IMLebanon

معاهدة تجارة الأسلحة: تباين بين أمل وحزب الله؟

لم تخرج الجلسة النيابية المخصصة لما اصطلح على تسميته “تشريع الضرورة” عن المتوقع منها، باستثناء مشهد  الفوضى العارمة في القاعة العامة عقب انسحاب نواب القوات اللبنانية وتيار المستقبل، على خلفية رفض البحث في بنود متعلقة بصحة الناس، وبتحسين أوضاع مرفأ طرابلس، من خارج جدول الأعمال.

وإذا كانت هذه الأجواء “المكهربة” بعض الشيء أطاحت “تشريع الضرورة”، فإن حدثا مهما سجله الشريط النيابي يوم أمس في ساحة النجمة اذ تمكن نواب الأمة، بعد نقاش طويل ومستفيض من المصادقة على معاهدة الأمم المتحدة لتجارة الأسلحة التي دخلت حيز التنفيذ عام 2014، ووافق عليها لبنان في العام نفسه، علما أن كثيرا من دول العالم صادقت عليها وبينها اسرائيل، ما يفسر اعتراض نواب حزب الله العنيف على المصادقة عليها. علما أن الأمور بلغت بعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي عمار حد الإنسحاب من الجلسة، “احتراما لدماء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن قضية المقاومة”، على حد تعبيره.

وإذا كان مألوفا ومتوقعا أن يعارض حزب الله اتفاقا دوليا سبق أن وقعته الدولة العبرية، فإن من شأن قراءة متأنية لنص المعاهدة موضع السجال، ان توضح أكثر سبب اعتراض الحزب وحلفائه على هذه المعاهدة التي تتعارض بوضوح مع الحضور العسكري لعناصر الحزب في سوريا كما في اليمن، حيث أنها تنص على التزام مبدأ امتناع الدول الأعضاء، “في علاقاتها الدولية، عن “التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”، ما يعني أن الحزب، في مشاركته في القتال في سوريا إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد يناقض المعاهدة، تماما كما يقفز فوق سياسة النأي بالنفس التي من الممكن تلمسها بين سطور هذه الاتفاقية الدولية.

ويحظّر نص المعاهدة أيضا في مادتها السادسة على الدول الأطراف “السماح بأي عملية نقل أسلحة تقليدية أو أصناف منصوص عنها في المادتين 3 و4، إذا كان من شأن هذا النقل أن ينتهك الالتزامات الواقعة على عاتق الدولة بموجب تدابير اتخذها مجلس الأمن الدولي، وهو يتصرف تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لا سيما تدابير حظر توريد الأسلحة”. ويأتي هذا البند فيما تكثر التساؤلات عن مصادر سلاح حزب الله، وإمرارها عبر المعابر غير الشرعية، علما أن المعاهدة تمنع أيضا الدول الأعضاء من السماح بعمليات نقل الأسلحة التقليدية إذا كانت على علم مسبق بأن هذه الأسلحة ستستخدم في جرائم الحرب، أو جرائم ضد الانسانية أو مخالفات لاتفاقيات جنيف 1949، أو هجمات ضد مدنيين أو أهداف مدنية، أو مدنيين يتمتعون بالحماية بتلك الصفة”.

على أن نص المعاهدة ومندرجاتها ليسا النقطة المهمة الوحيدة التي سجلتها الجلسة النيابية. ذلك أن هذا النص حظي بموافقة الغالبية الساحقة من الكتل النيابية، في مقابل اعتراض نواب حزب الله وحلفائه الدائرين في فلك 8 آذار كالمردة والحزب السوري القومي الاجتماعي، والسنة من خارج تيار المستقبل، إضافة إلى النائب جميل السيد. على أن المفاجأة الأكبر كانت في اكتفاء حركة أمل، الحليف الأهم على الاطلاق لـ “حزب الله”، بالامتناع عن التصويت بدلا من الاعتراض، وإن كان الوزير علي حسن خليل بدا شديد الحرص على تأكيد “الانسجام التام مع حلفائنا في حزب الله”، عقب الجلسة الصباحبة التي أقر هذا البند في خلالها. خطوة حركة أمل هذه قد يقرأ بين سطورها البعض رغبة من رئيس المجلس نبيه بري في عدم الدخول في اشتباك مع الغالبية الساحقة من القوى، خصوصا أنه يعمل على ترميم علاقاته مع بعضها كالقوات اللبنانية على سبيل المثال، في محاولة للحفاظ على ديمومة التسوية التي تحكم البلد منذ إنطلاق العهد.

وفي المقلب الآخر قراءة تفيد بأن التصويت على هذه المعاهدة يدحض الأقاويل التي سرت غداة الانتخابات النيابية عن أن حزب الله نجح في انتاج مجلس نيابي يحكم قبضته عليه، بدليل السجال حول كيفية التصويت والأعداد التي انتهت إليها هذه العملية، وتمرير البند، على رغم اعتراض محور بكامله.