IMLebanon

أزمة تشكيل الحكومة… باقية وتَتَمَدّد

كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الجمهورية”:

… في باحةِ القصر المهيب، بدتْ العدساتُ حائرةً بين كارلا بروني التي أشعلتْ الليل الندي في إطلالتها على مسْرح بيت الدين المحروسِ بقناطر من حجارةٍ لبنانية وزخْرفات دمشقية، وبين نيكولا ساركوزي “المتفرّج” كسواه، والذي لم ينسَ الجمهورُ أدوارَه اللبنانية يوم كان سيداً للإليزيه.

تَغيّر ساركوزي الآتي برفقة زوجته كارلا، لكن المسرحَ في لبنان ولاعبيه هو هو… رئيسُ “الحكومتيْن” المستقيلة والعتيدة سعد الحريري أقام للضيفيْن عشاء عائلياً، وزعيم “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أحاطهما بعنايته، فيما الرئيس السوري بشار الأسد يكاد أن يفكّ عنه الطوق مرة أخرى بعدما كان ساركوزي تولّى المهمة في المرة الأولى.

ففي ذاكرة اللبنانيين الساركوزية أن الرئيس الفرنسي بادر العام 2008 لفك عزلة الأسد التي إزدادتْ بشدّة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ظناً منه أن بالإمكان فصْله عن إيران وترييح لبنان من عمليات الاغتيال السياسي وحفْظ التوازنات بحكومةِ شراكةٍ برئاسة سعد الحريري وتحقيق مطلبٍ لبناني مزْمن بإقامة علاقات ديبلوماسية بين بيروت ودمشق.

ساركوزي العائد إلى بيروت من بوابة مهرجانات بيت الدين، ربما يَكتشف أن لبنان لم يغادر ما كان عليه قبل عشرة أعوام… كلامٌ عن معاودة تعويم الأسد وفكّ الطوق عنه، وضغوطٌ لدفْع لبنان إلى علاقاتٍ دافئة مع نظامه، ورهانٌ على إبعاد الوجود الإيراني عن سورية، ومخاوفُ من عودة الاغتيالات وملامحُ محاولةٍ لإخضاع الحريري أو العمل لإحراجه فإخراجه.

ويدرك ساركوزي قبل سواه أنّه لم ينجح. فلا الأسد فكّ تحالفَه مع طهران ولا الاغتيالات ذهبتْ بلا رجعة، كما أنه وقبل أن يودّع الاليزيه بنحو عامٍ انقلب التحالف الإيراني – السوري على حكومة سعد الحريري مطلع 2011 وأُقصي عن السلطة.

وها هو بعض التاريخ يعيد نفسه، فالحريري المكلّف بتشكيل الحكومة يتعرّض لضغوط قاسية بلغت حدّ التلويح بسيناريواتٍ لتقييده أو دفْعه للاعتذار او التحايل على الدستور لكفّ يده عن التأليف، لإرغامه على المجيء بحكومٍة تنعدم فيها توازناتُ الحد الأدنى وتكون الإمرة فيها لتحالف “التيار الوطني الحر” (حزب الرئيس ميشال عون) و”حزب الله” وأجنْدته.

وتؤشر اليوميات اللبنانية إلى أن تشكيل الحكومة بلغَ مأزقاً في ضوء مقاربتيْن تصعب المواءمة بينهما حتى الآن، واحدة يتمسّك بها الحريري وتقوم على تأليف حكومة تحفظ الحد الأدنى من التوازن بمعناه الداخلي والإقليمي وتكون امتداداً للتسوية السياسية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي، وثانية يصرّ عليها تحالف عون – “حزب الله” ترجمةً لـ”الانقلاب” الذي أَحْدَثَتْه نتائج الانتخابات النيابية لمصلحة هذا التحالف.

واللافت أن محاولات ضخّ أجواء إيجابية سرعان ما تنتهي إلى انكشافِ الواقع على مزيد من الدوران في المكان عيْنه، والذهاب أبعد من خلال ربْط تحريك المياه الحكومية الراكدة باستحقاقاتٍ في المنطقة كالقول ان لا إفراج عن الحكومة قبل إتضاح مآل سلّة العقوبات الأميركية الجديدة على إيران في أغسطس ونوفمبر المقبلين.

ولم يكن عابراً الكلام الذي نقلتْه “الراي” في وقت سابق عن مصادر بارزة في “8 آذار” – اي القوى الحليفة لسورية وإيران – ومفاده أن الاتجاه يميل لتكرار تجربة رئيس الجمهورية السابق إميل لحود مع الرئيس رفيق الحريري، فالأخير سبق أن إعتذر تحت وطأة الضغط عن عدم قبول التكليف بتشكيل الحكومة في الـ1998، واستقال نتيجة الضغوط عيْنها معتذراً عن العودة إلى الحكومة العام 2004.

ورغم اختلاف الملابسات السياسية والدستورية بين الأمس واليوم، فإن مغزى كلام مصادر “8 آذار” أنه لن يكون بوسع الحريري إلا تشكيل حكومةٍ بشروطِ تحالفٍ يعتدّ بأنه يقبض على نحو 80 نائباً في برلمان الـ 128 نائباً، أو البحث عن سبلٍ تتيح إحراجه لإخراجه وقيل عنها الكثير من باب الضغط رغم تَعذُّر سحْب التكليف دستورياً.

وفي اعتقاد أوساط سياسية، فإن المعركة على الحكومة، ورغم طابعها الداخلي المتصل بصراع الأحجام بين القوى السياسية، فإنها ترتبط بأجنداتٍ اقليمية، رأسُ جبلِ الجليد فيها، المطالبة المبكرة بـ “عودة العلاقات الدافئة” مع النظام السوري والترويج لدفتر شروط الأسد لمعاودة تطبيع العلاقة مع لبنان، وخصوصاً ما قيل عن فتْح معبر نصيب وعملية الإعمار وعودة النازحين.

وتوقّفت هذه الأوساط أمام برقية التعزية التي وجّهها عون للأسد بضحايا مجزرة السويداء، والتقارير التي تتحدّث عن إمكان قيامه بزيارة لدمشق من بوابة تلبية دعوة كنسية، في مؤشرٍ لطيّ مرحلةِ النأي بالنفس وتسريع وتيرة التطبيع مع النظام في سورية بعدما نَجَح في “تثبيت” أقدامه بمقوياتٍ روسية – إيرانية.

ويسود اعتقادٌ في بيروت بأن الحريري المتكئ على دعمٍ دولي وعربي، لا سيما روسي – فرنسي، يدرك أن لا مناص في نهاية المطاف من ترميم العلاقة مع سورية بعد تأهيل الأسد بضماناتٍ روسية، إلا أن هذا الأمر لن يتم إلا في إطارٍ عربي جامع قد تَنضج ظروفُه منتصف 2019 كثمرةٍ لمفاوضاتٍ تتولاها دولٌ عربية بناء لرغبة الأسد بالعودة إلى الجامعة العربية.