IMLebanon

تكاذُب متبادل يُؤخِّر التأليف

كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:

تتعدد أسباب تأخر تأليف الحكومة منذ أكثر من شهرين على تكليف الرئيس سعد الحريري بهذه المهمة والنتيجة واحدة حتى الآن: لا حكومة، والجميع يدورون في حلقة مفرغة، كلٌ كان ولا يزال يرفع مطالبه اياها منذ «فجر التكليف» ولم يتزحزح عنها قيد انملة، في ظل اقتناع عام بأن هذه الحكومة ستقيم حتى نهاية ولاية مجلس النواب في أيار 2022، ولربما ظلت حتى نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 تشرين الأول من العام نفسه.

التسريب عن تفاؤل بفعل حلحلة هنا وأخرى هناك على جبهة التفاوض بين الرئيس المكلف والأفرقاء المعنيين سرعان ما يتحول تشاؤما عندما يتبين ان ثمة تكاذباً متبادلاً يكشفه تمسك كل فريق بموقفه ومطالبه، وليتبين ان كل ما قيل ويقال عن حلحلة او عن اقتراب الولادة الحكومية لا يعدو كونه سوى محاولة لإبقاء «فسحة أمل» حتى لا يضيق «العيش الحكومي» في حال إنعدامها.

كثيرون من المعنيين بالتأليف ومعهم فريق من السياسيين المتابعين، لا يزالون يردون تعثر التأليف الى عقبات واسباب داخلية، وهي موجودة فعلا وقولا، اما العقبات والاسباب الخارجية فهي ايضا موجودة بالفعل والقول، ولكنها تتخفى وراء العقبات والاسباب الداخلية والتي تتمثل بالمطالب التي ينادي بها الافرقاء المراد تمثيلهم في حكومة الوحدة الوطنية الموعودة. وبعض المعنيين بالاستحقاق الحكومي يعترفون بأن العقبات الداخلية المعطلة للتأليف حتى الآن تتقدم في صعوبة معالجتها على العقبات والاسباب الخارجية، كون ان بعضها يتصل عميقاً بالمستقبل الآتي المعلوم – المجهول لدى المهتمين به او المعولين عليه ممن يخوضون الغمار الحكومي الآن، خصوصا وانهم يعتبرون ان الحكومة العتيدة ستكون الحكومة التأسيسية التي تليق بالمرحلة الجديدة الآتية علىى لبنان داخلياً واقليمياً ودولياً. ولذا الجميع يريدون ان يزرعوا حكومياً الآن ليقطف مستقبلا وجوداً او موقعاً مؤثراً في الحياة السياسية عموماً وفي السلطة خصوصاً.

داخلياً، ثمة فقدان متواصل للمعايير الموحدة التي يفترض اعتمادها في تأليف الحكومة، حيث لم يظهر جدياً حتى الآن معيار محدد سيعتمد لهذا الغرض، ولم يعرف ما اذا كان التمثيل الوزاري سيتم على اساس النظام النسبي الذي اعتمد في الانتخابات النيابية في ايار الماضي، او سيتم على اساس النظام الاكثري، او اعتماد نظام ثالث مختلف أوالسير بالتأليف الذي اعتمد في المطلق منذ اقرار الدستور المنبثق من «اتفاق الطائف» عام 1990:

– الرئيس المكلف سعد الحريري «يسعى في مناكبها» محاولاً الاسراع في تأليف الحكومة يتفاءل حيناً ويتشاءم أحياناً، خصوصا عندما يأتي من ينقل اليه «إتهاماً» بأنه يتعمد التأخر في التأليف بغية «إحباط» العهد، او لتخفيض سقف مطالب جميع الافرقاء، لكن البعض يقول ان هذا الاتهام يدحضه وجود ما سمي «التسوية الرئاسية» التي جاءت بهذا العهد وبالحريري الى السلطة، وربما يكون في مطاويها بند يتعلق بالعلاقة الراهنة والمستقبلية بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، وكذلك بين الحريري والوزير جبران باسيل اللذين كانا مهندسا «التسوية الرئاسية» إياها.

لكن الحريري يتمسك بأن يكون تمثيل الطائفة الاسلامية السنية من حصة «المستقبل» لأنه، في رأيه، التيار الاكثر تمثيلا في هذه الطائفة، بحيث تكون له المقاعد الوزارية السنية الستة في الحكومة الثلاثينية المنتظرة، اي خمسة مقاعد مضافاً اليها موقع رئيس الحكومة، ويقال ان الحريري مستعد للتنازل عن مقعد سني لرئيس الجمهورية يسمي الاخير شخصية سنية موالية له او حليفة، في مقابل ان يتخلى الرئيس عن مقعد وزاري مسيحي لرئيس الحكومة لكي يسمي شخصية مسيحية موالية له او حليفة.

لكن خصوم الحريري كانوا ولا زالوا يتهمونه بعدم اعتماد معايير موحدة في التأليف، فيقولون ان تيار «المستقبل» يمثل 66 في المئة من الطائفة الاسلامية السنية في مقابل «النواب السنة العشرة» من غير «المستقبل» الذين يمثلون 44 في المئة من هذه الطائفة، فهؤلاء يقولون انهم «يستحقون» التمثيل بوزيرين ولكنهم يقبلون بوزير واحد اذا كان الامر يسهل التأليف. الا ان الحريري لا يؤيد هذا الطرح حتى الآن، وهو ما يدفع النواب العشرة الى التشدد والتمسك بتمثيلهم بوزيرين، ولكنهم يقولون أن لا ضير لديهم في ان يوزر احدهم رئيس الجمهورية اذا حصلت «صفقة تبادل» بينه وبين الرئيس المكلف.

واذا كانت لدى الحريري حسابات في التأليف لجهة ان يملك وحلفاؤه «الثلث المعطل»، ففي رأي قطب سياسي إن الرجل حاصل على هذا الثلث حتما حيث يمكن ان يتكون من حصص «المستقبل» و«القوات اللبنانية» ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وربما آخرين أيضا.

– باسيل الذي بدأ يواظب على تكرار «نفض يده» من التأليف، ولا يصدقه أحد، يتمسك بأن يكون لتكتله «الثلث المعطل» في الحكومة مكوناً من حصته وحصة رئيس الجمهورية، بمعزل عن حصة حلفائه وعلى رأسهم حزب الله.

واكثر من ذلك يبرر باسيل لحلفائه تمسكه بهذا الثلث بأنه يجب ان تكون لهم «اليد الطولى» في الحكومة التي ستعيش طويلاً حتى نهاية العهد.

والواقع ان كثيرين يعتبرون أن باسيل يعمل على تمثيل تكتله في الحكومة بهذا الثلث او اكثر، ليكون رافعة له في معركة انتخابات رئاسة الجمهورية التي بكر في خوضها إذ لا يُخفي انه مرشح لها حتى الآن، وتحت عنوان انه «الشخصية الاكثر تمثيلاً» في الساحة المسيحية، وذلك على غرار الرئيس ميشال عون.

ـ حزب الله وحركة «امل» يريدان ان تؤلف الحكومة «اليوم قبل الغد» على ما يردد باسمهما رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره منذ تكليف الحريري، فحصتهما البالغة 6 وزراء محسومة وقد توافقا على تقاسمها مناصفة ولا يناقشان مع المعنيين بالتأليف إلاّ في نوعية الحقائب التي يريدان اسنادها اليهما، وخصوصاً «الحزب» الذي قرر توسيع حضوره في الدولة ويقال أنه يطالب بأن تكون وزارة الصحة احد الحقائب التي تسند اليه.

والحزب على ما يتردد يريد تأليف حكومة ذات تمثيل متوازن بين الجميع لا يكون «الثلث المعطل» فيها لاي فريق بعينه، وهو في هذا المجال لا يؤيد ان يكون «الثلث المعطل» لتكتل «لبنان القوي» بمفرده مثلما لا يريد ان يكون هذا الثلث لأي فريق آخر بمفرده. والمطلعون على موقف الحزب يقولون انه لا يريد تأليف حكومة يذهب البعض الى تسميتها «حكومة حزب الله»، بل يريد حكومة تكون بمثابة «منتدى قرار وحوار وطنيين» يشارك فيها الجميع تحمل مسؤولية البلاد.

لكن خصوم الحزب يتهمونه بأنه «هو من يعطل التأليف» لسكوته عن تصلب حليفه باسيل، ويقول هؤلاء الخصوم: «اذا كان «حزب الله» يريد فعلاً ان تؤلف الحكومة ففي امكانه ان يمارس ضغوطا جدية على باسيل ومن خلفه رئيس الجمهورية ليتراجعا عن بعض المطالب والشروط حتى تتيسر ولادة الحكومة».

ـ على ان العقدة الدرزية المتمثلة بمطالبة جنبلاط بأن يكون تمثيل الطائفة الدرزية المقرر بثلاثة وزراء له وحده لأن نتيجة الانتخابات النيابية اعطته «هذا الحق» وبالتالي ليس واقعياً ولا منطقياً ان يعطى النائب طلال ارسلان بمفرده الحق بمقعد وزاري لشخصه او لمن يمثله، لأن التمثيل الدرزي بغالبيته الساحقة كان للنواب الجنبلاطيين، والملاحظ في هذا المجال ان «حزب الله» يؤيد جنبلاط في هذا التمثيل، ملتقيا بذلك مع الحريري الذي يؤيده ايضاً. لكن باسيل ما يزال متمسكاً باعطاء مقعد وزاري لحليفه ارسلان بعدما احدثت كتلة نيابية ضُمَّ الاخير اليها لتبرير هذا التمثيل الارسلاني.

في اي حال المتشائمون يقولون ان لا حكومة في آب وان الخريف بات على الابواب… اما المتفائلون فإنهم يتعلقون بأهداب نتائج قمة هلسنكي… وينتظرون.