IMLebanon

طريق دمشق مفتوحة ولكن… أين المعتقلين؟ (رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

كثرت في الآونة الأخيرة دعوات التطبيع مع النظام في سوريا، تحت عنوان “المصلحة الاقتصادية”، فيما الواقع أن البعض يرى أن التبدلات الميدانية وما فرضته من تغيّرات سياسية لصالح النظام تدفعه إلى “إعادة الحيوية للشريان الذي يربط بيروت بدمشق”.

بعيداً عن الواقع السياسي أو الاقتصادي أو الاشكالية التي تطرحها هذه الزيارات، هناك مسألة بحت إنسانية، تتعلّق بملف المعتقلين والمفقودين اللبنانيين في السجون السورية، الذي لم تقم أي جهة بطرحه مع النظام السوري بحكم علاقتها “الوديّة” معه، وانطلاقاً من حرصها على مصلحة لبنان.

استئناف العلاقات!

في آب من العام 2017 زار 3 وزراء لبنانيين هم الأشغال العامة يوسف فنيانوس، الصناعة حسين الحاج حسن، والزراعة غازي زعيتر، دمشق بصفتهم الرسمية للمشاركة في افتتاح فعاليات معرض دمشق الدولي، في زيارة وُصفت بأنها الأرفع لوفد لبناني رسمي إلى دمشق منذ 7 سنوات. علماً أن الزيارة لم تحصل على موافقة لبنان الرسمي.

في آب 2018، أي بعد سنة تحديداً، من المقرر أن يلبي كل من وزيري الزراعة والصناعة غازي زعيتر وحسين الحاج حسن في 16 آب الحالي دعوة نظيريهما لزياردة دمشق، يليها زيارة لوزير المال علي حسن خليل بدعوة من رئيس الحكومة عماد خميس.

هذه الزيارات تعبّر عن وجهة النظر السياسية لكل فريق:

فـ”حزب الله” لا يتوقف عن تكرار نغمة التنسيق مع النظام السوري لتسهيل حلحلة أزمة اللاجئين وتفعيل التعاون الاقتصادي والتجارة. فيما يرى المحللون السياسيون أن تطبيع العلاقة بين بيروت ودمشق يضمن لفريق حزب الله- دمشق- طهران الاستيلاء على القرار في بيروت لمواجهة الضغوط التي يتعرض لها تيار الممانعة في المنطقة ولبنان.

“حركة أمل” تؤيّد وجهة الحزب في هذا الإطار، وتدعو الى أهمية التنسيق مع النظام السوري.

نائب رئيس مجلس النواب ايلي فرزلي يقول: “تفعيل العلاقات مع سوريا حتمي وضروري لمصلحة لبنان قبل كل شيء”.

رئيس حزب التوحيد وئام وهاب يدعو الى التنسيق مع سوريا ويرى ان المجتمع الدولي سيلزّم من جديد لبنان لسوريا.

“التيار الوطني الحرّ” بدا أخيراً أنه في منظومة المؤيدين لتجديد العلاقات، فرئيسه وزير الخارجية جبران باسيل قال من زحلة خلال تمثيله رئيس الجمهورية ميشال عون في احتفال “يوم العرق اللبناني” كلاماً لا يقبل التأويل: “… ستعود الحياة السياسية بين سوريا ولبنان”.

مع الإشارة إلى تغريدة النائب السابق وليد جنبلاط الشهيرة التي تحدث فيها عن ان “هناك وزيرا معروفاً يزور دمشق كلَّ اثنين.. ولا سِرّ في هذا البلد”، في إشارة كما بات معلوماً إلى الوزير بيار رفول الذي ينتمي إلى “التيار الوطني الحرّ”، والذي يزور دمشق بشكل دوري.

المعتقلون!

بعيداً عن مسألة موازين القوى الجديدة في سوريا، وعن هدف الدعوات إلى التنسيق مع النظام السوري التي يدعو اليها كل فريق في لبنان وخلفياتها، وأحقية هذا الطرح أم عدمه، بات لزاماً على كل الفرقاء اللبنانيين إلى أيّ جهة انتموا أن يدركوا معاناة وآلام الأمهات اللواتي يفتقدن اولادهن ولا يعرفن أي مصير لاقوه. والمسؤولية الأكبر اليوم، هي عند الفريق الذي يملك علاقات مميزة مع النظام السوري، أن يطرح هذا الملف من زاويته الانسانية. فاذا كانت الدعوات الى اعادة الحياة بين لبنان وسوريا تحت شعار “الحرص على مصلحة لبنان”، فهل مصلحة لبنان تكون فقط بتفعيل طرق التجارة والتبادل الاقتصادي والكهرباء ومشاريع الاعمار في سوريا ونسيان ملف كبير كملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية؟

ألا يدعو تنقية العلاقات مع سوريا البدء بمعالجة جذرية لهذا الملف الذي ارتبط بالحرب اللبنانية، والكشف عن مصير كل المعتقلين؟

ألا يفترض ممن يدعو إلى تعزيز التعاون مع سوريا سياسياً وامنياً واقتصادياً، أن يحمل إلى نظام الأسد تصوراً واضحاً للافراج عن المعتقلين اللبنانيين في سجونه كبادرة حسن نيّة من قبله على الأقل اتجاه اللبنانيين والفرقاء الذين يتعامل معهم؟ فهل مصلحة لبنان تقضي ببقاء اللبنانيين في سجون تعذيب النظام؟

ولماذا لم يطرح أصدقاء سوريا في لبنان هذا الملف؟ وهل الأسباب السياسية أو الحزبية او الطائفية يجب ان تكون حاجزاً امام كبر أهمية معالجة وجع كبير من اللبنانيين وذاكرة الحرب اللبنانية؟

لماذا لا يتم تعيين وزير دولة لمتابعة ملف المعتقلين خصوصاً أن الرئيس ميشال عون يوم كان رئيسا لتكتل “التغيير والاصلاح” قدم اقتراحا بتكليف وزير دولة لمتابعة قضية المعتقلين.

هل يحتاج هذا الملف بعد إلى عهود وعهود لحلّه؟  “مرتى مرتى، تهتمين بأمور كثيرة والمطلوب واحد”.

تدويل الملف؟

يقول عضو تكتل “لبنان القوي” النائب آلان عون إن ملف المعتقلين والمفقودين في السجون السورية مهم، وهو سابق لكل الدعوات اليوم الى إعادة العلاقات مع النظام السوري ولاحق لها، ويجب ان يكون في صلب العلاقات مع سوريا لطي الصفحة. وذكّر بأن “التيار الوطني الحرّ قدّم خلال تسلم الوزير شكيب قرطباوي وزارة العدل قانونا يتعلق بتنقية الذاكرة وكشف مصير المفقودين في الحرب اللبنانية وتحديدا الموجودين في سوريا.

لكنه أشار في المقابل إلى أن هناك آليات مؤسساتية بين وزارة العدل اللبنانية والجانب السوري لمتابعة الملف، وبالتالي لا علم له اليوم أين أصبحت، وعما اذا حصل أي تقدم في هذا الموضوع، وما اذا كان ما زال العمل مستمراً، علماً ان الرئيس ميشال عون يوم زار دمشق، طرح هذا الموضوع مع القيادة السورية كما قال.

وفيما لم يتسن لموقع IMLebanon الاتصال بكل من الوزير غازي زعيتر والوزير حسين الحاج حسن للاطلاع على رأيهما خصوصاً أنهما سيزوران دمشق قريباً، أكد عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص لـIMLebanon أن موضوع المعتقلين والمفقودين في السجون السورية مطروح بشكل دائماً وهو لم يقفل أبدا، ولو انه لا يتم طرحه حاليا في الاعلام، خصوصاً أنه يخضع لجو العلاقات اللبنانية – السورية.

وأكد أن هذه الملف يشكل أولوية للقوات، مذكرا بأن النائب السابق ايلي كيروز كان طرح الملف أكثر من مرة في مجلس النواب، ووجه اسئلة للحكومة، وبالتالي، لا شيء يمنع عندما تتشكل الحكومة العتيدة، ان يعاد فتحه، وليس من منطلق عدائي للنظام السوري بل من منطلق انساني ووطني يتعلق بالعهود الدولية التي ترعى حقوق الانسان والتي ترعى المختطفين، خصوصا ان معالم المرحلة المقبلة في سوريا بدأت تتوضح. وجدد التأكيد أن موضوع المعتقلين والمفقودين في السجون السورية ليس منسيا وحاضر دائما في أدبيات “القوات اللبنانية”.

رئيس لجنة المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية علي أبو دهن، والذي قضى نحو 13 عاما في سجن تدمر، تحدث بوجع عن الاهمال الذي يصيب ملف المعتقلين والمفقودين في سجون النظام السوري، وخصوصاً الاهمال من قبل الدولة اللبنانية التي لم تحرك ساكناً ولم تقم بأي مبادرات لإنهاء معاناة الكثير من العائلات اللبنانية وإقفال جزء مهم وأساسي من الحرب اللبنانية. فهي “تصدق الكذابين وتكذّب الصادقين”. علماً أن لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لديه معتقلين في سجون الغير ولا يطالب بهم.

أبو دهن، قال لـIMLebanon إن طرح إعادة العلاقات مع النظام السوري هو انتقاص للسيادة اللبنانية، ولا يجوز اعادة اي علاقة بين البلدين من دون اغلاق ملف المعتقلين والمفقودين، خصوصاً أن من بين المعتقلين من كانوا في الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية ومن كانوا إلى جانب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم كان قائدا للجيش، ولا يقتصر فقط على وجود معتقلين حزبيين، لذا من الضروري أن تعمل الدولة اللبنانية على إنهاء هذا الملف باسترجاع المعتقلين واستلام كل الجثامين ومعرفة مصير من فقدوا، رافضاً كل التصاريح التي صدرت عن نظام دمشق من أن لا معتقلين سياسيين في سجونه، “لأنني تركت يوم غادرت السجن 7 معتقلين كانوا موجودين في سجن تدمر وبالتالي كيف يقولون أن لا وجود لمعتقلين لبنانيين”.

وإذ رأى ان حل هذا الملف اهم من فتح حدود وتمرير بضائع وتجارة على الرغم من أهميتها، ويجب ان يكون من أولى اهتمامات السلطة السياسية في لبنان، دعا أبو دهن الدولة الى التحرك قانوناً باتجاه انهاء الملف وحشر النظام امام الراي العام العالمي. وأشار إلى أن الرئيس سعد الحريري هو المسؤول الوحيد في الدولة الذي حمل في العام 2009 ملف المعتقلين والمفقودين في السجون السورية إلى سوريا، وبحثه مع القيادة السورية.

وتمنى أبو دهن أن تقوم كل القوى السياسية، وخصوصاً القوى السيادية، بتحريك هذا الملف وتدويله، ونحن جاهزون للتعاون من أجل أن يسلك الطريق الصحيح نحو الأمم المتحدة أو نحو محكمة العدل الدولية.

إذا، الدولة لا تحرك ساكناً، كل فريق يتجه الى دمشق خدمة لأجندته الخاصة، فيما لبنانيون أشقاء لنا يسكنون صروح التعذيب في دمشق، من دون أن يلتفت اليهم لا عهد ولا سلطة ولا وطن، علما ان معالجة جذرية لهذا الملف ضرورية واساس في تحسين العلاقات مع سوريا.