IMLebanon

بولس: لبنان لا يستطيع العيش الا على فكرة ان الجماعات الدينية متساوية والناس متساوون

أكد النائب السابق جواد بولس خلال حلقة مناقشة في مؤتمر “مقاومة العنف عن طريق الثقافة والفن” الذي نظمته “مؤسسة بيار فرشخ” أن السلامَ ونبذَ العنف ينبعان حكماً إدراكٌ عميقٌ لحقيقةٍ تاريخية، إدراكٌ لأهمية النموذج اللبناني كما أراده المؤسسون لا جهلةُ الحاضر ولا مسلحّوه وإدراكٌ لدور الدولة كمدافعٍ عن حرياتِ الجماعات والافراد.

ولفت بولس الى انه “عندما طلبتْ مني بوليت فرشخ المشاركةَ في حلقةِ مناقشةٍ حولَ موضوعِ المقاومةِ من خلالِ الثقافة، لم أعتبرْ أنني مدعوٌ للتعليقِ على طرقِ مواجهةِ التبدّلاتِ السياسيةِ والمجتمعيةِ بشكلٍ عام  وخاصّة منها التي تنتج عنفا واقعيا أو معنويّا فرديا أو عائليا. إلا انه عِوَضاً عن ذلك، فهمتُ الامرَ على انه طُلبَ مني ان اعلّقَ تحديدا على الأدواتِ الثقافيةِ والمفاهيمِ الأخلاقيةِ المتاحةِ لنا  لنخلقَ على الأقل خطّاً دفاعيا اخيراً بمواجهةِ منظومةِ  تدميرٍ شاملٍ تتخذُ أحيانا أشكالاً عنفيةً، واقعياً ومعنوياً، ضدَ النظامين السياسي والاجتماعي اللذين تلقاهما جيلي، من الجيلِ الذي أسهم بعضُه بولادةِ دولةِ لبنان الحديث”.

وأضاف: “هناك نوعٌ من التنافر في جمعِ مفردةِ “المقاومة” بمفردةِ “الثقافة”، وكأن مفهوماً عاماً كالثقافةِ ممكنٌ للمرءِ ان يقاومَه”، سائلاً: “أليست الثقافةُ تعبيراً عن تجلياتِ الإنسانِ الفكريّةِ والأدبيةِ والفنّيةِ بمفهومٍ جامع؟”.

واعتبر ان الثقافةُ موجودةٌ في كل مكانٍ يبدأُ فيه الإنسانُ بالانتظامِ اجتماعياً والأمرُ عينُه ينسحبُ للاسف على العنف!”، مضيفاً: “كلي ثقة، بأن بوليت لم تدعُنا لنناقشَ مقاومةَ الثقافة، رغم ان العديدَ منا قد يشعرون أحياناً أنهم محاطون “بمستبدين”، نريدُ ان نعتقدَ انهم لا تتسربُ إليهم ايةُ ثقافة، اللهم إلا إذا قصدنا ثقافةَ العنف.  وهذا نقاشٌ يستأهل التوقفَ عنده مطولا. الا أنني أخترتُ أن أفهمَ ان المسالةَ التي بين أيدينا، كما أسلفتُ، هي ان نلاحظَ تحلّلَ النظامين السياسي والمجتمعي، على علّاتِهما،  الذين ورثهما جيلُنا كبديهياتٍ ونحاولَ ان نعطيَ تصوّراً معقولاً لكيف  نُدخلُ إلى النظامِ الجديد الذي بدأ يتكوّن، تلك المفاهيمَ والقيمَ النيّرةَ التي نتمسّكُ بها ونشعرُ انه لا يفترض التفريطُ بها”.

وشدد على انه اعتمد مقاربةَ الموضوعِ ليس كناشطٍ اجتماعي أو مراقبٍ مجتمعي ولكن كسياسيٍ ذي خبرةٍ، آملاً: “كصاحبِ رؤية لها أسسٌ ضاربةٌ في طرائقِ تكوينِ النموذجِ اللبناني، ولكن أيضا الطرائقُ التي باتتْ تتحكّمُ اليومَ بتداعيه”.

وشرح بولس انه “ككلِ البلدان  طوّرَ لبنان  ما يسميه الانغلوساكسون روايةً وطنيةً” National Story  بالانغليزية. ولعل هذا قد عُبّرَ عنه بشكلٍ أفضل في الفكرةِ الفرنسيةِ التي تقول ب “الأساطير المؤسِسة” Les Mythes Fondateurs،  المفهومان لا يتقاطعان بشكلٍ كلّي،ولكنهما معاً يوصلان إلى فكرةِ أن الشعوبَ استنبطتْ مرويّاتٍ تاريخيةً بسيطةً تبالغُ في النظر اليها كمثاليّات وهي (أ) تصوُٰر تطلعاتِه الوطنيةَ،  (ب) تساندُ شرعيةَ مؤسساتِه الوطنية، (ج) وتمتّن الرابطَ المشتركَ الذي يجمعُ ابناءَ البلدِ الواحدِ بصفتهم مواطنين ضمنَ نظامٍ دستوري مشترك. وهذه الأساطيرُ المؤسسةُ معروفةٌ منا جميعاً”.

وقال: “لدينا الموارنةُ، كنيسةٌ رهبانيةٌ معقودةُ الرأي وصلبة، تزعم ،انطلاقاً من جبال لبنان، القاسيةِ والجميلةِ في آن، حمايةَ نقاوتِها العقائديةِ ضدَ التبعيةِ الفلسفية للأروام والدين التوحيدي الجديد الذي حملته الجيوشُ العربية الغازية. الموارنةُ الذين طوّعوا جبلَ لبنان، قد أجبروا الصخرةَ الصلبةَ على مكافأة هذا الجسد الذي حافظَ على كفايتِه الذاتية، هؤلاء الذين حافظوا على الارتباط مع كنيسةِ روما الأم ومن خلالِها اتصلوا بالمسيحيةِ الغربية. هذه الجماعةُ المؤلفةُ من الفلاّحين والرهبان قد باركتْ الارضَ وجعلتْ منها ملاذاً لكل أولئك الساعين إلى حمايةِ حرياتهِم ضدَ ظلمِ طغاةِ  آسيا المتسلّطين”.

وأضاف: “ثم لدينا الدروز. جماعةٌ أَشِدَّاء ولهم خصوصيتُهم. متجذرون بعمق في في القسم الجنوبي من جبال لبنان. أقليةٌ مضطهدةٌ وجدت ملاذَها بين القممِ العالية، منتجةً أعياناً دافعوا دوماً عن إستقلاليةِ الجبلِ ومعه البلدِ اللبناني ضمنَ حدودِ ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا . منذ الدّعوةِ وصولاً الى فخر الدّين الثاني، أبِ الأمة.  هذا الزعيمُ الذي يقول كلٌّ من الدروزِ والموارنةُ انه واحدٌ منهم”.

وواصل بولس: “الموارنةُ والدروز، كلا الجماعتين تقولُ الروايةُ الوطنية، صقلا بوادرَ هويةٍ وطنية بالمعنى الحديث (أي بالمعنى الوستفالي نسبة إلى مؤتمر وستفاليا الذي أسس لمفهوم الدول الحديثة)، ستفيضُ على مدنِ الساحل  وذلك بالتحالفِ مع الجماعةِ السنية، بعدما اضحت تطلعاتُ تلك الجماعةِ المحطّمةِ بإعادةِ تشكيلِ الدولةِ العثمانية ميْتةً كما الامبراطورية.  جماعةٌ حلمُها بتشكيلِ دولةٍ ضمنَ بَوتقةِ وحدةٍ عربية، قد تكسّرَ على ضفاف ميسلون، فقررت توليةَ وجهِها الى الداخل وصياغةَ ميثاقٍ وطني مع النخبةِ المسيحيةِ وقيادةَ المعركةِ المشتركة ضد الاستعمار”.

ولفت الى ان “هذه الأساطيرُ المؤسسةُ، ككل المرويّاتِ هي خلاصاتٌ تم تصويرُها بشكلٍ مثالي واستُلّت مِن احداثٍ تاريخيةٍ مرّكبة. رغم ذلك فهي قامتْ على احداثٍ موضوعية تحاكي خصائصَ كلِ مجموعةٍ والقراراتِ الأساسيةَ التي اتخذها قادتُها احيانا على فتراتٍ زمنيةٍ مديدة لتأكيد العلاقاتِ الخاصةِ لهذه الجماعة سواءً مع الارضِ او بعضِها مع بعض”.

وأضاف: “عند هذه النقطةِ، اعتقد انه من الأهميةِ ان نعودَ خطوةً الى الوراء ونتأملَ ارتباطَ وملاءمةَ هذه الأساطيرِ الموضوعَ الذي نتناوله اليوم. في الواقع، في مناقشةِ موضوعِ المقاومة الثقافيةِ للعنف، لا آخذ الأمرَ على انّنا نعني أساساً منظومةً معيارية (normative) مؤلفةً من قيمٍ فرديةٍ أوجماعية، والتي هي في الواقع، بمعناها الواسع، جامعةٌ،  تنطبقُ في كل مكان وزمان”.

قال بولس: “ليست المسالةُ ما اذاً كنا بحاجة او نريدُ اعادةَ هذه القيمِ او التشديدَ على أهميتها لأنه يفترضُ ان يوصلَنا ذلك إلى حواراتٍ حول الأخلاقياتِ او فلنقُلْ، في أيامنا البائسة هذه، حول غيابِ الأخلاق. لأنه من البديهي بالنسبة إليّ على الأقل، ان ايَ حوارٍ يتناول الأخلاقَ لا بد له وان يتضمنَ تنديداً بالعنف أظن انه علينا عِوَض ذلك التركيزَ على عناصرِ ثقافتنا التي تساهمُ في تحديد خصوصيتنِا كلبنانيين كما تفهمُها كلُ جماعة، من حينٍ إلى حين، والتي هي سلمية في جوهرها إلا أنه، عندما تواجهُ هذه العناصر تهديداً،  تتجلى ردّه الفعل فوراً في ممارساتٍ عنفية لأنها في الواقع متصلة إتصالا عضويا بالهوّية  من جهة وبالحرّية من جهة أخرى”.

وأضاف: “في ذلك، سأركز على عنصرين خاصّين، وهما طائفُتنا الدينية، ومعنى ولائِنا لهذا الوطن  لذلك  سأناقشُ انّ أساطيرَنا المؤسِسةَ كلبنانيين كانت نتاجَ الإرادةِ الصلبة لصُنَّاع الرأي الذين رسموا طريقَ البلد نحو الاستقلالِ وبعده، تحديداً لأنهم فهموا انهم باستطاعتهم استخدامَ هذه الأساطيرِ لبناءِ دولةٍ حديثة (أ) ترعى مشاركةَ الجماعاتِ وتعايشَها السّلمي، (ب) تحافظ على الحقوق الفردية (ج)  تحمي المواطنين من نزعةِ اللجوء إلى العنفِ أكان بغاية التسلّطِ أو الدّفاع، (د) وتسمح أخيرا بانتقالٍ منظّمٍ للسلطة بين الأطرافِ السياسية بحكم سموِ الدستور والقانونِ وآلياتهما ما يطردُ الحاجةَ الى العنفِ ويسمحُ بتنميةٍ هادئة للمجتمع. اسمحوا لي ايضاً التأكيدَ على واقعِ ان بعضَ العمالقةِ الذين صمّموا نظامَنا السياسيَ في بدايات القرن الماضي، كإميل ادة، شارل مالك، ميشال شيحا، يوسف السودا، بشارة الخوري، رياض الصلح، محمد الجسر، عبدالله العلايلي، البطريرك الحويك، نظيرة جنبلاط،  كميل شمعون وآخرين، كانوا يعَون تماماً عظمةَ المهمةِ الملقاةِ على عاتقهم، أن يخلقوا نظاماً سياسياً قابلاً للعيش والاستمرار والتطوّر بمراعاة آلياتِه الذّاتية ودونَ اللجوء ِإلى العنف (انقلابات، ثورات، حروب)”.

ولفت الى ان “هؤلاء فهموا انهم لا يستطيعون فقط نقلَ قيمِ عصرِ الأنوار، وعصرِ النهضة إلى لبنان، ولم يريدوا في الوقتِ عينِه للبنان ان يخضعَ لا للميولِ الثيوقراطيةِ الشرقيةِ ولا لشموليةِ حكمِ الضبّاطِ أو ألاحزاب الفاشية الذين طرحوا أنفسَهم على أنهم ضامنو فصلِ الدّين عن الدولة وبالتالي تحقيق المساواة على حساب الحرية.  ادركوا ايضاً ان نهجَ علمانيةِ الغرب كان اقتراحاً مستحيلاً في عالمٍ مسلم، ففضّلوا ابتداعَ مؤسساتٍ سياسية تقود مجتمعاً متعدّدَ الطوائف ويحافظُ في الوقتِ عينه على مواطنية للطوائف إذا جاز التعبيرُ إلى جانبِ مواطنية الأفراد ، كل ذلك ضمن إطارٍ دولة خاضعة لحكم القانون. استلزم الامرُ شخصاً بحجم جواد بولس، لتوضيح الصّلةِ الثقافية ِلهذا الجهدِ ووضعِه في سياق الحتميةِ التاريخية”.

واعتبر ان “جواد بولس كان منظراً للأمة اللبنانية.  في كتابه “الأسس الحقيقية للبنان المعاصر” التي لعلها واحدةً من أهم أعماله الملأى بالتحدي، طوّر فكرةً أساسيةً ان الأمةَ اللبنانية ليست مرتبطةً برباطِ (أ)  اللغة (ب) او الإتنيات، (ج) أو الدينِ (د) وإنما بفعل الجغرافيا التي سمحت بتميّز البلدِ اللبناني عن ارضِ “البادية”،  ووجّهت لبنانَ باتجاه البحرِ وآفاقِه المشرَّعةِ على العالم. لقد آمن ان جغرافية لبنان قد قادته ليكون ملاذاً للجماعاتِ المضطهدة الساعيةِ الى العيش بسلام وأمان والحفاظ في الوقت نفسه على هوياتِها الدينيةِ والثقافية.  هذه الجماعاتُ التي صهرتها فكرةٌ  أساسية هي “العيشُ المشترك” أو “العيشُ معا” ؛  ابتكرت مكوّنا اجتماعيا وسياسيا إراديّا للشعب اللبناني  ما سمح للبنانيين عموما بالعيش سوياً  والدفاعِ عن حرياتهم.  هذا هو المكونُ تحديداً الذي كان ولا يزالُ الصخرةَ الصلبةَ التي قام عليها لبنان”.

وقال انه “بتعبيرٍ آخر، دافع جواد بولس عن طبعِ لبنان المتميّزِ بهذه الميزات السلمية واللاعنفية:  الانفتاح، شراكةِ بين المكونات، تعدديةِ الثقافية، حسنِ الضيافة، رفضِ والأنماط القمعية، وكلُها أطباع فرضتها الجغرافيا فرضا على تلك المكوّنات،     لكنها فرضت ايضاً وبشكل متساوٍ في الأهمية، أن لبنانَ لا يمكن ان يكونَ أمّةً إِلَّا إذا ارتضت جماعاتُه المكوّنةُ ان تعيشَ سوياً وتنموَ سوياً في محيط من (أ)  تقبّل الآخر، (ب) التوافق، (ج) التعاونِ ضمن إطار من العدالةِ والمساواة بين جماعاتِ الطوائفِ وأفرادِ المواطنين.  ثقافةُ التفاهمِ المتبادلِ والتعاهدِ الكفيلة بالحفاظ على السلامِ وبهزم النزعاتِ إلى العنف التي تُمسكُ أصحاب الرؤوسَ الحامية والرؤوس الجاهلة  الذين لم يعوا أهميتها”.

وشدد على ان “لبنان مبنيٌّ على ذلك، ولا يستطيعُ العيشَ إلا على فكرةِ ان الجماعاتِ الدينيةَ متساويةٌ فيما بينها وان الناسَ متساوون امامَ القانون الذي عليه ان ينبثقَ من التفاعل الطبيعي للمؤسسات الديمقراطية، إِلَّا اذا، وهذه مسألةٌ هامة، إلا إذا  ارتضت الجماعاتُ التضحيةَ بهذه المساواةِ ظرفيا من أجلِ هدفٍ أسمى. (ومثال ذلك التوزيع الطائفي للرئاسيات الثلاث) .  إذن، فان السلامَ ونبذَ العنف ينبعان حكماً من فهمٍ لهذه الأسسِ الثقافيةِ الاساسية. انه إدراكٌ عميقٌ لحقيقةٍ تاريخية، إدراكٌ لاهميةِ النموذج اللبناني كما أراده المؤسسون لا جهلةُ الحاضر ولا مسلحّوه وإدراكٌ لدور الدولة كمدافعٍ عن حرياتِ الجماعات والافراد. وهو إدراك غير معمّم للأسف”.

وأضاف: “إلا انه كان هناك جماعةٌ ضاعت مرويّاتُها في الأساطيرِ المؤسسة.  هي الطائفةُ الشيعية. تلك التي طالما اضطُهدتْ وعُزلت واضطرّت أن تعيشَ على هامشِ الجماعات الأخرى”، معتبراً “إن تنامي القوةِ عند تلك الجماعة ساعدها على إدّعاءِ القولِ بأنها قد ساهمت في  شيءٍ إساسي لهذه الأمة. إن (أ) التحريرَ الملحميَ للجنوب، (ب) الانتصاراتِ ضد المحتل الإسرائيلي، (ج) الشعورَ بأن جماعَتَهم أصبحت الآن حاميةَ الأرضِ ومن عليها والشرفِ الوطني،    دفعهم إلى تطويرِ مرويّتِهم الخاصةِ التي تتمحورُ حول تفوّقِ جماعتهم، بما هو نقيضٌ للمساواة ، وبما هو في العمق، تفوّق لشريعةِ دينيةِ على حسابِ القانون المدني”.

ورأى بولس ان “اكثرَ الأحزاب بروزاً عند الشيعة ، حزب الله، لا يستطيع العمل وفق إطار النظام السياسي اللبناني إلأ  لأنه حصل على فتوىً شرعية خاصة من المرشد الأعلى الايراني تتيح له ذلك. هذه الفتوى مشروطة بضرورة دفع النظام باتجاه  تحوّل النظام في لبنان إلى ديني، وبالتالي تدمير النظام السياسي القائم تدريجيا  ومعه القيم الثقافية التي قام عليها البلد. إنه مشروع عنف. إنه مشروع مدمّر. (تماما كان مشروع الاستعانة بسلاح عرفات مدخلا لتغيير العقد السياسي من خارج آلياته مشروع عنف ودمار من قبل)”.

أضاف: “استلزم الأمر جهداً من رجلٍ رؤيَوي، زغرتاويٌ هو أيضا، ليقترح حلاً للمعضلة التي خلقتها المروية الشيعية الحديثة.  لقد اقترح سمير فرنجيه  عدم جواز وضع مرويّة الاستقلال اللبناني بمجابهة المرويّة الشيعية للتحرير بل ان تكمّل إحداهما الأخرى.  إلا ان الشرط لقيام ذلك، كان وما يزال أن تجتمع المرويتان وتتصالحان مع النظام السياسي القائم وما يكتنزه من قيم ثقافية.  وقد عبّر سمير عن ذلك عندما قال أن تلك المصالحة يجب أن تكون وفق شروط الدولة وليس وفق شروط حزب أو جماعة. كان هذا تقدماً تصوّريا وفكريّا بالغ الأهمية، في زمن الاستقطاب السياسي التعصّبي والعنف. زمن الاغتيالات والحروب والعنف اللفظي، والغزوات لقد رأى سمير فرنجية أنه ، ما لم يخلق اللبنانيون انسجاماً بين مختلف مرويّاتهم الجماعية وفق رواية وطنية مقبولة عامةً فإن العنف سيكون حتميا!”.

واردف: “لكن سمير فرنجية تماماً كجواد بولس قبلَه أدرك ان انسجام المرويّات لا يمكن ان يُبنى إلا على الدّعامتين التّاليتين:

الاولى: في تبنّي القيم التي حددت تاريخياً الثقافة اللبنانية والتي لخّصها في تلك الفكرة الخلاّبة بأننا علينا أن ندعم “ثقافة الحياة” وليس ثقافة الموت.

ثانيا: ان الجماعات والافراد كافّة عليهم الانصياع لسلطة الدّولة وحكم القانون الصادر عن المؤسسات السياسية التي أنشأها ونصّ عليها الدستور.

حتى يومنا هذا ما زالت رؤيتا كل من جواد بولس وسمير فرنجية الرّافدتان بعضها بعضاً غير مفهومتين وغير متحققتين.

وختم: “بعضكم قد يشعر بأنّي تركت او ابتعدت عن الموضوع الأساس الذي حددته هذه الطاولة، وهو كيف نقاوم العنف عبر الثقافة والفن. حجتي ان النظام اللبناني، كما تم بناؤه أساساً، وكما وصفه البابا يوحنا بولس الثّاني على أنه رسالةٍ للانسانية، يجسّد كل العناصر اللازمة لنشر السلام والانتصار على العنف. ولكن هذه الحقيقة لن تبرز إذا استمررنا في فشلنا بالبناء على ارثنا الثقافي المميز”.