IMLebanon

تشكيل الحكومة… دوران في الحلقة المقفَلة

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

لا تكاد «هبّةُ تبريدٍ» أن تلفح «جبهة» الخلاف بين «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) وحزب «القوات اللبنانية» حتى «تشتعل الجبهة» بين «التيار» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط، في ما يشبه «سباق الحرائق» الذي يدور على تخوم أزمة تأليف الحكومة العتيدة في لبنان التي يُخشى ان تكون «علقتْ» في شِباك مسارات الترتيبات الجديدة للمنطقة وأزماتها والتي تتم على قاعدة مزدوجة: معاودة ترسيم مناطق النفوذ وتقاسُم المصالح بين اللاعبين الدوليين الكبار ولا سيما واشنطن وموسكو، واحتواء نفوذ طهران الذي انفلش على امتداد «قوس النار» وساحاته الملتهبة وذلك فق رؤية مشتركة بين الولايات المتحدة ودول الخليج.

وفيما تتصاعد اللهجة ضدّ إيران و«حزب الله» عشية قمة دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، سواء من الإدارة الأميركية أو من السعودية التي أعلن سفيرها لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي ان بلاده «ستتصدى لميليشات(حزب الله)اللبناني في كل مكان وتفضح ممارساته أمام المجتمع الدولي»، متّهماً الحزب «بالسعي لزعزعة استقرار الأمة العربية»، تتزايد المخاوف في بيروت من أن يتحوُّل لبنان «ساحة مقايضاتٍ» انطلاقاً من الأفق المقفل في الملف الحكومي و«الفتائل» التي يرتبط عبرها بأزمات المنطقة، كما من أن تشتدّ لعبة «عضّ الأصابع» بين اللاعبين المحليين في إطار صراع الحصص والأحجام الوزارية إما لتكريس توازناتٍ بمعزل عن الوقائع الجديدة التي ستؤسس لها قمة هلسنكي الاثنين أو لتفادي تأليف أيّ حكومةٍ تعكس اختلال موازين القوى لبنانياً لمصلحة «حزب الله» ومن خلفه إيران.

وعلى خلفية هذه الأبعاد الكبرى تراوح التعقيدات في عملية تأليف الحكومة ومَن يتحكّم بـ «مفاتيح» أساسية فيها عبر «بلوكات معطّلة» من 11 وزيراً كما يطالب «التيار الحر» (6 وزراء لتكتله النيابي أي «لبنان القوي» و 5 حصة رئيس الجمهورية) في حين يزداد الهمْس حول مسار لجعْل الترجمة الفعلية لـ «الانقلاب الناعم» لفريق 8 آذار (حزب الله وحلفاؤه) عبر الانتخابات النيابية تتجلى، أقلّه في حصة من عشرة لفريق الرئيس عون وعشرة لـ «حزب الله» وحلفائه الخلص وعشرة للرئيس المكلف سعد الحريري و«القوات» و«التقدمي»، وهو ما سيعني تحويل الحريري مجرّد «كيس رمل» لتلقي الصدمات عن الحزب في غمرة توقُّع اشتداد الهجمة الخارجية عليه، ورئيساً لحكومة «انكسار التوازنات» لمصلحة إيران وهو يتنبّه له على ما يبدو الحريري بإصراره على تشكيلة بمعايير سياسية وليس نسبية تستند الى التسوية التي أنهت الفراغ الرئاسي بتوافق القوى الرئيسية التي ثبتت أحجامها في الانتخابات.

ولم يكن عابراً كلام الحريري أمس في جلسة افتتاح الدورة 26 للمنتدى الاقتصادي العربي عن ان «مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية تبدأ بالتوقف عن هدر الوقت، ووضع تأليف الحكومة موضع التنفيذ»، معلناً«اننا أمام خيار من اثنين: إما الاستسلام للواقع الحالي وللصعوبات التي تواجه لبنان. وإما النهوض بلبنان، وأنا لن أستسلم»، علماً ان الرئيس المكلف كان تبلّغ من سفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان اول من امس أملهم في أن يتم قريباً«تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة ومتوازنة لتمكّن لبنان من متابعة الاصلاحات المطلوبة».

وغداة إعلان رئيس «القوات »الدكتور سمير جعجع بعد زيارته ليل الاربعاء الحريري ان الأخير«ليس في وارد الاعتذار ولن يشكل حكومة غير مقتنع بها ولا تعطي الصورة المطلوبة عن لبنان»، كان المقرّ الصيفي للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الديمان يشهد لقاء بين«عرابيْ»تفاهم معراب (بين التيار الحر والقوات) الوزير القواتي ملحم الرياشي والنائب ابرهيم كنعان، خلص الى تأكيد ان لا عودة عن المصالحة المسيحية وأن الاختلاف السياسي وحول الحكومة او غيرها لا يجوز ان يتحوّل خلافاً.

وأشارت معلومات الى ان اللقاء الثلاثي تخلّله عرض مسار تفاهم معراب (كان مهّد لانتخاب العماد عون رئيساً) ومكامن الخلل في تطبيقه، وان الرياشي وكنعان أقرّا بأنه يحتاج لإعادة تقييم لمسار التطبيق، وهو ما بدأ القيام به تمهيداً للقاء قيادتي الحزبين اللتين أبلغتا الى الديمان التمسك بتحصين المصالحة.

وفيما نُقل عن مصادر الديمان«ان خلاف الدم ولى والمصالحة نهائية وثابتة أما تفاهم معراب فليس بإنجيل بل اتفاق سياسي قابل للنقاش»، وان الكنيسة مع توسيع قاعدة التفاهمات كي لا يبقى التفاهم ثنائياً، تمت تلاوة رسالة حمّلها الراعي للمعنيين في الفريقيْن تتضمن«تأكيد المصالحة التاريخية والأساسية بين القوات والتيار وعدم تحويل اي اختلاف سياسي الى خلاف والتشديد على ان تُستكمل بالتوافق الوطني الشامل»، و«وقف التخاطب الاعلامي الذي يشحن الأجواء على مختلف المستويات بما فيها شبكات التواصل كافة»، و«دعوة الطرفين لوضع آلية عمل وتواصل مشترك لتنظيم العلاقة السياسية على ان تشمل جميع الأفرقاء بلا استثناء»، والمطالبة بـ«الاسراع بتشكيل الحكومة وفق المعايير الدستورية».

وإذ تشخص الأنظار الى الترجمات العملية لهذا اللقاء على مستوى تذليل العقدة المسيحية حكومياً وسط معلومات عن ان الاجتماع تخلله طرْح عدة حلول مع حفظ صلاحيات الرئيس المكلف، فإن أوساطاً سياسية لا تترقب أي نتائج سريعة تسمح بالإفراج عن الحكومة، ولا سيما في ظلّ الإشارات«الساخنة»غير المسبوقة التي برزت من«محور»التيار الحرّ – التقدمي بعد انتقاد جنبلاط مساء أول من أمس إثر زيارته الحريري رئيس التيار الوزير جبران باسيل معتبراً ان«من الأفضل أن يعمل فقط في الخارجية وألا يتعاطى بالاقتصاد ويدمره»، ومشيراً الى أن«التلاعب بعواطف الناس والقيام بحلقات للتهجم على الاقتصاد والتبشير أن الاقتصاد على باب الانهيار بسبب النازحين السوريين، هذا خطأ».

واستدرج كلام جنبلاط الذي كشف أيضاً انه أبلغ الى الرئيس عون في لقائهما الأخير عدم قدرته على السير بأي تسوية على قاعدة التنازل عن وزير درزي (يصرّ على حصر التمثيل الدرزي بكتلته وحزبه) ردوداً متفجّرة من نواب الطرفيْن لم تخلُ من الاستعانة بـ«الحيوانات» على أنواعها في هجاء قلّ نظيره في الحياة السياسية اللبنانية.