IMLebanon

اللجان النيابية… دور حاسم ومواكبة لحاجات الدولة والناس! (رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

تعتبر السلطة التشريعية أساس الحياة السياسية في لبنان، وهي تضم في هيكليتها إضافة إلى النواب، أجهزة إدارية يمكن العمل من خلالها على التشريع ومواكبة حاجات المجتمع والحكم. وهي بشكل أساسي اللجان النيابية والهيئة العامة.

عند انتخاب نواب الأمة، يصار إلى انتخاب ما يسمى الهيئة العامة واللجان النيابية ومقرريهم. فما هو دورها وما هي الآليات المتبعة لإصدار القوانين؟

1- اللجان النيابية

توكل إلى اللجان النيابية مهمّة التشريع والرقابة. فيها تتم دراسة ومناقشة مشاريع واقتراحات القوانين التي تحال إليها من رئاسة المجلس بتأنّ. إشارة إلى أن مشاريع القوانين أي Projet de loi تأتي من الحكومة، واقتراح القانون Proposition de loi يأتي من النواب.

يمكن أن تبدي اللجان رأيها في تلك النصوص وعليها تقديم التعديلات والإضافات التي تراها ضرورية على النصوص المحالة عليها، وهي في نهاية المطاف تقدم للهيئة العامة رأيها في التقارير التي تدرسها فإذا كانت الكلمة الأخيرة في المجال التشريعي تعود للبرلمان ككل فالحقيقة انه في غالب الأحوال يذهب البرلمان دائما في الاتجاه الذي رسمته اللجان الدائمة مسبقا حيث تلعب دور المختبر (أي المعمل) التشريعي بحسب رجل القانون الدستوري Barthélèmy.

هي إذا “مطبخ” المجلس. فيها تُرسَم مشاريع واقتراحات القوانين. وكل قانون يمر في الهيئة العامة لمجلس النواب في ساعة أو ساعتين، يكون قد أمضى مئات الساعات في اللجان. البعض يصف اللجان النيابية بأنها “ظل المجلس” الذي تتّكل عليه الهيئة العامة لإعداد النصوص التي ستقرّها الهيئة العامة على شكل قوانين.

-أهمية اللجان “سياسياً” ومشكلتها في آن!

نظريا، يجب أن تكون اللجان في منأى عن السياسة. وبالتالي لا يجب أن تدخل الأخيرة في عمل المشرّع. والعمل يجب أن يكون قانونياً. لكن عملياً فإن الواقع عكس ذلك تماماً. اذ تحرص كل كتلة نيابية في المجلس على وجود نائب ممثل عنها في أي جلسة لجان.

من يقرأ في كتاب مجلس النواب يرى هذه الاعتبارات بشكل واضح اذ يقول “لقد روعيت التوازنات السياسية والطائفية أكثر مما روعيت الكفاءات العلمية والقدرات المهنية التي يتطلبها الاختصاص داخل عمل اللجان. ورغم المحاولات التي بذلت للإتيان بأعضاء لجان على مستوى عال من المهارة والكفاءة إلا أن الأمر خاضع للمعايير السياسية والطائفية وما يرافق ذلك من مناورات وتطبيقات أصبحت جزءاً من تراثنا البرلماني التقليدي”…

وبالتالي، المشكلة الأساسية في اللجان تكمن في أن عضويتها ورئاستها تخضعان للمحاصصة الطائفية والسياسية. وفي هذا المجال تحديداً، لا تتم مراعاة اختصاص النواب، ولا مدى تطابق خبراتهم العملية مع طبيعة اللجنة التي يتم انتخابهم لعضويتها. الأولوية تُحسب للمحاصصة السياسية، وتحديداً في اللجان الأساسية التي لأعمالها طابع سياسي.

بدأ العمل باللجان النيابية في العام 1922 مع انتخاب المجلس التمثيلي الأول، وبدأ العمل بـ4 لجان، هي اللجنة المالية ولجنة العدلية والإدارة العامة، ولجنة الأشغال العمومية، ولجنة الصحة والمعارف، ليصبح 16 لجنة اليوم.

-تأليف اللجان وانتخابها

فكرة إنشاء اللجان النيابية الدائمة، هي فكرة فرنسية بالدرجة الأولى تعود إلى القرن التاسع عشر، وتحديداً إلى الدساتير الفرنسية، ومع إنشاء المجلس التمثيلي الأول سنة 1922 اقتبس العمل بمهام اللجان النيابية عن دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة الصادر سنة 1875.

وحددت المادة 19 من النظام الداخلي انه “في الجلسة التي تلي انتخاب هيئة مكتب المجلس بعد الانتخابات العامة، وفي بدء دورة تشرين الأول من كل سنة يعمد المجلس إلى انتخاب لجانه الدائمة”.

النواب ملزمون بحضور جلسات اللجان، بحيث يعتبر مستقيلاً حكماً عضو اللجنة الذي يتغيب عن حضور ثلاث جلسات متوالية بدون عذر مشروع مقدم وفقا للمادة 61 من (ن. د.) وعلى رئيس اللجنة ان يبلغ رئيس المجلس الأمر لانتخاب خلف له (المـادة 44 ن.د.).

تبدأ معركة انتخابات اللجان من الناحية العملية بعد اكتمال هيئة مكتب المجلس، فتنصرف الكتل النيابية إلى تأكيد حضورها من خلال وجودها في اللجان النيابية وفرض مشاركتها في اغلب اللجان. والانتخاب عادة يكون بالاقتراع السري، ولو أن “السلة” عادة ما تكون محضرة مسبقاً، فيدخل النواب وينتخبون من هو متفق عليهم سلفاً.

وفي السنوات الأخيرة، وحفاظاً على التوازنات، غالباً ما يكون اعضاء اللجان هم أنفسهم، وبالتوزيع السياسي ذاته، فانتخابات اللجان الأخيرة لم تشهد تغييرا كبيرا يُذكر، باستثناء بعض الأسماء وتبديل المواقع.

عدد اللجان كما بات معلوماً هو 16، وتتوزع كالآتي:

المال والموازنة وعدد أعضائها 17. لجنة الإدارة والعدل وعدد أعضائها 17. لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين وعدد أعضائها 17. لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه وعدد أعضائها 17. لجنة التربية والتعليم العالي والثقافة وعدد أعضائها 12. لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية وعدد أعضائها 12. لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات وعدد أعضائها 17. لجنة شؤون المهجرين وعدد أعضائها 12. لجنة الزراعة والسياحة وعدد أعضائها 12. لجنة البيئة وعدد أعضائها 12. لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط وعدد أعضائها 12. لجنة الإعلام والاتصالات وعدد أعضائها 12. لجنة الشباب والرياضة وعدد أعضائها 12. لجنة حقوق الإنسان وعدد أعضائها 12. لجنة المرأة والطفل وعدد أعضائها 12. لجنة تكنولوجيا المعلومات وعدد أعضائها 9.

آلية العمل!

عادة ما توزع اقتراحات ومشاريع القوانين إلى اللجان وفق اختصاص كل لجنة. باستثناء حالة اقتراحات القوانين المعجلة، التي تقدم مباشرة في الهيئة العامة، ولا تمر عبر اللجان، إلا إذا نزعت عنها الهيئة العامة، صفة الاستعجال المكرر، فيحيلها الرئيس عند ذلك إلى اللجان المختصة.

أما جهاز العمل، فيتكوّن من رئيس ومقرر وأمين سر واعضاء. الرئيس والمقرر وأمين السر، يشكلّون الجهاز الفعّال في عمل كل لجنة من اللجان النيابية.

الرئيس يدعو إلى الجلسات، ويحدد مواقيتها وجدول أعمالها ويديرها وفقاً للقواعد المتبعة في إدارة الجلسات العامة.

المقرر وهو بمثابة نائب الرئيس، فعند غياب الرئيس، أو اذا تعذّر قيامه بمهامه، يقوم المقرر بتوجيه الدعوة وذلك بتكليف من هذا الأخير، أو من رئيس المجلس النيابي.

وأمين السرّ يكون عادة من موظفي المجلس لضبط وقائع الجلسات.

يندرج تحت عنوان اللجان النيابية أنواع عدة من اللجان العاملة، فهناك اللجان النيابية الدائمة والمختصة، واللجان المشتركة، واللجان الفرعية المنبثقة، سواء عن اللجان الدائمة أو اللجان المشتركة، وهناك لجان التحقيق البرلمانية، أو غير ذلك من اللجان التي يرتئيها المجلس.

اللجان الدائمة هي اللجان الأساسية في المجلس النيابي، ويمكن ان تنبثق عنها لجان فرعية لدراسة مواضيع معينة لها طابع خاص، أو استقصاء حقائق في بعض القضايا، وكل لجنة تقرر تأليف لجنة فرعية، عليها ان تحدد لها إطار البحث، والمدة المعطاة لها، على ان تضع تقريرها بنتيجة عملها، وترفعه إلى اللجنة المنبثقة عنها.

أما اللجان النيابية المشتركة فهي تعد فوق اللجان النيابية  المختصة، وأدنى من الهيئة العامة للمجلس، وهي لا تجتمع إلا في ظروف محددة، يعود تقديرها إلى رئيس المجلس، أو بناء على طلب خمسة نواب على الأقل.

تُدعى اللجان النيابية المشتركة غالباً إلى الانعقاد في حالتين مهمتين. أولا، لدراسة تقارير اللجان النيابية المتناقضة حول أحد مشاريع أو اقتراحات القوانين المحالة إليها، بهدف الوصول إلى تقرير موحد. وثانيا، درس ومناقشة مسألة سياسية أو أمنية بهدف اتخاذ توصيات، ترفعها اللجان المشتركة اما مباشرة أو عبر الهيئة العامة إلى الحكومة.

استقر العرف البرلماني على ان اللجان المشتركة، بإمكانها إصدار توصيات، وإحالتها إلى الحكومة، وهي وان كانت غير ملزمة، شأنها شأن التوصيات التي تصدرها الهيئة العامة، فإنها تبقى من باب التوجيه السياسي الذي يمارسه المجلس النيابي، في إطار سياسته الرقابية على السلطة التنفيذية.

2- الهيئة العامة

اليها تحال كل اقتراحات او مشاريع القوانين التي درستها اللجان النيابية، فتتم مناقشتها في الهيئة العامة لاقرارها.

3- انتاجية اللجان!

تبقى لكل لجنة أهميتها وحجمها ودورها. فلا يمكن المقارنة مثلا بين لجنة المال والموازنة ولجنة المرأة والطفل أو الزراعة والسياحة أو شؤون المهجرين. إذ أن البعض يعتبر الأولى حقيبة وزارية إضافية لا لجنة نيابية. بعض اللجان تجتمع بشكل دوري، بسبب فورة المشاريع المطروحة على طاولة بحثها، كلجان المال والموازنة أو الإدارة والعدل أو لجنة الدفاع.

انتخابات اللجان النيابية لعام 2018، كانت إلى حد ما لافتة، بسبب مبادرة أخلاقية قام بها رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوّض، فاجأت الكثيرين، بعدما رفض خوض انتخابات ضد زميله النائب نديم الجميل على رئاسة لجنة التكنولوجيا، علماً أن الأكثرية كانت مؤمنة لمصلحته، فانسحب لإفساح المجال أمام الجميل، كما أنه سعى بتواصله مع الوزير جبران باسيل لتأمين إجماع للجميل. كما رفض معوض العرض الذي تقدم له برئاسة اللجنة النيابية للاقتصاد أيضاً لأن النائب نعمة افرام كان يرغب برئاستها. وبقي معوض عضوا في لجنة المال والموازنة. ما حدا ببعض النواب إلى وصفه بـ”جنتلمان” السياسة اللبنانية.

النائب نديم الجميل أوضح لـIMLebanon أن تركيزه على لجنة تكنولوجيا المعلومات يأتي من كونها لجنة مهمة، ولو هناك من يعتبرها ثانوية، فهي التي ستخلق دينامية بين تطوير القوانين والتطور التكنولوجي، حيث سيكون العمل للدخول الى الاقتصاد الرقمي مثلا، وخلق اطار تشريعي واسع وتطوير القوانين.

واكد ان اللجنة ستواكب وتضع الاطار للاقتصاد الحديث. وهناك الكثير من العمل لكن للاسف هناك قانونان فقط للنقاش حالياً، هما التجارة الالكترونية والحكومة الالكترونية لكن العمل سيكون كثيراً.

ورأى الجميل أن من مهمة هذه اللجنة ايضاً النظر بأمور تتعلق بموضوع الضمان الاجتماعي مثلاً حيث لا يطبق في الشركات الناشئة، اضافة الى التطوير الاقتصادي والبنية التحتية للاقتصاد عبر العمل الالكتروني، وامور تتعلق بالبرامج التربوية.

هناك العشرات لا بل المئات من الاقتراحات والقوانين التي لا تزال تملأ أدراج المجلس، علّ أن يحمل عام 2018 أملاً فيكون الشخص المناسب في اللجنة المناسبة.