IMLebanon

“حرج وشرشحة” في أي جلسة نيابية عامة!

يسود اعتقاد لدى أوساط سياسية لبنانية أن التأخير في تشكيل الحكومة اللبنانية أخذ يرخي بآثاره السلبية على الوضع الاقتصادي الصعب أصلاً، وسيأكل من رصيد الرئيس المكلف تأليفها سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون، ومن الطبقة السياسية برمتها، بعد أن كانت القيادات السياسية قاطبة وعدت بتسريع ولادتها للانكباب على معالجة الملفات الاقتصادية الملحة وفي طليعتها الكهرباء.

وعلى رغم أن المنطق يفترض أن من مصلحة جميع الفرقاء إيجاد مخارج من العقد التي تمنع ولادة الحكومة، كي يتم الإقلاع بالمعالجات الموعودة بدءاً بالإصلاحات الاقتصادية والمالية، فإن نواباً ومسؤولين التقوا رئيس البرلمان نبيه بري في اليومين الماضيين نقلوا عنه قرفه من الوضع الذي آلت إليه الأمور. وقال أحد الزوار إنه يتحدث بألم وأسى عن التجاذب الحاصل حول الحصص الوزارية ويعتبر «أننا نتلهى بأمور ثانوية أمام المخاطر المحدقة بالبلد اقتصادياً، ولا شعور بالمسؤولية في التعاطي مع ما ينتظرنا من استحقاقات». وكرر بري القول «إننا سهلنا عملية التأليف ولم ندخل في بازار التوزير كما يفعل بعضهم، ومع أن كتلتنا تضم 17 نائباً اكتفينا بـ3 وزراء، مع أن المعيار الذي يضعونه يعطينا أكثر، وكذلك «حزب الله»، فنحن نسهل وغيرنا يتلهى بتناتش الحصص». ويشير زوار رئيس البرلمان إلى أنه يريد وضع الجميع عند مسؤولياتهم «ولا يجوز أن يبقى شخص واحد يتحكم بالوضع ويتقاتل مع جميع الفرقاء. ولذلك قلت إني سأدعو البرلمان إلى انتخاب اللجان النيابية التي كنا أجّلنا تشكيلها في انتظار تشكيل الحكومة. وقد أدعو الهيئة العامة إلى جلسة مناقشة عامة للبحث في ما آلت إليه جهود تأليف الحكومة».

ويقول أحد زوار بري إن تلويحه بالدعوة إلى جلسة مناقشة عامة رسالة سياسية للجميع بوجوب انطلاق العمل الحكومي بعد الانتخابات ووقف عرقلة التأليف والإقلاع عن سياسة وضع الناس تحت الأمر الواقع عبر محاولات فرض الشروط على سائر الفرقاء. ويشير مصدر سياسي اطلع على موقف بري إلى أنه يدرك سلفا أن أي جلسة نيابية عامة ستؤدي إلى كشف الكثير من المواقف وتصعد التجاذبات وتؤدي إلى ظهور الخلافات حول الحصص الحكومية للملأ، ما سيسبب حرجاً و «شرشحة» للبعض، لكنه لن يلجأ إلى هذه الخطوة إلا إذا اضطر إليها.

التدخل الخارجي… إذا طالت

ويؤكد المصدر السياسي نفسه أن بري ليس في وارد الأخذ برأي نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي الذي يدعو منذ أيام إلى أن يلتئم البرلمان، لأن في إمكانه نزع التكليف من الرئيس الحريري، في إطار ضغوط يمارسها فريق موال للقيادة السورية وحليف لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، على الرئيس المكلف كي يأخذ بمطالب «التيار» ويتخلى عن اقتراحاته في شأن تمثيل «القوات اللبنانية» ومطلب «الحزب التقدمي الاشتراكي» حصر التمثيل الدرزي به. وذكرت المصادر أن الرئيس بري يدرك أن هذه الدعوات لإسقاط تكليف الحريري مخالفة للدستور ولا تستقيم. كما يقول مصدر وزاري وثيق الصلة بـ «حزب الله» أن الأخير ليس في مناخ السعي لإبعاد الحريري عن رئاسة الحكومة. وبالتالي فإن الدعوات لذلك لا حظوظ لها في النجاح.

ويشير المصدر إلى أن بري ما زال عند رأيه بأن العراقيل أمام الحكومة داخلية وليست خارجية، وكان يجب أن تكون الحكومة تشكلت الآن.

إلا أن المصدر السياسي نفسه، بمعزل عما يقوله بري، يعتقد أنه إذا استمر مناخ العرقلة فإن التدخلات الخارجية ستعود عندها لتطل برأسها في إطار محاولات تفكيك العقد، ويؤدي ذلك إلى إدخال التأليف في سياق ما يجري في المنطقة، وعلى ضوء ما يحصل في سورية، واستناداً إلى ما يحكى عن تسويات دولية في شأن الوضع الإقليمي، وعندها تأخذ الأمور منحى آخر غير مأمون النتائج ويقحم البلد في دوامة هو بغنى عنها.

ويعتبر أحد وزراء حكومة تصريف الأعمال أن العقدة الأساس، «مهما تحدثنا عن عقدة درزية أو عقدة تمثيل النواب السنة الذين هم خارج كتلة «المستقبل» النيابية، تبقى عقدة التمثيل المسيحي والخلاف على الأحجام بين «التيار الوطني الحر» وبين «القوات اللبنانية». ويقول إن الوزير باسيل يشترط مقابل تصور الحريري الحكومي أن تحصل «القوات» على 4 وزراء وأن يحصل «التيار» على ضعف حصتها، لأن عدد نواب تكتل «لبنان القوي» هو ضعف عدد نواب «القوات»، وأن يسمي الرئيس عون 5 وزراء (من بينهم واحد سني)، بدل ثلاثة كما جاء في اتفاق «معراب» السري والذي نشر الأسبوع الماضي، ما يعني حصول فريق واحد على 13 وزيراً، فماذا يبقى للآخرين من الفرقاء المسيحيين؟ ويضيف: «الواضح أن شروطاً كهذه هي من باب التصعيد والتعجيز ليس إلا. وليس معقولا أن يكون «التيار» وافق على أن يكون لـ «القوات» 3 وزراء زائد واحد حليف في الحكومة السابقة في وقت كان عدد نوابها ثمانية، وأن تحصل على أقل من ذلك (3) فيما عدد نوابها بات 15». وكشف الوزير أن المناورة الثانية التي طرحها باسيل هي حصول حزبه على 6 وزراء مع 5 للرئيس عون بحيث يتمكن من توزير النائب طلال أرسلان أو من يمثله، مثل الوزير السابق مروان خير الدين من حصته، إضافة إلى الوزير السني وثلاثة مسيحيين، ليضمن الثلث المعطل في الحكومة الأمر الذي يستحيل أن يقبل به الرئيس بري و «حزب الله». والصيغة الممكنة هي تخصيص 6 مقاعد لـ «التيار» وثلاثة لعون.

ويقول الوزير نفسه إن الأوساط المتابعة لتفاصيل التأليف عادت للتساؤل إزاء شروط باسيل: «هل نحن أمام رئيس واحد للجمهورية أم أننا نتعاطى مع رئيسين، إذ يمارس باسيل ضغوطاً باسمه وباسم عون من دون أن يبادر الأخير إلى تسلم زمام المبادرة، أو أحياناً يلاقيه في مطالبه؟

صلاحيات الرئيس المكلف

وفيما تحدثت معلومات عن أن الحريري تعاطى بصبر في شأن الخلاف بين «التيار الحر» و»القوات اللبنانية» وانتظر أن تؤدي التهدئة التي عمل من أجلها بينهما إلى حلحلة العقد إذا ما حصل الحوار بين الفريقين، «لكنه لم يعد قادراً على الانتظار أكثر» بحسب قول الوزير نفسه. ويضيف: «صحيح أن الحريري يشيع أجواء من التفاؤل بقرب معالجة عقد التأليف لكنه لن يقف متفرجاً ويعتبر أنه مسؤول أمام الناس، وسيبادر إلى خطوات للخروج من الجمود».

لكن مصادر سياسية أخرى تتحدث عن نشوء مناخ في الأوساط الإسلامية المعنية بدعم موقف الحريري، بأن ضغوط المطالب التوزيرية والطريقة التي يتم التعامل معها أخذت تمس بصلاحيات الرئيس المكلف في التأليف.

وفي رأي هذه المصادر أن هناك مقاربتين لمسألة الصلاحيات في التأليف تؤديان إلى تزايد إثارة هذه المسألة وسط حرص من الحريري على عدم طرحها في شكل يؤدي إلى خلاف مع الرئيس عون. الأولى هي أن إصرار الرئيس عون على أن تسمية نائب رئيس الحكومة الأرثوذكسي هي من مسؤوليته وفقاً للعرف، لقيت رفضاً من الحريري حين كرر أكثر من مرة أنه لا يعترف إلا بعرف واحد هو توزيع رئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة على الموارنة والشيعة والسنة (والأمر ينطبق أيضاً على القول إن العرف يقضي بإسناد حقيبة المال إلى الطائفة الشيعية)، فالحريري يعتبر أن معالجة هذه الأمور، بما فيها حق الرئيس في أن يكون له وزراء، يأتي من باب التسويات السياسية لا العرف، هو ما أطلق تصريحات من شخصيات إسلامية تشدد على صون صلاحيات رئيس الحكومة وعدم المس بها وعلى التمسك باتفاق الطائف. وتقول المصادر إن ما يدور في الأروقة على هذا الصعيد ساهم في تشجيع رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة على اقتراح عقد اجتماع رؤساء الحكومة السابقين مع الحريري «للتضامن معه قبل أسبوعين. وتفيد المصادر بأن العديد من الشخصيات السنية فاتحت دار الفتوى في شأن قلقها من التعرض لصلاحيات الرئاسة الثالثة.

أما المقاربة الثانية فتنبه إلى التلميحات التي يخرج بها الوزير باسيل أحياناً غامزاً من قناة الحريري، لا سيما حين رفض هو والرئيس عون تصور الحريري بإسناد 4 وزارات الى «القوات اللبنانية» وبتسمية «الحزب الاشتراكي» الوزراء الدروز الثلاثة، وقال باسيل إنه إذ أراد أحد إعطاء فرقاء حصة أكبر مما يعتبره «التيار الحر» حجمها، فليكن ذلك من حصته هو، قاصداً بذلك الرئيس الحريري. وترى المصادر التي توقفت عند هذا الموقف، أنه موقف ضاغط على الرئيس المكلف هدفه وضعه أمام الأمر الواقع لفرض وجهة نظر رئيس «التيار الحر» في الصراع المسيحي عليه، في وقت يسعى الحريري إلى تأليف حكومة وفاق وطني تتصدى للتحديات التي تواجه البلد. وتختم المصادر بأن ممارسة الضغوط على الحريري تتناغم مع حملة عليه لتحميله مسؤولية التأخير، بالدعوة إلى إسقاط تكليفه، بينما تسعى قوى إسلامية أخرى إلى استغلال ما تعتبره تساهلاً من قبله مع شروط ومطالب باسيل، لتوجيه اللوم إليه.