IMLebanon

كيف نثق بهم؟! (بقلم رولا حداد)

نعيش في لبنان قمة الديماغوجية السياسية. السياسيون والأطراف السياسية الحاكمة يشكون من الأوضاع الاقتصادية والمالية الخانقة التي يمرّ بها لبنان، ويطالبون بتشكيل سريع للحكومة، لتتصدى هذه الحكومة لهذه المشاكل!

الخلاصة الوحيدة أن هؤلاء السياسيين “يستغشموننا” نحن الشعب اللبناني! من هم سبب مآسينا وتردي أوضاعنا الاقتصادية والمالية والاجتماعية يريدون أن يوهموننا أنهم هم أنفسهم من سيقوم بإصلاح ما اقترفته يداهم وجشعهم وفسادهم!

ينسى هؤلاء السياسيون والمسؤولون أن أكثريتهم كانت في الحكم على الأقل منذ العام 1992، ومنهم يشارك منذ ما قبل الـ1992، ومنهم من انضم إلى جنّة الحكم ما بين العامي 2005 و2008. فماذا تحقق طوال تلك الأعوام؟ بين عامي 1992 و2004 ارتفع الدين العام من مليار دولار إلى حوالى 40 ملياراً، ومنذ العام 2005 وحتى اليوم تضاعف الدين العام ليتخطى الـ85 مليار دولار، ومن ثم يأتينا من كانوا في السلطة طوال المراحل الماضية ليشتكوا مما حصل ومن وصول الدين العام إلى أرقام قياسية!

منذ انتهاء الحرب في العام 1990 لم يتمكن السياسيون اللبنانيون والحكومات المتعاقبة على مدى 28 عاماً من تأمين الكهرباء والماء للبنانيين في ظاهرة غير موجودة حتى في أكثر دول العالم الثالث تخلفاً، ومن ثم يأتون اليوم ليطالبوا بمزيد من الأموال لمحاولة حلّ المعضلات التي أنفقوا عليها من خزينتنا حوالى 40 مليار دولار وفشلوا في معالجتها، لا بل تفاقمت أوضاعها… ولا يخجلون!

والأسوأ من كل ذلك أنهم يتراشقون باتهامات والفساد، من دون أن نرى فاسداً واحداً في السجن، ومن ثم يتحالفون ويتضامنون في الانتخابات النيابية ليعيدوا إنتاج أنفسهم وتقاسم السلطة وجبنة السلطة، قبل أن يلوموا الشعب ويتهموه بالتقصير!

يستلم طرف ما وزارة على مدى أكثر من 10 سنوات ويفشل في حل مشاكلها، ويصرّ في الوقت نفسه على إبقائها ضمن “حصته” الوزارية. ويستلم طرف آخر وزارة أخرى وتطفو فيها روائح الفساد بشكل مقزز، ومن ثم يصرّ على إبقائها من ضمن “حصته” الوزارية، لا بل يتأمرون جميعاً على “تقاسم المغانم” فيما الشعب اللبناني يئنّ نتيجة غياب الخدمات وارتفاع الضرائب والتضخم والبطالة، ولا همّ لهم سوى تعطيل البلد للحفاظ على “حصصهم” و”مكاسبهم” ومنطق “من بعد حصتي ما ينبت حشيش”!

كيف يمكن لنا أن نولي ثقتنا للطبقة السياسية نفسها التي للأسف أعادت إنتاج نفسها بالتكافل والتضامن فيما بينها في الانتخابات النيابية الأخيرة؟ هم يستثيرون في اللبنانيين الغرائز الطائفية والمذهبية، ويتقنون فنون التجييش الداخلي ليبقوا فقط في السلطة، فهل من يثق بهم بعد؟

الثابت أن هذه الطبقة التي تسببت بكل الويلات التي يعاني منها لبنان اليوم من المستحيل أن تسهم في خلاصه مما يعاني منه، وبالتالي من سابع المستحيلات أن نشهد تغييراً في الذهنية والأداء السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي، وأن نصل إلى الشفافية واعتماد آليات محاسبة من دون تغيير جذري في الطبقة السياسية، عبر اقتناع “الجماهير اللبنانية المتحدة” بأن لا “الغيتوات الطائفية” ستبني بلداً ولا التبعية العمياء للزعماء والأحزاب ستوصلنا إلى دولة عصرية تحترم مواطنيها بكل انتماءاتهم وتقدّم لهم ما يليق بهم من خدمات وازدهار.