IMLebanon

موقف الدول الكبرى من العملات الإفتراضية

كتب طوني رزق في صحيفة “الجمهورية”:

مع ازدياد عدد الأشخاص المهتمين بالعملات الرقمية وتقنية البلوكتشاين، بدأ المشرّعون يراقبون هذه الصناعة الحديثة نسبيا. وكان لمختلف الدول المؤثرة مواقفها الخاصة منها.

أدّت التطورات في صناعة العملات الرقمية إلى استجابات متنوعة من المشرّعين في مختلف أنحاء العالم، فركزت كل جهة على جزء معين من عالم التشفير.

وفي ما يتعلق بالتداول تركّز القوانين على الطريقة التي يتم بها تداول العملات الرقمية، وهناك جدل كبير حول كيفية تصنيف هذه الأصول ما بين السلع أو الأوراق المالية، والطريقة التي يتم بها التصنيف ستحدد كيفية تنظيم العملات الرقمية بموجب القوانين الحالية. وقد بدأت بعض الدول في إصدار قوانين جديدة في هذا الإطار.

وبالنسبة لعملية التعدين، تركّز الحكومات خصوصا الصين على استهلاك العملية لكمٍ كبير من الطاقة من أجل التحقّق من صحة معاملات العملات الرقمية على البلوكتشين.

وعن تمويل الجمهور وعمليات طرح العملة، هناك المخاطر المتعلقة بعمليات الاحتيال والسرقات والشركات التي تقوم بجمع المال دون إطلاق منتجات. وتبقى عملية طرح العملة في منطقة رمادية من القوانين، غير ان بعض الدول تتطلع إلى إدخالها في الاطر التنظيمية.

وبالنسبة للمنتجات المالية، ومع نمو اسواق العملات الرقمية يتطلع المستثمرون المحترفون إلى دخول هذه الاسواق، ولكن من جهة اخرى تبقى منصات التداول محفوفة بالمخاطر بسبب السرقات وعدم الامتثال للقوانين، لذلك برزت الحاجة لإنشاء منتجات مالية خاضعة للرقابة، مثل منتجات العقود الآجلة للبيتكوين والتي تقدمها بورصة شيكاغو ولكن حتى الآن لم تنل الموافقة القانونية.

أما عن مواقف الدول كل على حدة، فهي كالتالي بالنسبة لأهم الدول المشاركة في هذه الاسواق، كما ومواقفها القانونية تجاهها.

الصين

في العام 2013 كانت الصين من أكبر المؤثرين في حركة اسعار البيتكوين، والتي كان يتم تداولها بأكثر من 1000 دولار، واعتبرها الصينيون في ذلك الوقت استثمارا بديلا لاسواق الأسهم والإسكان التي أصبحت تنطوي على مخاطر متزايدة.

ولكن في العام 2014 بدأت الصين تضيق الخناق على سوق العملات الرقمية، وأمر البنك المركزي البنوك وشركات الدفع بإغلاق الحسابات التي تتعامل بهذه العملات الرقمية.

وفي 2017 حظّرت الصين عمليات طرح العملات الرقمية، وقدم المشرّعون قائمة بـ60 اسما لمنصات عمليات طرح هذه العملات لتقوم الرقابة المالية بالتحقيق فيها. وبدءا من العام الجاري تحرّكت الصين لمنع منصات التداول العاملة فيها. كما أصدرت مجموعة العمل المكونة من العديد من الوكالات الحكومية الصينية تعليمات للسلطات المحلية لحث القائمين بالتعدين على إنهاء أنشطتهم في كانون الثاني الماضي.

كوريا الجنوبية

تعدّ كوريا الجنوبية سوقا كبيرا للعملات الرقمية، وفي الأشهر القليلة الماضية سعى المشرّعون لسنّ قوانين منظمة للقطاع بدلا من اتجاه الحظر الذي اتبعته الصين، لكنها تخشى من مقدار المضاربة المتعلق بالعملات الرقمية ومن امكانية استخدامها في انشطة غير مشروعة.

في كانون الاول من العام 2017، قامت هيئة الخدمات المالية الكورية الجنوبية بمنع منصات التداول من إصدار حسابات تداول جديدة، وقالت اللجنة أنها تفكر في إغلاق بعض منصات التداول المحلية. وعندما تمّ تقديم عريضة للطلب من الحكومة عدم التشدّد في إصدار القوانين ، كان الردّ أنها ستتخذ إجراءات قانونية صارمة ضد اي انشطة غير مشروعة .

ومنذ ذلك الحين، بدأت كوريا الجنوبية تصدر قوانين توضح موقفها من صناعة العملات الرقمية، وسمحت لمنصات التداول بالحصول على عملاء يستخدمون حسابات بنكية بأسمائهم الحقيقية، وطالبت المنصات بإنشاء حسابات مصرفية منفصلة للتعامل مع أموال العملاء ونفقات التشغيل الخاصة بهم. وأنشأت الهيئة قسما متخصصا بالابتكار المالي، والذي يتابع العملات الرقمية وتطوراتها، وتتطلع كوريا الجنوبية حاليا إلى قوننة صناعة العملات الرقمية بشكل وافٍ ومناسب.

اليابان

انتهزت اليابان قيام الصين بحظر العملات الرقمية، للترحيب بهذه الصناعة فيها، ففي أوائل 2017 سمحت اليابان للتجار بقبول البيتكوين كطريقة للدفع، واعترفت بعدد من منصات التداول كشركات مسجلة قانونيا. ولكن بعد تسجيل عدد من السرقات، وكان أكبرها سرقة أكثر من 500 مليون دولار من منصة التداول اليابانية «كوينشيك»، قامت الجهات التنظيمية باقرار عقوبات على العديد من منصات التداول وأجبرت البعض منها على وقف أعمالها.

الولايات المتحدة الأميركية

كان النهج الأميركي المتعلق بصناعة التشفير هو كيفية تطبيق القوانين المتوفرة عليها بدلا من إصدار قوانين جديدة. بالإضافة إلى تسليطها الاضواء على مخاطر اشتراك الناس في التداول وعمليات طرح العملة.

ففي 2017 أصدرت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية تحذيرا للمستثمرين في شأن الاستثمار في هذه الاسواق بسبب عمليات التلاعب والاحتيال. ويبقى هناك جدل كبير في الولايات المتحدة في شأن تصنيف العملات الرقمية ما بين السلع أو الأوراق المالية، ووضعها في الإطار القانوني الخاص بها وفقا للتصنيف. كما تركّز الهيئة على سوق التمويل الجماعي وعمليات طرح العملة، ووجهت تهما بالتزوير والاحتيال لمؤسسي شركة عملة رقمية.

كما تهتم الهيئة أيضا بالمنتجات المالية مثل منتجات العقود الآجلة للبيتكوين التي أصدرتها بورصة شيكاغو، والتي تعتبر اتجاها بديلا اتبعه المستثمرون المؤسسون في هذه الاسوق، وحاليا، ينتظر الجميع اعلان الهيئة لموقفها من هذا المنتج.

المملكة المتحدة

تسير المملكة المتحدة على نفس نهج الولايات المتحدة، فهي لا تقوم بأي تشريع جديد بل تحذّر من المخاطر المتعلقة بالعملات الرقمية. وقد أبدى المشرّعون البريطانيون اهتماما كبيرا في مجال التشفير، ففي شهر شباط الماضي قامت لجنة الخزينة في البرلمان بتحقيق حول العملات الرقمية وتقنية البلوكتشين، لدراسة تأثير هذه الصناعة على عمل ومهمة البنك المركزي. وفي الوقت الحالي تعمل هيئة الرقابة المالية مع لجنة الخزينة والبنك المركزي لوضع سياسة متعلقة بالعملات الرقمية. والتي من المقرر أن يتم نشرها خلال العام الجاري.

الاتحاد الأوروبي

يتكوّن الاتحاد الأوروبي من 28 دولة منفصلة، ولكل منها وجهة نظرها الخاصة في شأن قوننة العملات الرقمية، ولكن يبدو أن هناك اتجاها لإنشاء منهج متناسق لهذه الصناعة الناشئة، على الرغم من الاعتقاد بصعوبة تحقيق ذلك فعليا.

وفي وقت سابق من هذا العام، أصدرت السلطات الرقابية الأوروبية للأوراق المالية والبنوك والتأمين والمعاشات بيانا حذر المستهلكين من مخاطر التعامل بالعملات الافتراضية.

وفي نيسان الماضي، أقر المشرّعون مشروع قانون جديدا يستهدف معالجة تبييض الأموال، وشمل القانون العملات الرقمية. ويهدف ايضا إلى منع الناس من نقل الأموال من خلال الشركات المسجلة في الاتحاد الأوروبي لمالكين حقيقيين في مناطق اخرى من العالم. ويطلب القانون من منصات تداول العملات الرقمية والمحافظ تطبيق ضوابط العناية بالعميل على مثال البنوك والتي تشمل التحقق من هوية العملاء.