IMLebanon

معراب والمختارة… و”المصيبة” ثالثهما

كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:

في مقابل العلاقة التي «لم تركب» يوماً بين النائب السابق وليد جنبلاط و»العونيين»، لن يكون تفصيلاً أن تتراكم الايجابيات منذ العام 2005 وحتى ما بعد الانتخابات النيابية الماضية على خط معراب – كليمنصو. الخصمان التاريخيّان باتا على الموجة نفسها تقريباً… ويصادف أنها ضد «ممارسات العهد»!

من ضمن سلسلة لقاءات ثنائية جمعت رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وجنبلاط في السنوات الماضية، إلتقى الرجلان أكثر من مرة في جلسات سرية بعيداً من الاعلام، آخرها لقاء لم يعلن عنه في منزل نعمة طعمة قبل نحو شهر من الانتخابات النيابية.

عملياً، تَرجَم هذا اللقاء أحد وجوه ما سبق أن لَوّح به جعجع بأنّ معراب لن تسير بأي قانون انتخاب لا يوافق عليه «الحزب التقدمي الاشتراكي». لاحقاً، كاد مشروع التلاقي الانتخابي أن يُنسف إلّا أنّ المصلحة المشتركة فرضت نفسها: جنبلاط احتاج الى حليف مسيحي قوي، ومعراب فتّشَت عن تحالف متين، مُتجانس مع «خطها»، يستثمر على المدى الطويل في السياسة.

ففي الوقت الذي كان «التيار الوطني الحر» يتنصّل من التحالف المحتمل مع رئيس «اللقاء الديموقراطي»، سلكَ الاتفاق الثلاثي «القواتي»-الاشتراكي-»المستقبلي» طريقه الى صناديق الاقتراع، بالتزامن مع إعلان الوزير جبران باسيل ما يشبه «الحرب الانتخابية» على الزعيم الدرزي ساعياً الى تحجيمه درزياً ومسيحياً.

منذ مطالبة جنبلاط عام 2005 بالافراج عن سمير جعجع بعد 11 عاماً في الاعتقال «من أجل المساهمة في المصالحة الوطنية»، كما قال يومها، مرّت العلاقة بدروب متعرّجة، جامعها الأساسي كان «ثورة 14 آذار». لكنها أفضَت أخيراً الى سلوك «الأوتوستراد السريع» نحو تفاهمات في الداخل أكثر واقعية وبراغماتية عنوانها الأول فصل سوريا عن العلاقة مع «حزب الله». هكذا جرى ربط نزاع سياسي بين المختارة والضاحية في مقابل «ربط ملفات» بين معراب و»حزب الله»، وجد ترجماته في أكثر من ملف في الحكومة التي توشِك أن توضع على «رفّ» الحكومات السابقة.

اليوم يخوض الطرفان «معركة بقاء» مشتركة ودفاع عن المكتسبات، داخل حكومة العهد الاولى، كما يسمّيها ميشال عون. تجمعهما، باعترافهما، «مصيبة» واحدة: العقل الاستئثاري في توزيع الحصص الحكومية عبر الترجمة «المحرّفة» لنتائج الانتخابات النيابية!

عملياً، وفي لحظة الاقتراب من تحديد الاحجام وحسم الحصص، قد يغطّ جعجع في كليمنصو في أي لحظة. الهموم المشتركة كثيرة، ولن يكون تفصيلاً أن يكون عنوانها الأول «مكافحة» سياسات العهد وأدائه، خصوصاً في خِضمّ مفاوضات تأليف الحكومة.

أمّا مرسوم التجنيس فشكّل نقطة الالتقاء الاكثر وضوحاً وإحراجاً لموقّعيه من خلال الطعنين المقدّمين من «الحزب التقدمي الاشتراكي» ثم «القوات اللبنانية»، في وقت يروّج الطرفان لواقع «أنّ معركة فَضح المرسوم «رابحة» ليس بخلفية النكد السياسي، لكن من منطلق كشف جانب من الذهنية التي تُدار بها الدولة في «العهد القوي» رافع شعار التغيير والشفافية».

أوساط معراب تُحاذِر كشف موقف جعجع الفعلي من مسألة أحقية جنبلاط أو عدم أحقيته في الحصول على الحصة الدرزية الثلاثية كاملة في الحكومة، «من باب الحرص على عدم التدخّل في شؤون البيت الدرزي وعدم إثارة الحساسية داخل الجماعات الطائفية. لكن إذا كان المعيار الميثاقي واضح لدى الشيعي والمسيحي، فلماذا لا يطبّق أيضاً في حالة جنبلاط الذي أثبت أنه لا يزال زعيم الطائفة ويحظى بالغالبية المطلقة من التمثيل الدرزي؟».

في المقابل، تعترف مصادر جنبلاط «أنّ «القوات» بات لديها كتلة نيابية كبيرة، ولديها الحق الكامل في أن تحظى بتمثيل وزاري وازن في الحكومة المقبلة».

تَصف المصادر العلاقة مع جعجع بـ»الجيدة جداً». لقد خضنا انتخابات نيابية معاً في عدد من الدوائر، وحققنا فوزاً مشتركاً، ونلتقي على كثير من الثوابت الوطنية وأهم التقاطعات المصالحة الوطنية في الجبل وضرورة الحفاظ عليها». ولـ»القوات»، في رأي المصادر، «مواقف متقدمة في هذا المجال قياساً على مواقف قوى أخرى لا تتمتع بالعقلانية ذاتها».

بالتأكيد ساهمت الانتخابات الماضية في ترسيخ الاقتناع الجنبلاطي بأنّ «التيار» يتصرّف وكأنّ المصالحة لم تتمّ، على عكس «القوات» تماماً. جبران الذي سأل عن «العظام» خلال زيارته قرى الشوف في أيلول العام الماضي واستحضَر الحرب الأهلية، كرّر في أكثر من محطة خلال زياراته المتكرّرة الى الجبل أنّ «المصالحة لا تكون بالتهويل والتهديد بها»!

لكن كيف يمكن أن يترجم التقارب «القواتي»-«الاشتراكي» في الحكومة المقبلة، خصوصاً أنّ جوهره الالتقاء على رفض سياسات العهد؟ الطرفان يرفضان منطق المحاور داخل الحكومة، ويتحدثان عن «تقاطعات قد تفرضها نوعية الملفات المطروحة». لهذا الموقف مبرّراته، خصوصاً أنّ لكل منهما تحالفاته والتزاماته مع قوى سياسية أخرى، لكنّ تردّي علاقة «التيار الوطني الحر» أخيراً مع الطرفين يسمح بهامش واسع من التوقعات، يَصل الى حدّ التسليم بأنّ الجلوس وجهاً لوجه داخل «حكومة العهد القوي» ستكون أثمانه مرتفعة.