IMLebanon

حكومة القديس شربل

كتب جوزف الهاشم في صحيفة “الجمهورية”:

في حديث أدلى به الدكتور سمير جعجع الى جريدة «الجمهورية» بتاريخ السادس والعشرين من تموز المنصرم قال: «إنّه متمسِّك بحصّة وزارية وازِنةٍ تعادل خمسة وزراء على الأقل، ولن يتنازل عن هذه الحصّة إلا للقديس شربل…»

هذا يعني أن لا حكومة على الأرض من أهل الأرض، وأنَّ تأليف الحكومات بات في عهدة أهل السماء من قديسين ورسل وأنبياء.. وما علينا إلاّ أن نرفع الإبتهالات الى السماوات ليتنازل كلُّ زعيم لقدّيسه أو نبيّه، فتهبط على «لبنان الرسالة» حكومةٌ مِنْ عـلُ، يتقطّر من أذيالها الطهر، ويجري مع كل وزير نهر من لبن وعسل وخمر، فيعمّ الإزدهار في البلاد وينعدم الفساد ويهنأ العباد بالعزِّ والرفاه والبنين.

ويعطف الدكتور جعجع إصراره الوزاري على تلميحٍ هو أشبه بالتنبيه لمن يعنيه الأمر، حيال احتمال «ورقة تفاهم» بين «القوات اللبنانية» و«حركة أمل» والحزب التقدمي الإشتراكي، ممهورةً بتلك الكيمياء التي شعر بها «الحكيم» نحو الرئيس نبيه بري، «الذي أعلن استعداده في زمن الحرب للهرْوَلة نحو جعجع إذا كان من شأن ذلك أن ينهي الحرب…»

ورقة التفاهم الثلاثي بين الإحزاب الثلاثة المتنوّعة المشارب والمختلفة المآرب، قد تكون أصدق وأجدى، من تلك الورقة التي كُتبَتْ في معراب بحبرٍ على غرار ما قيل: «إن الكذب في السياسة مثل الكذب في الحبّ محبوبٌ دائماً ومغفورٌ دائماً».

وهذا النوع من التحالف الثلاثي قد يكون أكثر حاجة لما تعانيه البلاد اليوم من سياسة الحكم العرفـي المنفرد، وسياسة الثنائيات وزعامة المذهبيات، وهو الحلف الذي تستقيم به اللعبة الديمقراطية بين المعارضة والموالاة.

نعم… الدكتور جعجع حقق انتصارات سياسية وحزبية ونيابية، كفيلة بأن تكون هي «بيضة القبان» في توازن الموازين…

والإنتصارات في السياسة كما هي في الحرب، قد يكون للخصوم فيها فضلٌ يفوق ما لبراعة العقول وجهود الزنود.

يقول الإسكندر المقدوني: «إستفدت بأعدائي أكثر مما انتفعت بأصدقائي، لأن أعدائي كانوا يكشفون لي عيوبي، وأصدقائي يزّينون لي الخطأ ويشجعونني عليه…»

على الدكتور جعجع والحال هذه أن يُـثْني على خصومه بما كان لهم من فضل عليه، وأن يشكر ثقافة «البلطجة» التي أدّت الى ارتفاع منسوب الكيمياء بينه وبين الرئيس نبيه بري.

وأن يشكر ثقافة تنفير الوزير سليمان فرنجية الذي أعلن: أنَّ ما تقلّص من مسافة العداوة بينه وبين «القوات»، تـمّ تجيـيره الى من هم حلفاء.

وعلى الدكتور جعجع بالأخص أن يتوجه بعميم الشكر الى حزب الله الذي حقّـق له هدفين إثنين:

– هدف ارتداد الشباب الى «القوات» بفعل هاجس مذهبي حيال تعاظم حزب مذهبي.

– وهدف استحقاق العباءة السعودية وقد خُلعَتْ على منكبيه: بالرغم، وبالرغم، وبالرغم…

كل الذين خاضوا معارك ميليشياوية ضارية وسَمَهُمْ هذا المثلث الأحمر الذي إسمه «بالرغم»، ولن يزول إلاَّ بدينونةٍ مطْهرية.

مسلكية الدكتور جعجع بعد دينونة السجن، برَّأَتْـهُ من العودة القهقرى الى الوراء المتَّهَم، لأن الرجوع الى الوراء في عالم يتقدم معناه الخروج من التاريخ.

الدكتور جعجع في صدد الخروج من تاريخ الماضي، وأما المستقبل فقد يبقى عنوان صراع بينه وبين التاريخ.