IMLebanon

تشكيل الحكومات: من التزام الدستور إلى تكريس المواقع

منذ العام 1943 وحتى مطلع الحرب اللبنانية، أو حقبة ما يعرف بـ”المارونية السياسية”، كان مسار تشكيل الحكومات في لبنان يخضع لمعيار واحد، التزام الدستور ومقتضيات المصلحة الوطنية وتاليا المشاركة السياسية على أسس إنمائية بعيدا من الأحجام والأوزان باعتبار التمثيل رمزيا وتوزير أصحاب الخبرات والكفاءات، بما يؤمن أعلى درجات الإنتاجية لتتمكن الحكومات من تحقيق تطلعات اللبنانيين نحو وطن أفضل.

ومع اندلاع شرارة الحرب الأولى ودخول العامل الفلسطيني مباشرةً على الخط السياسي اللبناني بحيث تحولت الكلمة الفصل تدريجا إلى مقلب السنية السياسية، بدأت تتسلل مفاهيم جديدة إلى تأليف الحكومات من بينها الأحجام والأوزان وحقوق الطوائف التي تداخلت فيها المعايير والاعتبارات، لاسيما الخارجية منها، إلى أن عقد اتفاق الطائف الذي كلف رئيس الحكومة مهمة التشكيل بالتشاور مع رئيس الجمهورية، بيد أنه لم يشر من قريب أو بعيد إلى أن الحكومة هي عبارة عن “ميني” مجلس نواب كما هو حاصل اليوم في ما درج على تسميته بعد العام 2005 بعصر “الشيعية السياسية” حيث يسعى كل فريق إلى فرض حجمه ووزنه في التشكيل، وبدأت على الإثر موجة الاستغراق في ولادة الحكومات لأسابيع ثم أشهر، حتى ناهز بعضها العام.

فما الذي تبدّل في المشهد الداخلي حتى باتت مهمة دستورية، يفترض أنها بسيطة، كون هدفها تسيير شؤون العباد خدماتيا وإنمائيا، والبلاد سياسيا استنادا إلى المصلحة الوطنية العليا، عصيةً على الرئيس المكلف ومنبرا توظفه القوى السياسية لتفجير الاحتقان وأخذ الثأر وإبراز أحجامها بعيدا من مصلحة الوطن التي تبدو أبعد ما يكون عن اعتبارات هؤلاء.

تقول أوساط سياسية واكبت هذه المراحل لـ”المركزية” إن مطالبة الكتل النيابية بالاشتراك في الحكومة وفق الأحجام والأوزان ومعايير نتائج الانتخابات هي مجرد بدعة لا أساس دستوريا لها ولم ترد حتى في اتفاق الطائف. إذ إن القوى السياسية مهما كان حجمها ومستوى تمثيلها يفترض أن تتمثل بوزير يمثل صوتها على طاولة مجلس الوزراء بعيدا من المشاركة الحصصية والعددية، وإلا فقدت السلطة التشريعية دورها الرقابي الذي لطالما كانت في الأمس تحاسب عبره الحكومة على أدائها الوطني ومدى التزامها بتنفيذ بيانها الوزاري من خلال جلسات مناقشة عامة شهرية تفتقدها الحلبة البرلمانية منذ مدة طويلة.

أما مقولة حكومات الوحدة الوطنية، أي أن كتل المجلس هي وحدها من يشارك في الحكومة، فهذا عين الخطأ، أويعقل أن تتحول الحكومة إلى “ميني مجلس نواب”؟ تسأل الأوساط، وما الفائدة والحال هذه من تأليف حكومة؟ وتؤكد أن الهدف من هذه الطروحات ليس المصلحة الوطنية بل الصراع على تحصيل مكاسب وتكريس مواقع سياسية وطائفية على حساب الوطن، وهو ما أوصل لبنان إلى ما بلغه اليوم من أحوال تلامس الانهيار.

وفي قراءة سريعة لتشكيل حكومات ما بعد الطائف، يتبين الآتي:

منذ توقيع اتفاق الطائف (1989) الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، توالت عشر شخصيات سياسية على منصب رئيس الوزراء في لبنان، بعضها شغل المنصب أكثر من مرة، وكان أبرزها الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي شكّل خمس حكومات. وشكلت ست حكومات في ولاية الرئيس إلياس الهراوي (1989-1998)، بعد التمديد له ثلاث سنوات، رأسها الرؤساء سليم الحص وعمر كرامي ورشيد الصلح ورفيق الحريري. وفي ولاية الرئيس إميل لحود (1998-2007) شكلت ست حكومات، رأسها الحص ورفيق الحريري وعمر كرامي ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة. وفي ولاية الرئيس ميشال سليمان (2008-2014) شكلت أربع حكومات، رأس الأولى فؤاد السنيورة والثانية سعد الحريري والثالثة نجيب ميقاتي والرابعة تمام سلام. وفي ولاية الرئيس ميشال عون (2016) شكلت حكومة واحدة تولاها سعد الحريري.

وفي ما يلي حكومات لبنان بعد اتفاق الطائف:

سليم الحص: تولى رئاسة الحكومة من تشرين الثاني 1989 إلى 24 كانون الأول 1990.

عمر كرامي: تولى رئاسة الحكومة من 24 كانون الأول 1990 إلى 16 أيار 1992، وكانت استقالته نتيجة تحركات شعبية مناهضة (5 أيام لتأليف الحكومة).

رشيد الصلح: تولى رئاسة الحكومة من 16 أيار 1992 إلى 31 تشرين الأول 1992، وكانت استقالته مع بدء ولاية مجلس النواب (أربعة أيام للتأليف).

رفيق الحريري: تولى رئاسة الحكومة من 31 تشرين الأول 1992 إلى 25 أيار 1995 (8 أيام للتأليف).

رفيق الحريري: تولى رئاسة الحكومة مجددا من 25 أيار 1995 إلى السابع من تشرين الثاني 1996، واستقال مع بدء ولاية مجلس النواب (4 أيام للتأليف).

رفيق الحريري: تولى رئاسة الحكومة مرة أخرى من السابع من تشرين الثاني 1996 إلى الرابع من كانون الأول 1998، واستقال مع بدء ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود (14 يوما للتأليف).

سليم الحص: تولى رئاسة الحكومة من الرابع من كانون الأول 1998 إلى 26 تشرين الأول 2000، واستقال نتيجة بدء ولاية مجلس النواب (يومان للتأليف).

رفيق الحريري: تولى رئاسة الحكومة من جديد من 26 تشرين الأول 2000 إلى 17 نيسان 2003 (4 أيام للتأليف).

رفيق الحريري: تولى رئاسة الحكومة مرة أخرى من 17 نيسان 2003 إلى 26 تشرين الأول 2004 (يومان للتأليف).

عمر كرامي: تولى رئاسة الحكومة من 26 تشرين الأول 2004 إلى 19 نيسان 2005 (8 أيام للتأليف).

نجيب ميقاتي: تولى رئاسة الحكومة من 19 نيسان 2005 إلى 19 تموز 2005، وكانت استقالته نتيجة بدء ولاية مجلس النواب (5 أيام للتأليف).

فؤاد السنيورة: تولى رئاسة الحكومة من 19 تموز 2005 إلى 11 تموز 2008، وكانت الاستقالة نتيجة بدء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان (20 يوما للتأليف).

فؤاد السنيورة: تولى رئاسة الحكومة مجددا من 11 تموز 2008 إلى التاسع من تشرين الثاني 2009، وكانت استقالته مع بدء ولاية مجلس النواب (45 يوما للتأليف).

سعد الحريري: تولى رئاسة الحكومة من التاسع من تشرين الثاني 2009 إلى 12 كانون الثاني 2011، وانتهت باستقالة أكثر من ثلث أعضاء الحكومة (135 يوما للتأليف).

نجيب ميقاتي: تولى رئاسة الحكومة من 13 حزيران 2011 الى 5 شباط 2014 في عهد الرئيس ميشال سليمان. قدم استقالته في 5 شباط 2014 (140 يوما للتأليف).

تمام سلام: تولى رئاسة الحكومة في عهد الرئيس ميشال سليمان، واستمرت حكومته من شباط 2014 إلى 18 كانون الأول 2016، وكانت استقالته نتيجة بدء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون (315 يوما للتأليف).

سعد الحريري: تولى رئاسة الحكومة مجددا من الثالث من تشرين الثاني 2016، بتكليف من الرئيس ميشال عون، واستمر في المنصب حتى الرابع من تشرين الثاني 2017، حيث أعلن استقالته في خطاب ألقاه من السعودية (46 يوما للتأليف) إلا أنه تراجع عنها لاحقا.