبصر النور بعيد عيد الفطر»، مشدداً على أن «لا عقد مستعصية». وإذ رأى أن «عقدة الوزراء الدروز ستجد حلاً وأن«حزب الله»سينال ثلاثة وزراء»، أعرب عن أمله في «أن يحل الخلاف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية»، مؤكداً أنه يمضي زيارة عائلية في الرياض وأنه لم يلتق ولن يلتقي أي مسؤول سعودي في هذه الزيارة.