IMLebanon

تعجْرف إسرائيل يُصْعِد بوتين إلى الشجرة تحت أنظار إيران المتفرّجة

كتب ايليا مغناير في صحيفة “الراي” الكويتية:

قرّرتْ روسيا إرسال منظومة صاروخية من طراز «اس 300 في أم» المتطوّرة الى سورية كخطوةٍ تصعيدية تُغيِّر المعادلة في بلاد الشام، ليس لان اسرائيل لا تستطيع ضرْب هذه المنظومة – أو المحاولة على الأقل إذا اعتبرتْ أنها تشكل تهديداً مباشراً لها – بل لأن أي محاولة لتدمير هذه المنظومة ستُعتبر تحدياً مباشراً وواضحاً لروسيا، الدولة العظمى التي سمحت لدولٍ عدة بالتمادي على مكانتها في العالم.

ولا يعني قول روسيا إنها ستسلم الـ «اس 300 في أم» الى سورية ان دمشق ستقرّر مَن ستضرب ومتى ستضرب أهدافاً معادية لها. بل ان روسيا معروفةٌ بمماطلتها بتسليم منظومات حديثة لحلفائها، كما ان وجود قواتها في سورية بالتحديد يمنعها من أن تضع أمن طائراتها بيد أي جيش آخر مهما وثقت به ما يؤكد أنها هي التي ستدير هذه المنظومة في سورية.

بالاضافة الى ذلك، فان التعجرف الاسرائيلي دَفَع الرئيس فلاديمير بوتين الى اتخاذ هذا القرار، هو الذي قالت قيادته ان «اسرائيل ناكرة للجميل» لأن موسكو ساعدت تل ابيب كثيراً على حساب الدولة السورية وحلفائها (محور المقاومة) لأن هدفها المحافظة على توازن من دون ان تكون طرفاً في الصراع بين اسرائيل وهذا المحور.

ولا تستطيع روسيا ان تبقى على الحياد والاحتفاظ بعلاقة مميزة مع الجميع لان اسرائيل لا تفهم هذه اللغة. والدليل ان القيادة السياسية – العسكرية في اسرائيل تستخفّ بالجيش الروسي ومكانة روسيا كدولة عظمى.

وقد شرح الكرملين ما حدث بالضبط: فقد أبلغت اسرائيل أنها ستضرب هدفاً في الشرق، فطلبت قيادة حميميم من الطائرة IL-20 الانحراف نحو الغرب والهبوط في حميميم لتبتعد عن منطقة الاشتباك والسماح لاسرائيل بضرب أهدافها. الا ان طائرات الـF-16 ضربت هدفاً في الغرب (اللاذقية) وكذبت على القيادة الروسية ما سبّب حادث اسقاط الطائرة الروسية. وبسبب الموقف الروسي المحايد، استغلت اسرائيل الفرصة لتدمر البنية التحتية العسكرية للجيش السوري. وكان مصنع تصنيع قطع لصواريخ الـ M-600 السورية في اللاذقية آخِر هدفٍ اسرائيلي لمنْع دمشق من امتلاك قوة صاروخية دفاعية وإعادة بناء نفسها.

وقال الرئيس بشار الأسد أثناء محادثته مع بوتين – بحسب مصادر القرار في سورية – ان «اسرائيل تقضي على عصَب الدولة السورية الدفاعية تحت حجة ضرْب حزب الله». وبالتالي فإن تل ابيب تستخفّ ببوتين الذي لم يكن يمانع رؤية إيران غير قوية في سورية ليحافظ هو على التوازن. لكن مواقفه جذبتْه الى اللعبة الاسرائيلية التي لا تحترم اي اتفاق تحت حجة «أمنها القومي» والدعم الاميركي اللا محدود.

لقد حصل خطأ اسرائيلي تكتيكي أدى إلى أزمة استراتيجية. والتكبر والتعنت الاسرائيلي يمنع بوتين من أن يغيّر رأيه بالنسبة لتسليح سورية وتصعيد الموقف. لكن الخطوة الجدية تكمن في إغلاق الأجواء السورية، وهي خطوة يبدو أن روسيا لا تريد الإقدام عليها بسبب تواجد اميركا واحتلالها لأراضٍ سورية في التنف والحسكة – دير الزور. واذا اعتذر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأقرّ بخطئه وقرّر دفْع التعويضات، فإن هذا من شأنه إنزال بوتين عن الشجرة التي صعد اليها.

في جميع الاحوال، فان منظومة «اس 300 في ام» تستطيع حماية حمص والسواحل السورية والعاصمة دمشق. وهذا يكفي أيضاً لحماية المصالح السورية – الإيرانية في بلاد الشام. وهذا ما سيدفع اسرائيل للتصعيد، هي التي تملك 6 طائرات شبح اميركية تستطيع تخطي الـ أس 300، إلا أنها ستكون في مواجهة مباشرة مع روسيا هنا.

لقد قرر «محور المقاومة» الوقوف على الحياد كي لا يُستغل أي تصريح ضد روسيا. لكن هذا المحور يَعتبر الخطوة الروسية ايجابيةً ورادعة وتسحب بعض الحياد من بوتين الذي أرغمتْه اسرائيل على الخروج من حياديته وخدماته التي قدّمها لها في سورية قبل ان يعتبرَها «جاحدة».

ان قرار روسيا هو قرار تراكُمي ينبع من تخطي اسرائيل لحدود موسكو. ومما لا شك فيه أن هناك حرباً اقليمية – دولية تدور رحاها في بلاد الشام وعلى المسرح السوري – اللبناني – الإيراني حيث تُستخدم جميع الأسلحة ما عدا النووية.

إلا أن الفصل الأخير لا يزال بعيداً ما دامت المواجهة الأخيرة بين موسكو وواشنطن لم تحصل بعد وهي متوقَّعة عند طلب دمشق من أميركا الانسحاب من المناطق التي تحتلّها.

لقد أثبتت الحرب السورية أنها مليئة بالمفاجآت وأن خَطَرَها يتمدد. إلا أن الحلف السوري – الايراني يستفيد من الأخطاء الكثيرة التي تقع فيها أميركا واسرائيل، وما على هذا المحور إلا الانتظار والتفرّج.