IMLebanon

أبوابٌ موصودة أمام تشكيل الحكومة تُنْذِر باضطرابٍ سياسي

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تخيّم على بيروت «السياسية» أجواء داكنة لا تشبه المهرجانات العامِرة بالفرح في الليالي اللبنانية هذه الأيام. فالمزاج مكفهر في المقار الرئاسية وكأن البلاد أمام مواجهةٍ قاسية بعدما تَعطّلتْ لغة الكلام وتحوّلت الصحف إلى «حمام زاجل» ومعها وسائل التواصل الاجتماعي حتى بدا أن الجميع يتصرّفون على طريقة… «قال كلمته ومشى».

تشكيل الحكومة يراوح أمام الحائط، لا كوّة ولا نافذة ولا اختراقٌ في الأفق، حالاتٌ من التشنج تضجّ باحتقانٍ لم يعد مكتوماً، تفاهماتٌ تتلاشى ومعها تترنّح التسوية الأمّ التي كانت أَنْهتْ الفراغ الرئاسي بـ «مجازفاتٍ كبرى»، ومعادلاتٌ جديدة تطفو على وهج كلام بأننا أمام لبنان آخر بعد الانتخابات والانقلاب الناعم بـ «صناديق الاقتراع».

ثمة مَن يهْمس في بيروت بأن الخارج يحتجزُ ولادةَ حكومةٍ جديدة في لبنان. فالمنطقة على فوهة تحولاتٍ تجعل من الإقليم ساحةً واحدة بمعارك عديدة، من الجوار حيث بقي (الرئيس السوري بشار) الأسد وطارت سورية القديمة التي يوزِّع فيها الروس جوائز ترضية لاسرائيل وإيران وتركيا، إلى العقوبات الأميركية الأشدّ صرامة في التاريخ والتي توشك على الدخول حيز التنفيذ ضدّ إيران المنهكة في لعبة عض الأصابع.

وفي ظل انتظارِ مّن سيصرخ أولاً في سورية والعراق واليمن، اقتيد لبنان إلى ساحة المواجهة، فإما حكومةٌ بشروطِ تحالف «التيار الوطني الحر» – أي حزب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون – و«حزب الله» وإما الضغط على الرئيس المكلف سعد الحريري لـ «إحراجه فإخراجه». فهذا التحالف طوى التسوية السياسية ومقتضياتها بعدما حقّق ما يعتبره نصْراً مزدوجاً، في لبنان (الانتخابات النيابية) وفي سورية (بقاء الأسد).

وتؤشر الوقائع السياسية التي تحوط عملية تشكيل الحكومة على أن الحريري يعاند التسليم بـ «الانقلاب» مدعوماً من الحزب «التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط و«القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع، وهو يحاذر السير بأي تركيبةٍ حكومية تجعله الطرفَ الأضعف في عملية إدارة الحكم وتوجهاته الداخلية والخارجية، وتالياً فمن الصعب التفريط بأوراق القوة لديه.

وأكثر الأسئلة حيرةَ في بيروت المسكونة بأزمات اقتصادية معيشية تزداد «تَفاقُماً»، والمهجوسة بخطر خروج المأزق المالي – النقدي عن السيطرة، هو: ما الذي يمكن أن يكسر المأزق بعدما حدّد فريق عون «المسموح والممنوع»، وأَوْدع الحريري ومَن معه لدى الآخرين «المقبول والمرفوض» في سياق معركةٍ تتجاوز المعادلات الحسابية وتعكس صراعاً على التوازنات داخل السلطة وتطول في بعض جوانبها صيغة الحُكم، أي اتفاق الطائف.

هذا التقابُل الحاد يجعل من الصعب، حسب أوساط سياسية في بيروت، الوصول لحكومة على طريقة المعادلة اللبنانية الذهبية القائمة على «لا غالب ولا مغلوب»، أي إلى حكومة متوازنة يريدها الحريري شبيهة بحكومة التسوية السياسية التي ترأسها بعد انتخاب عون رئيساً، في الوقت الذي يضغط فريق عون من أجل الإتيان بحكومة «رابح وخاسر».

وتنعكس هذه المقاربات المتناقضة في تحديد طبيعة ما يوصف بـ«العقد» التي تواجه تشكيل الحكومة، كالعقدة الدرزية التي ازدادت تفاعلاً مع مظاهر التوتر في جبل لبنان في الساعات الماضية، وهو الذي لم يُشْفَ من ارتدادات مجزرة السويداء في سورية والتي اعتُبرت رسالة ترويض للدروز وتطويعهم من نظام الأسد، الأمر الذي دفع جنبلاط لإرسال وفدٍ الى موسكو يترأسه نجله تيمور جنبلاط لمناقشة الضمانات للدروز مع القيادة الروسية.

وهذا الشعور بالاستهداف يجعل جنبلاط أكثر تشدداً في مطلبه الحصول على كامل الحصة الدرزية (3 وزراء) في الحكومة، رغم ميْله المعروف لصوغ تسويات، ومن المستبعد تراجعه لاعتقاده أن ما تشهده البلاد ينطوي على محاولة لتجاوز اتفاق الطائف عبر سياسات الأمر الواقع والقفز فوق التوازنات البالغة الحساسية.

أما عقدة التمثيل المسيحي والمرتبطة بالحجم المفترض لـ «القوات اللبنانية» في الحكومة، فتعود إلى إدارة الظهر ومن طرف واحد (التيار الحر) لاتفاق معراب الذي قضى بتقاسم الحصة المسيحية بين التيار و«القوات» مناصفةَ، ثم رسم معادلات مغايرة يريدها باسيل ويرْفضها الحريري.

وعَكَست مواقف كل من عون وباسيل أمس استمرار المراوحة في «الدائرة المقفلة». فرئيس الجمهورية كرّر، وعلى طريقة «نقطة عالسطر»، الدعوة لحكومة بمعيار نتائج الانتخابات النيابية، موضحاً «العقد على حالها، فـ«القوات» تريد خمسة وزراء، وهذا ليس من حقها، و«التقدمي» يريد الوزراء الدروز الثلاثة ليُمْسِك بالميثاقية داخل مجلس الوزراء وأي قانون لا يعجبه يستخدم «الفيتو الميثاقي».

ونقلت صحيفة «الأخبار»، الصادرة أمس، عن عون إبداءه أمام زواره عتباً من باب المحبة على الحريري «فهم يطوّقونه بالعقبات والمطالب التي لا تنسجم مع نتائج الانتخابات، وفجأة وجدْنا الخارج أصبح داخل اللعبة بعدما فعلْنا المستحيل لإبعاد الخارج وتكريس الاستقلالية بعد الذي جرى مع رئيس الوزراء في 4 نوفمبر، ولكن ليس على أساس أن ندخل في متلازمة ستوكهولم».

وإذ عزا فتْح المعركة الرئاسية مبكراً من البعض «ربما لوجود شخص في رأس السبق اسمه جبران باسيل يطلقون عليه كل أنواع الحروب»، تطرّق لمستقبل العلاقة مع دمشق قائلاً «في سورية الأمور انتهت، والمشكلة أن الناس في لبنان ما زالت تعيش الحرب. نحن أنهينا الحرب منذ بدأت، وقلت سورية لن تقع ولن تُهزم … ولم يسقط الأسد، بل ربح الحرب»، مؤكداً أن «رئيس الجمهورية هو الذي يحسم في المعاهدات والاتفاقات والعلاقات الدولية، وعندما تكون القضايا أساسية ومصيرية لا أراعي أحداً وحتى لا أراعي أي اعتبار شخصي يمسّني مباشرة، وهذا ينطبق على العلاقة مع سورية وغيرها»، واصفاً العلاقة مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأنها «روحانية، فقد وجدتُ فيه كل الصفات التي أحبّها، وهو وجد الأمر ذاته، وأهمها الصدق».

من جهته، أكّد باسيل «أنّ قوى خارجية يهمّها إسقاط نتائج الانتخابات التي أعطت الغالبية لفريقنا السياسي»، مضيفاً «إذا كانوا يريدون حكومة وفاق وطني فعليهم أن يدركوا أننا لن نقبل بحكومة وفاق ما لم تكن تركيبتها السياسية متوافقة مع تركيبة المجلس».