IMLebanon

النّفايات تتحوّل إلى مواد بناء في لبنان

كتبت فيفيان حداد في “الشرق الأوسط”:

 

كان المطلوب منهم تقديم فكرة ابتكارية للمشاركة في مسابقة «إبداع» التي تنظمها «الجامعة الأميركية» في بيروت. بحث طلاب الهندسة الثلاثة، محمد فليفل وجواد طفيلي وبكري صقر، عن فكرة خارجة عن المألوف تخولهم الفوز، فإذا بهم يتذكرون مشكلة النفايات التي يعاني منها لبنان. ومن هنا انطلقت قصتهم مع اكتشاف جديد يرتكز على تحويل النّفايات إلى مواد بناء.

«عندما وجدنا الفكرة رحنا نربط الأشياء ببعضها، فمع المطاط والزّجاج والبلاستيك يمكننا أن نبتكر خلطة مواد صلبة تصلح للبناء. ومع الوقت القصير الذي كان لدينا طوّرنا الفكرة لتشكل ركيزة أساسية في الهندسة المعمارية يمكننا الركون إليها بعد تحديثها». يقول محمد فليفل أحد الطّلاب المشاركين في هذه الفكرة لـ«الشرق الأوسط».

اختار الطّلاب الثّلاثة منطقة الأوزاعي لدراسة الفكرة والتأكد إذا ما كان تطبيق هذه الحلول ممكناً فيها. وتبين لهم أنّ مزج النفايات يتطلّب ماكينات غير معقدة وبتكاليف قليلة لطحن الزجاج والبلاستيك، وماكينة أخرى لتقطيع المطاط (دواليب السيارات) وفرن لتذويبه لاستخدامه مع الأسفلت لتزفيت الطّرقات. وهو الأمر الذي يخفّف من مصاريف إنشاء محارق للنّفايات الباهظة الثمن. ولاحظوا أيضا أنّ المكونات المطلوبة من النّفايات لا تحتاج إلى معالجة مثل مشروع المحارق التي يؤلف دمجها معا عملية صديقة للبيئة.

«هناك جامعات هندسية في الخارج ارتكزت على الزجاج في فكرة مشابهة فطبقنا الأبحاث التي جرت في الموضوع وبما أنّنا نعمل من أجل مسابقة إبداعية، طوّرنا الفكرة لا سيما أن نتائج ملموسة وحسية لم توجد بعد في هذا الإطار حتى في الخارج الذي تطرق إليها». يوضح فليفل في سياق حديثه. ويضيف: «من المواد الثلاث هذه، إضافة إلى خبرتنا كطلاب هندسة، ولدت هذه الخلطة التي نتمنّى إثر أبحاث مكثفة سنقوم بها قريبا أن نطبقها على الأرض».

دقة أكبر مغلفة بعلم أعمق يتطلبها هذا الاكتشاف كما يقول فليفل في المستقبل. فعادة ما تتألف مواد البناء من أربعة مكونات، وهي الماء والإسمنت وركام خشن والحصى إضافة إلى ركام ناعم غالبا ما يتألّف من الرّمل. طوروا فكرتهم مستبدلين الرّكام الخشن بقطع زجاج ناعم والرّكام النّاعم بقطع بلاستيك مستندين دائما إلى بحوث سابقة بهذا الشأن. «لقد وجدنا أنّ الخليط متناغم وتحسنت خصائصه على أصعدة عدة فقررنا التمسك بالفكرة وتقديمها».

ولكن هل حاولتم بناء مجسم صغير من هذه الخلطة؟ يرد فيلفل طالب الهندسة في الجامعة الأميركية: «لم يكن لدينا الوقت الكافي للقيام بذلك إلّا أنّنا ننوي التأكد منها في خطوة لاحقة، إذ لم يقدم أحد بعد على بناء عمارة من هذا المزيج».

لم تُخلط هذه المواد إلّا على أسس علمية دقيقة فتوصل الفريق إلى إيجاد النسبة المثالية للزجاج في مواد البناء وهي تتراوح بين 17 و20 في المائة. وهذه النسبة تؤمن المتانة المناسبة لمواد البناء. في حين أنّ إضافة البلاستيك تؤمن متانة إضافية، إذ تنخفض كثافة مواد البناء، ما يجعلها أخفّ من ناحية الوزن فتصير عملية البناء أكثر سهولة. احتسب الفريق كمية النّفايات التي يمكن التخلص منها في كل متر مربع عمار، وبلغت 160.8 كيلوغرام من الزّجاج و73.8 كيلوغرام من البلاستيك في المتر المربع الواحد.

ويوجه محمد فليفل نداء إلى اللبنانيين في هذا الإطار يطلب منهم الركون إلى فرز نفاياتهم لتسهيل عملية تدويرها لاحقاً. «على المستهلك أن يهتم بهذا الموضوع لتسهيل عملية تدوير النّفايات وجمعها واستعمالها فيما بعد من أجل مشاريع مفيدة كالتي نقوم بها».

أمّا المطاط المستخرج من دواليب السيارات فوجد الطّلاب الثلاثة طريقاً للتّخلص منه من خلال استعماله في تزفيت الطّرقات بعد خلطه مع الأسفلت. «تحسنت كثيراً نوعية الأسفلت بعد مزجه بالمطاط فأصبح أكثر مرونة وأقل جرياناً. كما توفر التركيبة الجديدة للأسفلت المستعمل في تزفيت الطريق حماية من ارتفاع الحرارة خصوصاً في فصل الصيف وهي تساهم في عزل الأصوات ما يخفف من نسبة ضجيج السيارات عند احتكاكها بالزفت»، يشرح محمد لـ«الشرق الأوسط». كما احتسب الفريق نسبة المطاط المستعملة عند تزفيت الطريق، وبلغت 51 كيلوغراماً في المتر المربع. الصّعوبة الوحيدة التي واجهت الطّلاب الثلاثة في هذا الموضوع كان ضيق الوقت ويعلق محمد فليفل: «لقد داهمنا الوقت بشكل جعلنا نركّز على الفكرة أكثر من القيام بالدراسات اللازمة لتطبيقها، فلم نستطع أن ندخل في تفاصيل تهمنا كطلاب هندسة. وهو الأمر الذي سننكب عليه في الأيام المقبلة».

إذن، بناء متين مصنوع من الزجاج والبلاستيك وطريق أسفلتي يخفّف من نسبة الضّجيج في المدينة وضواحيها، قد يصبح حقيقة بفضل أفكار شباب من لبنان. فلقد قاموا بهذه الخطوة بهدف الفوز في مسابقة «إبداع» عن فئة البحوث، وحصلوا في المقابل على مبلغ 2000 دولار سيستخدمونه من أجل تطوير دراساتهم في هذا المشروع، كما أشار محمد فليفل لـ«الشرق الأوسط». وبدا متحمسا لتنفيذ الفكرة على الأرض مع أصدقائه بحيث سيعمرون لبنان المستقبل على طريقتهم.