IMLebanon

من يتآمر على “كازينو لبنان”؟ (رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

يعتبر كازينو لبنان من أفخر الكازينوهات وأشهرها عالمياً، تأسس سنة 1959. وهو ليس مقصدا للقمار فقط، بل وجه من أبرز وجوه السياحة اللبنانية، ومنبراً لإحياء أكبر الحفلات لأشهر الفنانين والمسرحيين العرب والعالميين. حمل إرثاً ثقافياً مهماً، فيه قدمت اشهر استعراضات مسرح “برودواي”. وعلى مسرحه وقف الرحابنة في مسرحية “ملوك الطوائف”، وعلى منبره رقصت فرقة كركلا، وفيه تقدم اليوم افخم الاستعراضات الفنية.

معلوم أن لشركة “إنترا” حصة الأسهم الأكبر في الكازينو والتي تبلغ 52% والتي يملك مصرف لبنان 33% من اسهمها. وباقي الأسهم توزع على بنك عوده، شركة أبيلا، وغيرهم من المساهمين.

المؤامرة!

إعادة تأهيل الكازينو وفتح باب التراخيص غير الشرعية!

وافق مجلس الوزراء بتاريخ 5/11/1993 على مشروع قانون يجيز للحكومة التعاقد مع شركة كازينو لبنان لاستثمار العاب القمار في صورة مؤقتة ولمدة 5 سنوات. وفي العام 1995 تم توقيع اتفاقية جديدة بين الدولة اللبنانية وشركة كازينو لبنان تعطي الأخيرة حق الاستثمار الحصري لألعاب الميسر في أرجاء لبنان كافة، خلال ثلاثين سنة من تاريخ التوقيع (14/7/1995)، على أن تحصل الدولة على 30% من المداخيل المباشرة في السنوات العشر الأولى و40% للسنوات العشر الثانية و50% للسنوات العشر الأخيرة، وتعود بعدها العقارات والتجهيزات للدولة اللبنانية.

في 4 كانون الأول 1996، أعيد افتتاح كازينو لبنان رسمياً بعد إنجاز المرحلة الأولى من إعادة تأهيله. وقد دشن الرئيس الياس الهراوي المناسبة.

قبل العام 2008 كان هناك نوعان من الصالات في كازينو لبنان، الصالات المحفوظة والصالات غير المحفوظة.(غير المحفوظة هي البالوعات أو السلوت ماشينز Slot machines). قبل العام 2008 كان الكازينو يدفع “مقطوعة” مليون ليرة على كل ماكينة موجودة في الصالات غير المحفوظة، فيما كان يسدد ضرائب على الصالات المحفوظة 30-40-50% من مدخول الكازينو وهذه الضرائب تزيد 10% كل عشر سنوات كما ذكرنا. فمن العام 1997 لغاية العام 2006 كان الكازينو يسدد 30%. من العام 2007 لغاية العام 2017 بدأ الكازينو يسدد ضرائب بنسبة 40%. ومن العام 2017 لغاية العام 2027 على الكازينو ان يسدد بنسبة 50%.

في العام 2008 فرضت الدولة على الكازينو تسديد ضرائب على الصالات غير المحفوظة أي على الـSlot machines بالنسبة نفسها التي تسدد عن الصالات المحفوظة، كما فرضت هذه الضرائب بطريقة “السلبطة” مع مفعول رجعي يعود الى العام 1996 تاريخ إعادة إفتتاح الكازينو. بمعنى، أن الدولة باتت تساوي بين الصالات المحفوظة وغير المحفوظة من دون أي مبرر. فدفع الكازينو في العام 2008، مبلغ 83 مليار ليرة لبنانية كمفعول رجعي عن الصالات غير المحفوظة. لكن هذا المبلغ جاء بعد تسوية أبرمها الكازينو مع الدولة اشترط فيها إقفال كل صالات ألعاب الميسر غير الشرعية في كل المناطق اللبنانية وخاصة المحيطة بالكازينو، لتقوية انتاجية الكازينو وضمان قدرته على دفع كل متوجباته للدولة اللبنانية، علماً أنه في ذلك الوقت، بدأت تعطى التراخيص التي ساهمت بتكاثر محلات الميسر غير الشرعية.

من يعطي التراخيص؟

الدولة التي قبلت بالشرط سرعان ما تبخرت وعودها، لا بل بدأت مراجع سياسية معينة إعطاء المزيد من الرخص لمحلات الميسر غير الشرعي. وفي هذا الإطار، كشف مصدر مسؤول في الكازينو لـIMLebanon محال الميسر غير الشرعية تحصل على تراخيص موقعة من وزارة الداخلية ومن محافظ المنطقة.

كازينو لبنان قرر عدم السكوت على تصرفات الدولة “المليشياوية”. فذهب إلى مجلس شورى الدولة، ورفع 3 مراجعات قضائية، الأولى في أيار 2013، الثانية في حزيران 2016، والثالثة في كانون الثاني 2017، طلب فيها إسترداد المال أو تنفيذ الدولة لالتزاماتها لجهة إقفال محلات الميسر غير الشرعية. علما أن عمل الكازينو محمي بالقانون، وله  حصرية الامتياز لممارسة القمار. إلا ان السلبي في القضية أن مجلس الشورى لم يصدر أي رأي أو حكم في أي من المراجعات حتى الآن، ولا تزال الفوضى تعمّ هذا القطاع، ولا يزال كازينو لبنان يعاني من حرب مباشرة عليه، ولا تزال الدولة تتآمر على الكازينو وتشل قدرته الانتاجية.

وفي معلومات خاصة لـIMLebanon أن رئيس مجلس إدارة الكازينو رولان خوري قام بمراجعة الرؤساء الثلاثة ميشال عون وسعد الحريري ونبيه بري، لكنّ الزيارات اقتصرت على الدعم الكلامي من دون أي ترجمة فعلية على الأرض.

حجم الضرائب!

يسدد كازينو لبنان سنوياً إلى الدولة اللبنانية مستحقات ضريبية تتراوح بين 60 و 80 مليون دولار، وذلك بحسب نسب الأرباح التي يحققها. هذا يعني أن السماح بتكاثر المحال غير الشرعية، سيؤدي إلى انخفاض انتاجية العمل في كازينو لبنان، وبالتالي انخفاض نسبة الفوائد المالية التي تعود إلى الدولة، لصالح مافيا المحال غير الشرعية. علما أن مساواة الكازينو بنسب الضرائب التي تفرض على المحال غيير الشرعية، سيؤدي إلى أن يدفع سنوياً مبلغ 400 ألف دولار.

وبالفعل، فإنّ فعالية وانتاجية الكازينو كما قلنا بدأت بالتراجع، يمكن تقسيمها لسببين، داخلي وخارجي. خارجياً، بسبب افتتاح العديد من الدول المجاورة من لبنان كازينوهات حيث باتت تشكل منافساً في هذه اللعبة، بعدما أصبحت مقصداً لرواد القمار ومنها قبرص، أما داخلياً، والأخطر، هو ما نتكلم عنه، تزايد محال الألعاب والقمار في لبنان، وخصوصاً في محافظة جبل لبنان، والتي تنشأ بفعل تراخيص ذات تنفيعات “سياسية” وليس قانونية، علماً أنّ القانون منح كازينو لبنان حق الاستثمار الحصري لألعاب الميسر.

المسؤولية الاجتماعية للمحال غير الشرعية!

هناك مسؤولية اجتماعية للكازينو، وهي بشكل أساسي الحفاظ على واجهة لبنان السياحية والثقافية. ومعلوم، أن كل النشاطات في الكازينو من لعب الميسر والترفيه وغيره تُمارس بمسؤولية، وهو ملتزم قانون “القمار”. بينما “دكاكين” الكازينوهات العشوائية تشوه صورة لبنان لما تحمله من استغلال رخيص وما تمثله من وجهة ضياع للشباب والعائلات، ناهيك عن الخسارة الكبيرة التي تلحق بمالية الدولة.

فمساوئ وجود المحال غير الشرعية أن أبوابها مفتوحة لكل الزبائن، واماكن تواجدها غير مدروسة. فبخلاف كازينو لبنان، البعيد نسبياً عن أي تجمّع سكني، فهذه المحال لا تخضع لمراقبة دقيقة من الدولة، فيدخلها القاصرون، والمطلوبون، والعسكريون، ومحدودو الدخل وغيرهم من دون أي رادع. فيما على الصعيد المالي، هي أيضاً غير مضبوطة، لأن الضريبة تكون عادة مقطوعة، بمعنى أنها تدفع مليون ليرة عن كل ماكينة، وهو الأمر الذي يسمح لأصحاب هذه المحال اللعب ببرمجة الماكينات، او حتى رشوة موظفي الضرائب، لتقليل عدد الماكينات.

في المقابل، رقابة مشددة مفروضة من قبل الدولة على كازينو لبنان. فهو يخضع لرقابة ضريبية من قبل وزارة المالية، حيث يوجد بشكل يومي مراقبون لها، يداومون داخل الصالات.

أمنياً، إلى جانب أمن الكازينو الخاص، الذي يشرف ويراقب كل ما يحصل داخل الصالات من خلال كاميرات موجهة على الطاولات والماكينات، فإن عيون اجهزة الدولة اللبنانية لا تنام، وهي ساهرة على مدار الساعة في الكازينو، وخصوصاً مخابرات الجيش، لضبط أعمال الكازينو والحرص على عدم إدخال قاصرين أو مطلوبين أو مشتبه بهم أو ممن ينتمون إلى السلك العسكري والقطاع العام، أو أصحاب الدخل المحدود وغيرهم من الاشخاص المحظور دخولهم إلى صالات الألعاب. وهي ميزات مفقودة في المحال والعاب القمار غير الشرعية.

لا يملك كازينو لبنان دراسات دقيقة تقدّر عدد المحال غير الشرعية وخريطتها الجغرافية، لكنّ مصدرا مسؤولا في الكازينو أفاد بأنها قد تصل إلى الـ1000، موزعة على كل مناطق لبنان، وتتكاثر في جبل لبنان. كما لا يملك الكازينو دراسة دقيقة عن مدى خسارة الدولة من أموال جراء تزايد هذه المحال، إلا أن أرقامه تقدّر الخسارة بما لا يقل عن 200 مليون دولار سنوياً.

إذاً، يعاني كازينو لبنان من ارتفاع في الضرائب، فيما للمحال غير الشرعية امتياز تدني الضرائب. وفي مقارنة بسيطة بين كازينو لبنان والمحال غير الشرعية يمكن استنتاج الآتي:

يحرص كازينو لبنان على شراء أفخم وأحدث الماكينات التي تعتمد في تشغيلها على برامج محصنة لا يستطيع أحد التلاعب لا في برامجها ولا في خرق نتائجها،(نتائج ربح أو خسارة الزبون)، بينما في محلات الميسر غير الشرعية، يطرح سؤال كبير ومهم، من أين تأتي هذه المحال بماكيناتها؟ كيف تدخل الى لبنان؟ ما هي برامجها؟ من يضع برامج العمل فيها؟ من يخطط وينفذ هذه البرامج؟

في المقابل، فإن ضبط الأشخاص الذين يسمح لهم بالدخول الى هذه الاماكن أمر مهم، فكما ذكرنا أن الكازينو له جهاز كبير لضبط مستوى الأعمار وتحديد الأشخاص الذين يسمح بدخولهم، فلا رقابة موجودة على المحال غير الشرعية لجهة مستوى الأعمار، وهوياتهم، ووضعهم العائلي والمادي…

كما ان الرقابة داخل الصالات غير جدية، فلا شيء يضمن للزبون أن اصحاب هذه المحال لا يقومون بعمليات غش. هذا إضافة إلى معلومات كما يؤكد مصدر مسؤول في الكازينو لـIMLebanon عن وجود أعمال غير شرعية كتجارة المخدرات، أو غير أخلاقية كتجارة الجنس.

الحلّ!

لكازينو لبنان متوجبات ضريبية للدولة، ولكن إن نسي البعض، فليتذكر أن للكازينو أيضاً متوجبات كبيرة لموظفيه، استناداً إلى مبدأ إعطاء الموظفين أرباحا إضافية على رواتبهم، حيث أن كلّ موظّف يتقاضى 70% كأرباح اضافية من أساس راتبه في كلّ شهر، وبعض الموظفين تصل النسبة التي يتقاضونها الى 130%، ناهيل عن المسؤولين والمديرين، فيما يدر على مالية الدولة اللبنانية أموالاً ضخمة، تساعد في ركيزة البنيان الاقتصادي والمالي للدولة اللبنانية.

من هنا، يطلب القيمون على كازينو لبنان أن يتم التعاطي مع ملف محال الميسر غير الشرعية التي تفشت كالمرض في المناطق، بطريقة جدية من قبل الدولة، التي هي الخاسر الأول، فتكون المرجع الذي يحمي الكازينو، وليس الجهة التي تتآمر عليه.