IMLebanon

زيارة ميركل كرّستْ المظلّة الدولية للبنان

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: لم يُقلِّل الاهتمامُ اللبناني بالزيارة الاستثنائية التي قامت بها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لبيروت من حجْم الاندفاعة الأكثر وضوحاً في مسار تأليف الحكومة الجديدة عشية مرور شهر على تكليف زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري تشكيلها.

وجاء المناخ التفاؤلي بإمكان ولادة الحكومة خلال أيامٍ قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في اللحظة التي كانت المحادثات التي أجرتْها ميركل مع كبار المسؤولين في زيارة الـ 24 ساعة لبيروت تتكشّف عن تَمسُّك المجتمع الدولي باستقرار لبنان الذي يرتكز على «سيبة» ثلاثية قوامها: التزامه النأي بالنفس عن أزمات المنطقة، ومساعدته على تَحمُّل أعباء النزوح السوري ووضْعه على طريق النهوض الاقتصادي، وتشكيل الحكومة الجديدة بما يوجّه رسالة طمْأنة الى الخارج بأن «بلاد الأرز» لن تقع في أزمة سياسية قد تستدرج تعقيدات الواقع الأقليمي الى «الملعب اللبناني».

وحملتْ زيارة ميركل، التي التقتْ خلال زيارتِها كلاً من رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحريري، إشاراتٍ الى ثقة برلين والمجتمع الدولي بالرئيس المكلف كأحد العناصر الرئيسية في استقرار لبنان وعنواناً للتوازن الداخلي ببُعده الاقليمي وهو ما يحرص زعيم «المستقبل» على ترْجمته في الحكومة العتيدة التي يريدها بمعايير لا تسبّب أي «نقزة» دولية ولا تُظهِر اي اختلال فاضح في المشهد اللبناني لمصلحة إيران عبر حلفائها في الداخل وفي مقدّمهم «حزب الله».

وتمحورتْ محادثاتُ المستشارة الألمانية التي رافَقَها وفدٌ كبير من رجال الأعمال والمستثمرين، حول عناوين رئيسية أبرزها: الأزمة السورية وملف النازحين، ترسيم الحدود البرية والبحرية مع اسرائيل (ألمانيا تشارك بفاعلية في قوة اليونيفيل البحرية)، مؤتمر «سيدر 1» وضرورة انطلاق لبنان بمسار الإصلاحات للاستفادة من القروض الميسرة والمساعدات التي قدّمها، وآفاق الواقع اللبناني في ضوء مساعي تشكيل الحكومة والحفاظ على «أحزمة الأمان» التي يوفّرها الاحتضان الدولي له.

وشكّلت قضية النازحين المحور الأبرز الذي استقطب الأضواء ولا سيما في ضوء التباين اللبناني الذي ساد حيال التعاطي معه في ظلّ وضْع فريق عون موضوع عودتهم كأولوية رئيسية بمعزل عن الحلّ السياسي ربْطاً بوجود مناطق آمنة في سورية، وتفادي الحريري أي منحى صِدامي مع المجتمع الدولي حيال هذا الملف وبتّه من خارج المظلة الدولية وذلك في ضوء المسار «العقابي» الذي كان أطلقه وزير الخارجية جبران باسيل بوجه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

وارتكز موقف ميركل بإزاء قضية النازحين على ربْطه بالحل السياسي الذي «نريد ان نساهم في بلوغه في سورية في ما يمكّن من عودة النازحين»، مشيرة الى «ان عودة اللاجئين لا بد ان تحصل عند توافر الظروف الآمنة لهم»، ومضيفة: «من مصلحتنا المشتركة أن نجد حلاً سياسياً كي يكون الوضع أفضل في سورية، على الأقل كي نجهز الشروط والبيئة التي يمكن من خلالها أن يعود السوريون إلى بلدهم.

واذ أكدت في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقدتْه مع الحريري امس التزام مساعدة لبنان لتحمل أعباء النزوح، شددت على»أنّ «مؤتمر(سيدر)يقدّم أرضية مهمّة للتعاون ويجب الإيفاء بالإصلاحات الموعودة فيه (من لبنان)، وألمانيا ستساعد على تنفيذ الوعود المقدّمة تجاه لبنان».

في المقابل، بدا الحريري حريصاً على تقديم موقفٍ مدوْزن يراعي «المشترَك» في الموقف اللبناني وأيضاً السياسة التي تقوم على تشجيع المجتمع الدولي على مساعدة لبنان على بلوغ سكة النمو والنهوض الاقتصادي كأحدِ مرتكزات تَحمُّل عبء النزوح، معلناً «ان لبنان لا يسعى لأخْذ الأموال فقط للنازحين، وهو لذلك قدّم برنامجه الى سيدر الذي نلتزم بكل اصلاحاته، وننظر الى حلّ شامل للنهوض باقتصادنا ولا يمكن للبنانيين ان يتحملوا هذا العدد من النازحين بلا نمو بالاقتصاد ولذا التركيز على النمو وتعزيز القطاع الخاص».

وأعتبر «ان موضوع النازحين إنساني، وإذا لم نتعامل معه من هذا المنطلق نكون فقدنا إنسانيتنا، وكرؤساء ودول علينا واجب إنساني تجاه قضية النازحين ونحن متمسّكون بعودة آمنة وكريمة لهم. والأساس في كيفية حلّ موضوع النازحين وليس في كيفية تعقيده، ودستورنا واضح برفض التوطين ونسمع كلاما كثيراً عن ذلك منذ ايام اللاجئين الفلسطينيين، فهل وُطنوا؟ علينا احترام الدستور والعمل على عودة سريعة للنازحين بطريقة آمنة ولكن أيضاً علينا ألا ندير ظهرنا لإخواننا الذين وقفوا معنا في أحيان كثيرة، فنحن عشنا حرباً أهلية».

وكان لافتاً في كلام الحريري تأكيده في سياق آخر «اننا بحثنا في أوضاع المنطقة واكدت التزام لبنان بالقرار 1701 وشكرتها على مشاركة المانيا في اليونيفيل ودعمها للمحكمة الدولية الخاصة في لبنان»، موضحاً «ان القوى السياسية في لبنان تجمع على استقرار لبنان والتزام سياسة النأي بالنفس، وهي سياسة ستستكملها الحكومة المقبلة».

في المقابل، وفيما أبلغ عون الى ميركل، التي كانت تفقّدت مدرسة تعلّم أطفالاً لاجئين سوريين في بيروت، «ان لبنان لا يمكنه ان ينتظر الحلّ السياسي لما يجري في سورية لعودة النازحين، وتجربة اللاجئين الفلسطينيين ما زالت ماثلة أمامنا ولا نريد ان نموت والنازحون في لبنان» داعياً اياها للمساعدة «في دعم موقف لبنان الداعي لعودة النازحين الى المناطق الآمنة في سورية»، ذهب بري للتأكيد أمام المستشارة الألمانية على «رفع مستوى التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية لمعالجة هذه القضية».

ولم تحجب محادثات ميركل في بيروت الأنظار عن «الدفعة الى الأمام» التي ساد مناخ بأنها تحققت في عملية تأليف الحكومة منذ إعلان الحريري انه «فتح توربو» في هذا المسار، وأطلق سلسلة مشاورات، بالتوزاي مع انشغاله بزيارة المستشارة الألمانية، مع مختلف الأفرقاء قطعها ليل الخميس اذ توجّه في زيارة سريعة الى الأردن للمشاركة في حفل قران أخيه نورالنعيمي، من الزوجة الأولى لوالده الشهيد العراقية الأصل نضال البستاني.

وفي ملف التشكيل الوزاري ذاته، أكد الحريري بعد زيارته عون عصر أمس «اقترابنا كثيراً من المعادلة الأخيرة لتشكيل الحكومة، ولدينا بعض المشاورات، وأنا متفائل كثيراً».

ورغم تداول معلومات عن أن الحريري أبلغ بري إمكان حصول خرق في هذا الملف قبل نهاية الاسبوع، بقي الحذر يلفّ بعض الأوساط في ضوء تجارب سابقة كمنتْ فيها «الشياطين في التفاصيل» التي تتمثّل هذه المرة في بعض العقد ولا سيما حجم كتلة «القوات اللبنانية» في الحكومة والتمثيل الدرزي وحصْره بزعيم «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.

وأكدت أوساط مطلعة لـ «الراي» أمس «ان المناخ الإيجابي في الملف الحكومي حقيقي، وان الحريري يملك مسودة وتصوراً في شأن التشكيل الذي يواجه عقداً معروفة وانه يملك صيغاً عدّة لمخارج لهذه العقد، وان التفاؤل قائم والحكومة العتيدة في خطوطها العريضة لن تشكل اي نقزة للمجتمعين العربي والدولي وان الرئيس المكلف يُمسك بهذا الملف وخيوطه بالكامل».